إبراهيم عيسى: إزاحة تنظيم جماعة الإخوان أمنيًا واجب وطني    انخفاض أسعار النفط بعد زيادة مفاجئة في المخزونات الأمريكية    تراجع سعر الفراخ.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الخميس 27 يونيو 2024    كوريا الشمالية تختبر بنجاح صاروخا متعدد الرؤوس الحربية    اعتقال قائد الجيش البوليفي بعد محاولة انقلاب    علشان الهري، لهذا السبب الزمالك لم يمنع من المشاركة في الكونفدرالية (فيديو)    بحار أسطوري ونجم "قراصنة الكاريبي"، سمكة قرش تقتل راكب أمواج محترفا في هوليوود (صور)    هل يجوز الاستدانة من أجل الترف؟ أمين الفتوى يجيب    حبس عامل قتل آخر في مصنع بالقطامية    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    والدة لاعب حرس الحدود تتصدر التريند.. ماذا فعلت في أرض الملعب؟    إصابة فلسطينيين اثنين برصاص قوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم    غارة إسرائيلية تستهدف مبنى شمال مدينة النبطية في عمق الجنوب اللبناني    إعلان نتيجة الدبلومات الفنية الشهر المقبل.. الامتحانات تنتهي 28 يونيو    مسرحية «ملك والشاطر» تتصدر تريند موقع «إكس»    هانئ مباشر يكتب: تصحيح المسار    دعاء الاستيقاظ من النوم فجأة.. كنز نبوي منقول عن الرسول احرص عليه    7 معلومات عن أولى صفقات الأهلي الجديدة.. من هو يوسف أيمن؟    تسجيل 48 إصابة بحمى النيل في دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال 12 ساعة    كندا تحارب السيارات الصينية    فولكس ڤاجن تطلق Golf GTI المحدثة    فى واقعة أغرب من الخيال .. حلم الابنة قاد رجال المباحث إلى جثة الأب المقتول    ما تأثيرات أزمة الغاز على أسهم الأسمدة والبتروكيماويات؟ خبير اقتصادي يجيب    حظك اليوم| برج الأسد 27 يونيو.. «جاذبيتك تتألق بشكل مشرق»    حظك اليوم| برج الجدي الخميس27 يونيو.. «وقت مناسب للمشاريع الطويلة»    جيهان خليل تعلن عن موعد عرض مسلسل "حرب نفسية"    حظك اليوم| برج العذراء الخميس 27 يونيو.. «يوما ممتازا للكتابة والتفاعلات الإجتماعية»    17 شرطا للحصول على شقق الإسكان التعاوني الجديدة في السويس.. اعرفها    إصابة محمد شبانة بوعكة صحية حادة على الهواء    سموحة يهنئ حرس الحدود بالصعود للدوري الممتاز    حقوقيون: حملة «حياة كريمة» لترشيد استهلاك الكهرباء تتكامل مع خطط الحكومة    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    إبراهيم عيسى: أزمة الكهرباء يترتب عليها إغلاق المصانع وتعطل الأعمال وتوقف التصدير    سيدة تقتحم صلاة جنازة بالفيوم وتمنع دفن الجثمان لهذا السبب (فيديو)    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    محاكمة مصرفيين في موناكو بسبب التغافل عن معاملات مالية كبرى    منير فخري: البرادعي طالب بالإفراج عن الكتاتني مقابل تخفيض عدد المتظاهرين    "الوطنية للإعلام" تعلن ترشيد استهلاك الكهرباء في كافة منشآتها    العمر المناسب لتلقي تطعيم التهاب الكبدي أ    نوفو نورديسك تتحمل خسارة بقيمة 820 مليون دولار بسبب فشل دواء القلب    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    مدير مكتبة الإسكندرية: استقبلنا 1500 طالب بالثانوية العامة للمذاكرة بالمجان    خالد الغندور: «مانشيت» مجلة