لعل بطء حركة السير وزحام المواصلات في بنغازي يماثل ويمثل الزحام في العقول وفي المشهد السياسي في ليبيا المكتظ إلي حافته والمتناقض أحيانا علي حقيقة الأمر خصوصا في تعامل الجميع كل من زاويته مع فكرة الفيدرالية التي خرج بها البعض وكونوا مجلس برقة ونصبوا الشريف أحمد الزبير السنوسي رئيسا له وما بين الرفض الحاسم والقبول الحاد للفكرة تغشي سماء ليبيا سحابات لا يجزم أحد إن كانت حبلي بمطر سيحيي البلاد بعد موتها أم تخفي وراءها رعدا سيصيب الوطن بالتفتيت وأن الفيدرالية هي شيطان التقسيم. يتردد في المجالس الليبية أن هناك دولا تعمل لهذه الغاية منها ألمانيا التي لم تلحق بركب التحالف لعدم موافقتها علي الخيار العسكري فإنها بدأت في لعب دور ما لتضمن نصيبا في الكعكة, أو قطر التي باتت تمارس دور الوسيط في دعم فكرة التقسيم لحساب قوي عالمية. دعاة الفيدرالية أنفسهم ينفون أنهم مدعمون من قوي خارجية وأن توجههم جاء لمصلحة المواطن الليبي الذي أعيته المركزية وقهرته والذي ظل طوال عهد القذافي إذا احتاج لختم ورقة حكومية عليه أن يسافر إلي طرابلس وبرغم ذلك كانوا يرون أنه الأنسب. تحمس دعاة الفيدرالية وكلماتهم تشعرك بأن جميع المواطنين معهم حتي الشجر والدواب, أما خطباء المساجد علي المنابر فتشعر في كلماتهم بأن هؤلاء شياطين فزعوا ليمزقوا الوطن, ومناقشات العامة في الشوارع ما بين مؤيد( وهم أغلبية), ومعارض, جمال محمد بن زبلح يتساءل مستنكرا هل ضحي الليبيون بأربعين ألف شهيد للتخلص من معمر حتي يتم تقسيم البلاد؟ ويقول عثمان مسعود النظام الفيدرالي جربته ليبيا وفشل حتي تخلصت منه عام1963 لأن البلاد دولة واحدة ودم واحد, ولكن فلول القذافي في مصر وليبيا ومن وراءهم من دول أجنبية وعربية يعملون علي تقسيم البلاد التي لا يصلح لها النظام الفيدرالي لقلة عدد سكانها وتوحدهم في المذهب السني والأفضل لنا هو استبدال المركزية الظالمة بنظام المحافظات. أما المظاهرة التي انطلقت من أمام فندق تبستي فقد رفع الشباب فيها لافتة تقول اقرأ وافهم يا غشيم.. الفيدرالية مش تقسيم وهو ما يؤكده صلاح عطية بقوله ليس لدينا أطماع في الحكم ولا ننفذ أجندات أجنبية ولكننا نرغب في أن ينص الدستور علي الفيدرالية حتي يحصل كل مواطن علي حقه في بلاده ولا يكتوي بنار المركزية, مضيفا لو أردنا التقسيم لما منعنا أحد ولكننا أعلناها بعد تحرير الشرق في أربعة أيام. ويري سالم العبار رئيس تحرير جريدة أخبار بنغازي أن الفيدرالية ليست في مصلحة ليبيا, لكن لا يجب مواجهة الفكرة بالسلاح, أو يطلق رئيس المجلس الانتقالي أو وزير الداخلية تصريحات تهديدية لأن الأمور إذ لم تعالج برؤية فستجر بلاشك إلي احتكاكات مسلحة. وهو ما قد يجر البلاد إلي الخضوع إلي البند السابع من قبل مجلس الأمن لعدم الرغبة في السماح بصراع مسلح في منطقة ساخنة يمكن أن تفرغ إرهابا وينمو فيها تنظيم القاعدة, وبالتالي يهدد ذلك امدادات النفط, والتعجيل بالانتخابات سيسهم في حل المشكلة, ولكن قبلها وهو مايتفق عليه الكاتب والأديب جمال الأثرم أن يحدث توافق علي الجمعية التأسيسية وأعضائها وإعلان اسمائهم ولكن المشكلة هي عدم البدء في أي خطوات تجاه إتمام الانتخابات التي أعلن المجلس أنها ستتم خلال ستة أشهر مثل الأمن وأماكن الاقتراع والسجلات