استقبل أبناء الجالية الإسلامية فى النمسا عامة والجالية المصرية والعربية بصفة خاصة شهر رمضان المبارك بمظاهر فرحة وسعادة بالغة. ففى ليلة رؤية الهلال استمرت الاتصالات الهاتفية بالمراكز الإسلامية المنتشرة بالعاصمة فيينا وبقية المقاطعات الأخرى ليتأكد أبناء الجالية الإسلامية من بداية شهر رمضان المعظم. وفى هذا الشهر الكريم تشهد المساجد والأندية والجمعيات الإسلامية والعربية تدفقا كبيرا من أبناء الجالية سواء المنتمون الى تلك التجمعات أو من خارجها, فالجميع يحرصون على قضاء معظم أيام وليالى الشهر المبارك وسط التجمعات الإسلامية والعربية. ولعل الوضع القانونى المتميز للإسلام فى النمسا الذى يؤكد حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين ساعد فى إعلانهم مظاهر الاحتفال بشهر رمضان وممارسة فريضة الصوم بحرية تامة، ويقبل المسلمون فى النمسا على المساجد بكثافة لأداء الصلاة وبخاصة التراويح والاستماع إلى الدروس الدينية. ومن أجمل ما يلاحظ فى هذا الشهر الكريم هو الحرص على أداء صلاة التراويح جماعة فى المساجد والأندية طيلة أيام رمضان ويتجه العدد الأكبر منهم الى المسجد الرئيسى بالمركز الإسلامى الواقع على ضفاف نهر الدانوب الأزرق بفيينا. كما تعرض المحلات والأسواق المنتجات الرمضانية التى يتميز بها شهر رمضان مثل الياميش والبلح وقمر الدين التى بدأت المحلات النمساوية تعرضها للبيع لما وجدوه من اقبال على هذه المنتجات خلال هذا الشهر الكريم، بالإضافة الى تسابق المسلمين الى اقامة موائد الرحمن من أجل التقرب الى الله وزيادة الحب والمودة والرحمة بين أبناء الجاليات وتتحول المساجد الى مراكز لتعليم الأبناء الصغار تعاليم دينهم وسماحة الإسلام وآدابه والتحلى بالأخلاق الكريمة فهناك مَن يعتمد على الدعاة المقيمين فى البلاد، وهناك من يستقدم الدعاة من البلاد الأخرى مثل الدعاة الأزهريين من مصر. وتشهد المساجد خلال شهر رمضان تجمعات لقراءة القرآن وأيضا التسابق فى ختم القرآن والمواظبة على الصلاة فى جماعة وتتجلى اجمل واحلى الصور خلال صلاة التراويح التى تشهد صورا تكاد تتحدث عن نفسها من حلاوتها وتناغمها . ونجد ان هناك مشاركة فعالة من جانب رجال السياسة وأعضاء الحكومة النمساوية وعلى رأسهم الدكتور هاينز فيشر رئيس جمهورية النمسا الذى يحظى بشعبية كبيرة لدى أوساط الجالية الإسلامية لانتهاجه سياسة معتدلة تجاه المسلمين الذين كان لهم دور فى تأييده فى انتخابات الرئاسة النمساوية وفوزه بدورة رئاسية ثانية حيث تشارك الجالية الإسلامية والعربية فى الحياة السياسية النمساوية، ومن هذا كله نجد ان الجالية الإسلامية استطاعت ان تحجز لنفسها مكانا متميزا داخل المجتمع النمساوى . وتعاظم عدد المسلمين فى النمسا يوما بعد يوم يعتبر سببا رئيسيا لكى توجه المؤسسة الحكومية اهتمامها بهم وبمشاكلهم وبقضاياهم باعتبارهم أقلية متميزة ثقافيا وتاريخيا عن بقية الأقليات الأخري. وعلى مستوى الجالية المصرية يلاحظ أن النادى المصرى بوسط العاصمة يقصده يوميا عدد كبير من مسلمى الجالية المصرية وجنسيات اخرى لأداء الصلوات فى جماعة, كما يستمعون الى تلاوة القرآن الكريم. وفى شهر رمضان تكثر الدعوات للمشاركة فى الافطار, ويلاحظ ذلك على مستوى العلاقات الشخصية والصداقة, أو على مستوى أوسع بين أبناء الجالية دون تمييز. ولعل من أهم الموائد التى يقيمها أبناء الجالية المصرية فى شهر رمضان هى مائدة الوحدة الوطنية التى تدعو إليها كنيسة عذراء الزيتون بفيينا, ويشارك فيها الأقباط والمسلمون, وفى مقدمتهم السفير المصرى وأعضاء السلك الدبلوماسى المصرى ورموز من الجالية. وتعكس مائدة الوحدة الوطنية كما هو واضح من اسمها مدى قوة ومتانة نسيج الوحدة الوطنية المصرية فى المجتمعات الغربية امتدادا لتلك العلاقة الوطيدة بين أبناء مصر فى داخل الوطن مسيحيين ومسلمين. وكذلك الموائد التى تحرص الأحزاب النمساوية الكبيرة على أقامتها لرموز الجالية الإسلامية, مما يؤكد اهتمام القوى السياسية بالمسلمين وبدورهم فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية خاصة بعد أن بلغ تعدادهم نحو أربعمائة الف مسلم. فى رمضان أيضا وكما هو الحال فى أرض الوطن يكثر أبناء الجالية المصرية من الصلاة وقراءة القرآن الكريم ويحرصون على ختمه عدة مرات طوال الشهر راجين من الله المغفرة والتوبة وأن يفيض عليهم من بركاته. وفضلا عن الجوانب الدينية التى يتميز بها الاحتفال بشهر رمضان فهناك أيضا مظاهر أخرى تعكس عادات وتقاليد أبناء الجالية المصرية بصفة خاصة, ففانوس رمضان مازال أهم مظهر من مظاهر الاحتفال بهذا الشهر, وكثير من أبناء الجالية يحرصون على الاحتفاظ بهذا الفانوس فى منازلهم.