الأهلي يزيد التعصب بين جماهير الكرة    ميدو: الزمالك «بعبع» ويعرف يكسب ب«نص رجل»    عباس شراقي: المسئولون بإثيوبيا أكدوا أن ملء سد النهضة أصبح خارج المفاوضات    ملخص وأهداف مباراة جورجيا ضد البرتغال 2-0 فى يورو 2024    الدفاع السورية: استشهاد شخصين وإصابة آخرين جراء قصف إسرائيلى للجولان    إجراء جديد من جيش الاحتلال يزيد التوتر مع لبنان    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 27 يونيو 2024 في البنوك (التحديث الأخير)    رئيس قضايا الدولة يُكرم أعضاء الهيئة الذين اكتمل عطاؤهم    هيئة الدواء المصرية تستقبل وفد الشعبة العامة للأدوية باتحاد الغرف التجارية    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    وزراء سابقون وشخصيات عامة في عزاء رجل الأعمال عنان الجلالي - صور    حدث بالفن | ورطة شيرين وأزمة "شنطة" هاجر أحمد وموقف محرج لفنانة شهيرة    يورو 2024، تركيا تفوز على التشيك 2-1 وتصعد لدور ال16    تعرف على سبب توقف عرض "الحلم حلاوة" على مسرح متروبول    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داعش.. تحرك الأفعي بين الصخور
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 06 - 2015

ظهر أحدث كتاب عن تنظيم' داعش' أو ما يطلق عليه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام قبل عدة أشهر في بريطانيا تحت عنوان' داعش- عودة الجهاديين', في محاولة لتفسير سر النهوض المتسارع لداعش وتزايد الاقبال علي الانضمام إليه.
وأثار هذا الكتاب المطبوع في نهاية عام2014 اهتمامي بسبب تعليقات عديدة تمتدحه منها تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية( بي بي سي) الذي قال عنه إنه' كتاب رائع', أما صحيفة' الجارديان' البريطانية فوصفته بأنه' كتاب ممتاز'.
وقال محللون سياسيون عن المؤلف أنه' افضل صحفي في العراق اليوم' وكوكبيرن عمل ولم يزل مراسلا لجريدة' الاندبندنت' البريطانية في الشرق الأوسط وله مؤلفات عديدة فازت بعديد من الجوائز. ولهذا حاولت أن استعرضه للقارئ لعلنا نفهم حقيقة ما نواجه وأيضا من هو؟ ومن أين؟ وكيف أتي؟
وفي الصفحة الأخيرة من الكتاب وليس في المقدمة وهو أمر غير معتاد يفسر لناالمؤلف سر اهتمامه بالموضوع فيقول في أسطر موجزة أنه يحاول' أن يصف القوة المتدفقة للحركات الجهادية المشابهة للقاعدة في سوريا والعراق وأردت أن أتابع أمام السياسيين الغربيين وإعلاميي الغرب والرأي العام فيه سر النهوض المتسارع لداعش وتداعيات الغضب التي تغلف السنة في العراق. أما عن سوريا فقد أردت أن اؤكد للجميع أن المعارضة بالسلاح تحت هيمنة الجهاديين, أما المجموعات المعتدلة والتي يبني الغرب أوهامه علي تقويتها فهي لا تمتلك سوي تأثير ضئيل للغاية في مجري الأحداث.
والآن وقبل أن ابدأ في استعراض الكتاب أجد لزاما علي أن اؤكد اعتراضي الشديد علي وصف كل دعاة الإرهاب المتأسلم بالجهاديينTheJihadis. فالجهاد هو أرقي اشكال التفاني في خدمة الإيمان بالله والدفاع عن الإسلام والمسلمين, وهذا الوصف' الاستشراقي' الغربي يحرف أنظار الرأي العام والمهتمين بالموضوع عن حقيقة الخصم وعن علاقته بالإسلام الصحيح ومن ثم يستسهل الكثيرون بحسن أو بسوء نية- اتهام الإسلام ذاته والمسلمين بمجملهم بالميل نحو الإرهاب.
