لماذا استهدف الإخوان وحلفاؤهم النائب العام المستشار هشام بركات بالاغتيال ؟ لأنه النائب العام ! تلك هى الاجابة فى صورتها المبسطة ؛ فالرجل يحتل المنصب الأهم على رأس النيابة العامة وهو المحرك الرئيسى لجميع القضايا التى يحاكم فيها الاخوان والارهابيون اليوم، على خلفية طبيعة المرحلة وصراعاتها وطبيعة وخطورة القضايا المنظورة حالياً وضخامة تأثيرها على مستقبل ووجود تنظيمات وكيانات بعينها وعلى رأسها الاخوان. التصعيد الاخوانى الخطير على وجه العموم مرتبط فى الأساس بمحاولتهم اليائسة لانقاذ القيادات من مصيرهم القضائى بعد الحكم على هؤلاء فى قضايا بالغة الخطورة وتمس الأمن القومى المصرى والعربى أيضاً ، بالنظر الى أوراق تلك القضايا التى تثبت اتصالاً بالحرس الثورى الايرانى والمخابرات الايرانية واطلاع تلك الأجهزة على أسرار متعلقة بأجهزة ومؤسسات سيادية وعسكرية مصرية . طبيعة هذه القضايا ليس من شأنها فقط الدفع بأهم قيادات الاخوان ورؤوس الجماعة الى مستقبل مجهول ما بين الاعدام والسجن لفترات طويلة ، بل ان مستقبل هذه الجماعة برمته صار محسوماً بشكل كبير بالتغييب شبه النهائى من مشهد الشراكة والتعايش المجتمعى والسياسى بالنظر لخطورة وفداحة الجرائم التى ارتكبتها أثناء محاولاتها المستميتة فى التشبث بالحكم والسلطة . وبالعودة الى تاريخ الجماعة الطويل ، فهذه هى المرة الأولى التى تكشف وتثبت ضدها بالوثائق والمستندات والحيثيات القضائية اتهامات بهذه الخطورة ، بالرغم من علاقات الجماعة السابقة منذ نشأتها بمخابرات وجهات سيادية غربية وخليجية ، ولذلك كان الاجراء فى السابق عندما تتجاوز الجماعة حدودها هو التغييب المؤقت والحظر المرحلى ، أما اليوم وفى ظل هذه المستجدات غير المسبوقة ، فهى تواجه بالفعل تغييباً طويلاً عن الساحة ، لم تجد وسيلة لمواجهته بعد فشل الوساطات الخارجية ، وبعد رسالة الرئاسة الأخيرة لهم ، الا اعلان الحرب على القضاء المصرى وفى القلب منه النيابة العامة وعلى مؤسسات الدولة ورموزها . تحركات الاخوان خلال هذه المرحلة لم تعد من أجل المطالبة بعودة مرسى والاخوان للحكم ، انما لانقاذ الجماعة وقياداتها من مصير مجهول بعد أن صارت أوراق التنظيم وممارسات القيادات وعلاقاتهم الخارجية فى يد القضاء المصرى . نلاحظ هنا ارتباكاً ظاهراً يعكس حجم الصراعات داخل التنظيم حول من يقود الجماعة فى هذه المرحلة وحول الأسلوب الأمثل لانقاذ الجماعة من هذا المصير ، وهذا نلحظه جلياً فى تغير اللهجة بين ندائى الكنانة الأول والثانى ؛ فالأول يحرض على ما أسموه » الجهاد المقدس » والقصاص وكسر » الانقلاب » باستهداف رموز الدولة من سياسيين وعلماء وقضاة واعلاميين ، أما البيان الثانى فتضمن دعوات للوساطة بمناشدة العاهل السعودى ومن أسموهم » عقلاء الأمة » ، وبدلاً من استخدام مصطلحات دينية حربية فى البيان الأول استخدموا مصطلح » العصيان المدنى فى البيان الثانى » ، كذلك هم يوجهون دعوات لتيارات سياسية فى الوقت الذى تعلن فيه الجبهة السلفية الموالية للاخوان الخروج بثورة اسلامية بالمصاحف فى الثلاثين من يونيو ، وفى الوقت الذى يتوالى فيه انشاء خلايا مسلحة جديدة ، وآخرها خلية » حراس الثورة » بالاسكندرية . الشهور الأخيرة شهدت تحولات خطيرة بالنسبة لأداء الاخوان على الأرض ؛ فتحالف الاخوان لم يعد له حضور جماهيرى شعبى ، ولم تعد فعالياته مجرد مسيرات من المتعاطفين مع الرواية السياسية الاخوانية ، انما صار كياناً محرضاً بالخارج من خلال نوافذ اعلامية توجد معظمها اليوم بتركيا ، وقد قام بالفعل مشايخ واعلاميون محسوبون على الاخوان بالتحريض المباشر على اغتيال القضاة مثل أكرم كساب وغيره ، بالاضافة لخلايا مسلحة محلية أشهرها وأهمها » المقاومة الشعبية » و » الحسم الثورى » و » القنص الشرعى » و » وثوار بنى سويف » و » مجهولون ضد الانقلاب » .. الخ ، تحظى بتوجيه ودعم وتنسيق من داخل تركيا ، حيث أعلنت هذه الخلايا المسلحة مؤخراً فى بيان رسمى مبايعتها للقيادى محمود فتحى رئيس حزب الفضيلة وأحد أهم حلفاء الاخوان والهارب بتركيا كمنسق عام لها . بما يعنى أن كلمة السر فى اغتيال النائب العام المصرى هى العلاقة اللوجستية التنسيقية التى تربط بين تلك الخلايا المسلحة العاملة على الأرض فى مصر وبين هذا القيادى المتحالف مع الاخوان من جهة ، وبين علاقات هذا الرجل المريبة فى دهاليز وأروقة الحزب الحاكم بتركيا وأجهزة المخابرات هناك . على خلفية أحداث ميدان «تقسيم» فى تركيا والتى راح ضحيتها أحد الأطفال ، قامت جماعة تركية يسارية مسلحة قبل شهرين تقريباً باحتجاز النائب العام التركى فى مكتبه لاجبار السلطات التركية على التحقيق فى مقتل الصبى التركى وتقديم الضباط المتسببين فى مقتله للعدالة ، وأودت هذه العملية بحياة النائب العام أثناء محاولة تحريره . فهل صارت عقلية الاخوان مرتهنة الى هذا الحد للواقع التركى ، لدرجة استنساخ نفس الأهداف والرموز ؟ [email protected]