بعيدا عن السياسة هذه المرة والعدو لجهة الاخلاق في محاولة للبحث عن متنفس للروح في شهر رمضان ، لا سيما بعد ان اطبقت علي انفاسنا موجة من الأعمال التليفزيونية التي لا علاقة لها بالمطلق بالشهر الفضيل جملة وتفصيلا ومساحة إجمالية. تستدعي حالة الانهيار الروحي العالمي والانفلات غير المسبوق في عصر العولمة البحث من جديد عن نسق اخلاق عالمي يقف سدا في وجه موجات العلمانية ذات الأنوار التي تعمي من جهة، وبالقدر ذاته يقينا شر الأصوليات الظلامية منزوعة الضمير الإنساني. في هذا الإطار يعن لنا أن نتساءل هل يصلح مشروع المفكر السويسري الكبير «هانز كينج» في ترميم ما أفسده الدهر؟ «كينج» هو المفكر الكاثوليكي الشهير، واستاذ علم اللاهوت المسكوني، ورئيس مؤسسة الأخلاق العالمية، التي تري أنه لا سلام حول العالم بدون سلام بين الأديان.يؤكد هانس كينج علي أنه من الممكن اكتشاف بعض القيم والمعايير والمواقف المشتركة الاساسية، في مختلف الأديان والفلسفات، والتي ينبغي التوعية بها بجميع الوسائل المتاحة لنا، للفرد كارشاد شخصي، للمجتمع كشرط لتماسكه، وللأمم والجماعات الدينية كأساس للتفاهم والتعاون والسلام. وعلي أساس هذه المقاييس أو المعايير، الاخلاقية المشتركة، المسماة باختصار «معايير أخلاق إنسانية» أو «مقاييس عالمية للأخلاق» يمكن للبشر من جميع الثقافات والامم أن يتعايشوا، ويتعاونوا من أجل عالم أكثر سلاماً وعدلاً. في مقدمة القضايا التي يتناولها «كينج» في مؤلفاته عادة، تلك المتعلقة بالارهاب وعلاقته بالاسلام المسلمين، وضمن الأسئلة الموجهة له... هل يمكن تبرير الارهاب بالقرآن؟ يتخذ الرجل في اجوبته من القرآن الكريم مرجعا، ويري ان كثير امن الآيات المحكمات تطالب بالرد علي السيئة بالحسنة، أو درء السيئة بالحسنة، كما تقول الآية الكريمة: « وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُم سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَي الدَّارِ (الرعد: 22). في مشروعه عن الأخلاق العالمية يؤكد «كينج» أنه ينبغي أن تمتلك جميع الديانات الكبري القواعد الاخلاقية الاساسية نفسها، وهو ما يكون قاعدة لمقاييس إنسانية مشتركة للاخلاق، مقاييس عالمية للاخلاق، وعنده إن مجرد مراعاة القاعدة الذهبية من شأنه مساعدتنا في السياسات الكبري، وكذلك في الحياة اليومية.. يقول المثل المشهور الذي يعرفه الاطفال عادة في سن مبكرة: «ما لا تريد أن يفعله الاخرون بك، لا تفعله أنت أيضاً بالاخرين». والثابت أنه لم يدرك كثير من الناس الضرورة الملحة لمشروع المقاييس العالمية للأخلاق عموماً، إلا من خلال مأساة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فلا سلام بين الامم بلا سلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان بلا حوار بين الأديان، إذا لم يحدث هذا الحوار، أو إذا توقف فالبديل هو العنف... لماذا ؟ الثابت أنه عندما لا يتحدث الناس بعضهم مع بعض، يقومون بإطلاق النار بعضهم علي بعض، ليس فقط في الإسلام، لكن أيضاً في اليهودية والمسيحية، بل كذلك في الأديان الشرقية، هناك خطر بأن يتم توظيف الدين لتحقيق أهداف سياسية، عندئذ يتكون خليط شديد الانفجار من الدين والسياسة. هل يمكن أن نقول إن مشروع المقاييس العالمية للأخلاق يريد أن يخلق شيئاً كميثاق للاديان العالمية، أو شيئاً مثل الوصايا العشر الأساسية لأديان العالم؟ يري البروفيسور «كينج» أن المسألة برمتها تتخلص في بلورة إحداثيات أخلاقية جديدة، ذلك أنه عندما تمتلك فقط بوصلة، وخريطة، فأنت تحتاج أيضاً إلي الإحداثيات حتي تجد الطريق. من هذه الناحية يمكننا أن نتحدث عن الإحداثيات الأخلاقية لبوصلة الضمير وبالطبع لابد من صياغة كل هذا... هل هذه الإحداثيات الأخلاقية تغني عن وصايا وتعاليم الخالق في أي من الأديان كافة؟ ليس هذا من أجل إحلالها محل وصايا الرب العشر، بل لأظهار ما تحتويه بالفعل في الواقع وصايا الرب هذه. وهو موجود ليس فقط في سيناء، وليس فقط في موعظة الجبل، أو في القرآن، بل أيضاً عند زباتانغاليس مؤسس اليوجا، وفي القانون البوذي، أو عند كنفوشيوس، وفي نصوص أخري عظيمة لتاريخ أديان الإنسانية. إن أهم شيء في عصرنا هذا هو أن يتضح للانسانية أولاً انه لا يجوز السماح بسلوك ما بعد الحداثة الذي يسمح بكل شيء بمعني التسيب، لا يجوز السماح بشعار زكل شئ مباحس فيما يخص الاخلاق. ينبغي أن يعي الناس أن هذه القواعد الأساسية مشتركة بين الجميع، أي إنها ليست سارية المفعول فقط في محيط الديانات النبوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، بل إن مثل هذه المعايير موجودة أيضاً في الأديان الهندية والصينية الاصل. قناعات «كينج » هي : لا سلام بين الامم بلا سلام بين الأديان لا سلام بين الأديان بلا حوار بين الاديان. لا حوار بين الأديان بلا معايير أخلاق عالمية. لا بقاء لكرتنا الأرضية في سلام وعدل، بلا نموذج جديد للعلاقات الدولية علي أساس مقاييس عالمية للأخلاق. لمزيد من مقالات إميل أمين