ونأتي إلي المقدمة التي تبدأ بعبارة صاعقة' لقد تفكك العراق' ومكوناته الثلاثة السنة- الشيعة- الأكراد يتحاورون معا بالرصاص. والوهم الذي يلوكه العالم الخارجي بأنه من الممكن اعادة توحيد العراق عبر تشكيل حكومة تمثل الجميع, هذا الوهم فات أوانه. وثمة منتصر وحيد في العراق هو تنظيم داعش( الدولة الإسلامية في العراق والشام) وهو لا يخفي طموحه لإبادة الشيعة, أنها حرب دموية ويمكن أن تستمر لعدة سنوات', ثم هو يذكر الجميع' أن العاشر من يونيو2014 يمثل نقطة تحول حاسمة في صراع العراق المتجدد. أنه يوم سيطرة داعش علي الموصل عاصمة العراق الشمالية بعد ثلاثة أيام من معركة من طرف واحد مكون من1300 فرد واجه بل وهزم جيشا مكونا من350.000 جندي انفق عليه وعلي تسليحه41.6 مليار دولار خلال ثلاث سنوات, الجيش إنهار تماما ودون مقاومة تذكر ولم يكن أمام داعش إلا جمع أكداس وأطقم الأسلحة والمعدات والملابس العسكرية التي تخلي عنها أصحابها علي امتداد الطرق التي تدفق عبرها الضباط والجنود الهاربين باتجاه كردستان. أنها إحدي أكبر الهزائم العسكرية في التاريخ. وخلال اسبوعين انتشرت داعش وبلا أدني مقاومة علي مناطق البادية في شمال وغرب العراق, وقبل أن ينتهي شهر يونيو أعلن أبو بكر البغدادي نفسه خليفة قائلا أن خلافته' سيكون فيها العربي وغير العربي, والأبيض والأسود, والشرقي والغربي جميعا اخوة, فأرض سوريا ليست للسوريين والعراق ليس للعراقيين.. أنها ملك الله'. كل ذلك والإعلام الرسمي في بغداد يكذب بصورة مخجلة. وبالمقابل أسرع الشبان الشيعة بتكوين ميليشيات لعل أهمها' عصائب أهل الحق' وهي انشقاق عن ميليشيا مقتدي الصدر, والحقيقة أن الذي كان يتولي قيادة وتوجيه هذه الجماعة رئيس الوزراء نوري المالكي السابق, لكن المحرك الأساسي لهذه الميليشيات هم الإيرانيون. وسرعان ما شكلت الميليشيات الشيعية' فرق الموت' التي تغتال السنة ويتم العثور علي العديد من جثثهم ملقاه في شوارع بغداد بعد أن تجرد من بطاقات الهوية. وهكذا تتكرس الحرب الطائفية التي تدفع الشباب السنة دفعا إلي الانضمام لداعش التي وصفت استراتيجيتها العسكرية أنها تشبه تحرك الافعي ببن الصخور. وبغض النظر عن وحشية داعش التي يندفع اعضاؤها ليطرقوا بيوت السنة سائلين عن اسماء النساء المتزوجات وغير المتزوجات مدققين في بطاقات الهوية الخاصة بهن مبررين ذلك بأنهم يبحثون عن زوجات لمقاتليهم. ولاشك أن ذلك سيثير غضب عديد من الاسر السنية, لكنهم يعرفون أن داعش مستعدة لقتل كل معترض. ويمضي كوكبيرن مؤكدا' في بغداد مليون سني أو أكثر وهم دوما في الجانب الخاسر في أي تقسيم يمكن تخيله'. ولسوف يكون تقسيم العراق وسوريا مثل تقسيم الهند عام1947 حيث فرضت المجازر والخوف من المجازر حدودا جغرافية جديدة, أن سقوط الموصل وإعلان قيام الخلافة الداعشية السنية يسجلان نهاية لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق بدأت بغزو أمريكا وانجلترا للعراق والإطاحة بصدام حسين في مارس2003 بزعم خلق عراق جديد تتقاسم فيه القوي العراقية الثلاث السلطة بشكل ديمقراطي لكن الحقيقة تقول لقد اكتملت عملية التقسيم وأصبح من المستحيل تحقيق وحدة العراق, فالأكراد انتهزوا الفرصة للتوسع وتحقيق مسار جديد للاستقلال والصراع السني- الشيعي يلتهب ولم يعد هناك وجود للحدود العراقية السورية. وكان التطور المهم هو أن داعش قد حلت محل القاعدة وأصبحت أقوي المجموعات' جهادية' وأكثرها سيطرة في العالم'.
ثم هو يقدم ملاحظة بالغة الأهمية فقد أعلن أوباما أن الحل في سوريا يكمن في تكثيف الدعم لأولئك المعارضين السوريين الذي يشكلون بديلا افضل من الإرهابيين. وفي يونيو2014 طلب أوباما من الكونجرس اعتماد500 ميلون دولار لتدريب وتجهيز المعارضين السوريين( غير الإرهابيين) لكن هذا تضليل كبير وخداع للذات فداعش وجبهة النصرة هما الممثلان الرسميان لما كان يسمي تنظيم القاعدة وهما ومعهم جماعات إرهابية متناثرة يهيمنون علي المعارضة السورية المسلحة ولا يوجد أي فاصل حقيقي بينهم وبين حلفاء أمريكا الذين تسميهم' المعتدلين'.
ويقول كوكبيرن' لقد أكد لي ضابط مخابرات من دولة شرق أوسطية مجاورة لسوريا أن اعضاء داعش يقولون نحن نسعد دائما عندما ترسل أمريكا اسلحة متطورة إلي أي معارضين سوريين لأن ذلك يمكننا من الاستيلاء عليها, إما بالتهديد أو بالشراء'. ثم يقول' انها حقيقة واضحة فالأسلحة التي تصل' للمعتدلين' السوريين من أمريكا أو قطر أو تركيا يجري الاستيلاء عليها بشكل دائم. ولقد حاولت أن احجز مكانا في رحلة طيران إلي بغداد في صيف2014 وأخبروني أن رحلات الطيران أوقفت لأن داعش حصلت علي صواريخ مضادة للطائرات تحمل للكتف ارسلت في الأصل إلي المعارضين للأسد. ويختتم كوكبيرن مقدمته التي كتبها في يوليو2014' ربما ستشعر دول إقليمية الآن بالخوف من وحش أو( فرانكشتين) الذي اسهمت في صناعته لكنها الآن لا تملك أي ممكنات لايقاف وحشيته'.
وبرغم كل مساحات التخلف الفكري المتأسلم التي تقتاد صاحبها إلي ترديد مقولات خالية من أي عقل, وإلي ممارسات متوحشة خالية من أي تأمل في مدي عدالة أو معقولية الفعل, فإنهم يمتلكون آلة اعلامية غاية في الذكاء والفاعلية وتوحي بامتلاك خبرات غاية في الرقي ويحكي باتريك كوكبيرن تحت عنوان' الجهاديون يزحفون'' أظهر شريط فيديو جري تصويره بأسلوب محترف اذاعته داعش في ربيع2014 مقاتلين أجانب يقف كل منهم حاملا جواز سفره ويمزقه ثم يلقيه في النار متعهدا بالقتال لتحرير البلد الذي أتي منه ونري جواز سفر( باسبور) سعودي وآخر أردني ومصري وعديد من الأجانب منهم شاب كندي ألقي كلمة قصيرة بالإنجليزية ثم مزق جواز السفر وألقاه في النار, وهو يصيح بعربية غير متقنة' هذه رسالة إلي كندا وأمريكا نحن قادمون وسندمركم' وتتوالي التهديدات التي يدعمها في عقول المتلقين أن هؤلاء الشبان تكتسي تهديداتهم بثقة عالية في قدراتهم وفي استعدادهم للتضحية. كما يسندها أن داعش قد أصبحت قوة شديدة البطش وتسيطر علي مساحة من الاراضي بحجم بريطانيا' وهي اراضي تمتد من ديالي شمال شرق بغداد إلي شمالي مقاطعة اللاذقية علي ساحل المتوسط في سوريا. حوالي ربع البلاد تحت سيطرة داعش بشكل جزئي أو تام. وعقب الانتصارات الباهرة والدعاية عالية الكفاءة والاصرار الشيعي علي اضطهاد السنة وحتي الغارات الجوية الأمريكية والعراقية والتي تقصف بشكل اعمي ودون احتراز لتدمر بيوت السنة وتقتل الكثيرين منهم. انضم الكثيرون من السنة إلي داعش الذي كان اجمالي جنوده ستة آلاف لكنهم تضاعفوا وانضم إليهم العديد من الاجانب من مختلف الجنسيات مصر- السعودية- الأردن- الشيشان- تونس- روسيا- استراليا- فرنسا- كندا. ويسأل كوكبيرن أليس هذا مثيرا للدهشة. خاصة انه بذاته قادر علي أن يتألق في أذهان كثيرين من الشباب بأن داعش منحه ربانية تستهدف انقاذ البشرية من الظلم.
ويقدم كوكبيرن لنا معلومات شبه تفصيلية عن ابو بكر البغدادي.
اسمه الحقيقي: عواد إبراهيم علي البدري السامرائي. ويسمي احيانا'ابو دعاء'
ولد عام1971 في سامراء وهي مدينة سنية. حاصل علي شهادات في الدراسات الإسلامية والشعر وعلم الأنساب من جامعة بغداد الإسلامية. ويقال أنه كان يعمل في عهد صدام كداعية إسلامي. وبعد الغزو الأمريكي شكل جماعة مسلحة.
وبدأ في الظهور العلني عام2010 كمسئول عن تنظيم القاعدة في العراق بعد اغتيال قيادتها في هجوم أمريكي أثناء اجتماعهم. وكان البغدادي أسيرا لدي الأمريكيين في الفترة2005-2009 وهي فترة يثير الكثيرون حولها الأقاويل فالبعض يري أنها لم تكن عقابا وإنما إعدادا.
وثمة صورة له خلال اعتقاله في معسكر بوكا بجنوب العراق يبدو رجلا في منتصف العشرينيات عادي الملامح ذا شعر أسود وعينين بنيتين. ولكنه بعد ذلك كان حريصا علي إخفاء صورته.
وعندما نشبت الصراعات في سوريا ارسل رجالا واموالا وضباطا بعثيين نجحوا في إنشاء ذراع سوري لجماعته تحت اسم جبهة النصرة التي نجحت في تشجيع السنة إلي التحرك لمواجهة التهميش السياسي والاقتصادي الأمر الذي انعكس في تشجيع الستة ملايين سني عراقي علي رفض التمييز الشيعي ضدهم.
وكانت القاعدة مفككه وضعيفة وزادها اغتيال بن لادن ضعفا فتسيد أبو بكر الموقف ليقدم نفسه كقائد ناجح لتنظيم جديد هو' داعش' وكانت أهم ضربة عسكرية وجهها هي اقتحام سجن أبو غريب في صيف2013 ونجح في اطلاق سراح عديد من القادة والعسكريين ذوي الخبرة. ويثير البعض تساؤلات حول الجهة التي ساعدته في ذلك.
ويمكن القول ان اصرار المالكي علي تأكيد العداء الشيعي للسنة قد دفع المجتمع السني إلي احضان داعش حيث انضمت ثماني جماعات سنية مسلحة كانت تقف ضد' القاعدة' إلي داعش, كما أن جماهيرا سنية واسعة تناوئ الحكم الشيعي في بغداد تعتبر داعش قوات الصاعقة لهم. وأخيرا وفي مارس2014 قام مسلحوا داعش بعرض عسكري مهيب في شوارع الفلوجه متباهين برتل من سيارات عسكرية مصفحة أمريكية الصنع من طراز' همفي' وعليها اعلامها السوداء. وذلك بعد أن تركها لهم الجيش العراقي. واستولت داعش علي سد الفلوجه الذي يمكنها من التحكم بمياه نهر الفرات وتستخدمها أما في إغراق المدن الجنوبية جميعا أو حرمانها من الماء.
ولازالت داعش توجه الضربة تلو الاخري للجيش العراقي في الانبار حيث كانت خمسة ألوية متمركزة هناك وقد تعرض الجيش لضربات قاصمة ويقال انه خسر خمسة آلاف جندي بين قتيل وجريح بالإضافة إلي فرار12.000 آخرين. ويمكن القول أن هذا التوسع الداعشي كان أمرا واقعا فحتي قبل احتلال الموصل ثم الانبار كانت هذه المدن بعيدا عن سلطة الحكومة في بغداد, وكانت داعش تجمع حوالي8 ملايين دولار كضرائب شهرية من أغلب السكان سواء الباعة أو شركات المقاولات والهواتف المحمولة والمطاعم. ومن لا يدفع طوعا يخضع لعقاب صارم إلي درجة ان السكان كانوا يمتنعون عن دخول أي مطعم لم يدفع الضريبة لداعش خوفا من أن ينفجر وهم يتناولون طعامهم.
لكن هناك صراعا داميا بين بعض الجماعات المسلحة في سوريا. فمثلا هناك جماعة انشئت حديثا بدعم من قطر وتركيا اسميت' الجبهة الإسلامية' وبرغم اختلافها مع داعش إلا أنها تمارس ذات العمل الإرهابي. وإذا كانت أمريكا والغرب يدعمان الجيش السوري الحر الذي يبدو أقل وحشية من غيره بعد أن اختار الغرب قادته فإنه لا دور له الآن تقريبا.
وثمة مخطط الآن لتشكيل جبهة جنوبية يكون مركزها في الأردن تعادي الاسد وداعش معا, وكان مقررا أن يكون لواء اليرموك الذي تصور اصحاب هذه الخطة انه معتدل وانه ضمن خطتهم ومنحوه اسلحة متطورة منها صواريخ مضادة للطائرات, لكن قادة لواء اليرموك خذلوهم فقد أظهرت افلام فيديو عديدة أن لواء اليرموك يقاتل جنبا إلي جنب مع جبهة النصرة( أي ذراع داعش السورية).
أما ما يسمي بالمعارضة المدنية غير المسلحة فإنها تكاد لا تمتلك أي تأثير في الساحة السورية.
ويؤكد كوكبيرن أن كثيرا من الأوهام تغلف السياسات الغربية فالمسلحون الذين قتلوا السفيرالأمريكي كريس ستفنز في بنغازي في سبتمبر2012 هم انفسهم الذين مولتهم وسلحتهم وامتدحتهم الدوائر الغربية خلال قتالهم ضد معمر القذافي.
ويقرر كوكبيرن وهو علي حق تماما أن القاعدة ومن ثم داعش هي فكرة أكثر من كونها خلافة أو تنظيما وإنما هي رمز ومجموعة من العقائد والأطروحات التي تقتات علي مقولات تدعو لإنشاء دولة' إسلامية' وفرض الشريعة والعودة بالإسلام إلي زمنه الأولي واخضاع المرأة لمعاملة متدنية وشن حرب مقدسة ضد الآخرين وخاصة الشيعة. وترتكز منظومة القيم في هذا المناخ علي أن التضحية بالذات والقدرة علي العمليات الاستشهادية هي دليل علي الإيمان الكامل والالتزام الديني. ومن ثم يكون من الممكن استخدام أي سذج أو غير مدربين وإنما متعصبون بما يكفي لتنفيذ عمليات انتحارية.
وأخيرا يتوقف بنا كوكبيرن أمام المشهد السوري ليتخذ منه نموذجا للوضع في المنطقة سواء في الحاضر أو في المستقبل ونقرأ' علي الرغم من أن الأسد هو والمعارضة كل منهما قد بالغا في قوتهما عامي2011-2012, فإن الحالة السياسية والعسكرية الآن تبدو أكثر ايجابية بالنسبة للاسد فالجيش والميليشيات الموالية له والحلفاء يبسطون سيطرتهم علي دمشق وجبال القلمون عند الحدود اللبنانية وفي محافظة ومدينة حمص, لكنهم يحققون هذا الفوز ببطئ شديد, المشهد الواقعي مرتبك أكثر بكثير مما يراه المراقبون في الخارج, كمثال استردت قوات النظام بلده النبك علي طريق دمشق- حمص ونظمت قوات الحكومة احتفالا بالنصر تم تحت حراسة قوة الدفاع الوطني التابعة للجبهة الوطنية الديمقراطية, وهي أحد اجنحة ميليشيات النظام, لكن السكان المحليين أخبروني أن المتمردين الذين كانوا يؤكدون لهم أنهم سيقاتلون ضد ضد قوات الاسد حتي آخر طلقة كانوا جميعا ضمن ميليشيات الجبهة الوطنية الديمقراطية.
ثم يقول' أن النظرية التي تزعم أن تسليح المعارضة سوف يحمل الاسد علي التفاوض بشأن سلام يؤدي إلي رحيله, نظرية لن تتحقق إلا بتحول شامل للوضع, وهو ما لن يحدث. فلن يحدث أن تقبل روسيا وإيران وحزب الله أن يخرج حليفهم مهزوما ومن ثم هم أيضا. كما أن تمدد داعش وجبهة النصرة مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر فإنه من المستبعد أن تسعي واشنطون ولندن والرياض لإسقاط الاسد. كما أن تحقيق الاسد لأي انتصار يعني هزيمة الغرب وحلفائه العرب والأتراك لكنهم يتحدثون عن ضرورة استبعاد الأسد وهم متأكدون أن هذا لن يحدث.
ويمضي قائلا' لقد بدأت الحرب الأهلية بثورة شعبية حقيقية ضد نظام دكتاتوري فاسد ووحشي لكنها سرعان ما تداخلت مع صراع سني علوي, بما الهب الصراع السني- الشيعي القائم في العراق, وهناك في نفس الوقت حرب باردة بين موسكو والغرب أدي الصراع في ليبيا ثم في أوكرانيا إلي تفاقمها. باختصار هناك كثير من اللاعبين ولكل منهم مصالحه التي لا تسمح له بتحقيق سلام يعني تخليه عن مواقفه, وبعضهم مازال يعتقد انه قادر علي الانتصار مع بعض الصبر وبعض الوقت, بينما آخرون يرفضون باصرار تقبل الهزيمة. وخلاصة الأمر فإن كثيرا من الباحثين ومن السوريين يعتقدون أن نتيجة الحرب الأهلية مرتهنه إلي حد كبير لدي أمريكا- روسيا- السعودية- ايران.. ولعلهم محقون تماما.
وفي النهاية يقرأ لنا كوكبيرن شعارا علي موقع اليكتروني داعشي يقول' نصف الجهاد إعلام' وهذا صحيح تماما فأفكار وأفعال وأهداف المقاتلين السنة تذاع يوميا في التليفزيونات وعبر اليوتيوب' والفيس بوك, وبآليات دعائية قوية كهذه لن يفتقر أصحابها إلي المال والرجال'.
ثم يختتم كوكبيرن دراسته العميقة بعبارة شديدة القسوة تقول' كلما تبدت وحشية داعش كسبت انصارا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.