والدوائر الانتخابية. الدكتور محمد سالم المنيفي عميد كلية الإعلام بجامعة بنغازي يقول تتصدر وجوه عليها علامات استفهام, وكانت لها علاقات بالقذافي وشاركت في نظامه يجرها إلي الفشل مثل أبوبكر الصافي شقيق الطبيب الذي ولاه القذافي بنغازي وكان بمثابة الابن المدلل له ويشاع أنه قام بالتحقيقات في المحاكم الثورية, ومنهم من رحب برتل القذافي عند محاولته اقتحام بنغازي. وإن كان كل من خرج احتجاجا علي الفيدرالية ويرفضها ينتظرون رد فعل الحكومة والمجلس الانتقالي بشأن اللامركزية, ولذا علي المجلس والحكومة إلغاء المركزية والتوزيع المتساوي للسلطة والعضوية في مقاعد المؤتمر الوطني واللجنة التأسيسية, وإلا فإن كل رافض للفيدرالية سيقلب في صفها. أما مصدق بوكر فيري أنها دعوة للتقسيم وأن أزلام معمر يسعون لتنفيذها ويريدون فرضها بالقوة وهو ما يمكن أن يجر البلاد إلي اشتباكات. أما في البيضاء التي غلب فيها رفض مشروع الفيدرالية وبدا حتي علي جدران البنايات في شوارعها من خلال شعارات رفض التقسيم أو احتكار برقة لعائلة أو قبيلة والذي فسره البعض بتحيز أو انصياع البيضاويين لرأي مصطفي عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي, فإن عددا من مثقفيها يبدون كمن يحاول التجديف في لجج الموج لعدم تفهم الناس للمصطلح, كما يقول لامين عبدالقادر حويل المحامي وأن الحكومة الحالية عملت علي تنفير الناس منها بإعلانها أن الفيدرالية تعني التقسيم برغم أن رئيسها الدكتور عبدالرحيم الكيب درس في الولاياتالمتحدةالأمريكية وعمل كأستاذ جامعي في الإمارات العربية وهما دولتان فيدراليتان ثم قلصوا من حدة أقوالهم بأنها بداية التقسيم, وفي البيضاء عندما تحدثنا مع الحكماء والعمد في القبائل والعشائر بمصلحة الإقليم وسكانه تفهموا واستجابوا وباركوا توجهنا, والدكتور محمود جبريل نفسه قال إذا وصل عدد المطالبين معكم إلي نصف مليون مواطن من سكان الإقليم سأؤيدكم وأكون معكم. أما الدكتورة عزة محمد الصيد أستاذ القانون الدستوري بجامعة عمر المختار فتري أن الفيدرالية من الناحية الدستورية هي عبارة عن تقسيم إداري وأن الإعلان الدستوري الذي أطلقه المجلس الانتقالي90% منه أخذ من دستور1951 الذي عطله القذافي فيمكن أن يستفتي الشعب الليبي علي هذا الدستور بما فيه الفيدرالية وصندوق الاقتراع هو الحكم ولكن المشكلة أن المجلس يسيطر عليه الإخوان وقطر تسيطر علي الاخوان, وهم يرون أن الفيدرالية من عمل الشيطان حتي إن الشيخ الصادق الغرياني مفتي ليبيا أفتي بحرمة الفيدرالية وحال مدينة درنة وسكانها تجاه الفكرة يقترب من حال البيضاء فكما يقول محمد بلقاسم إن أكثر من70% من أهل درنة يرفضونها لقناعتهم أن دوافعها قبلية وجهوية لشبهة علاقة بعض أهم المنادين بها بالقذافي ونظامه فضلا عن شائعات تمويلها من الخارج. ولا يختلف الوضع كثيرا في طبرق التي إلي الآن كما يقول عثمان إدريس اكريم عمدة القطعان ننادي ونهتف بوحدة ليبيا مؤكدا أنه ضد الفيدرالية إن كانت ستقود للتقسيم, لكن تباطؤ المجلس الانتقالي وعدم اسراعه بتكوين مجالس محلية ومحافظات وعدم الوضوح في موضوع الدستور وعدم حصول الأقاليم علي أعداد متساوية من مقاعد المؤتمر الوطني. أما الحاج طاهر الحرفة فيؤكد رفضه وكثير من أبناء طبرق للفكرة لرغبتهم في وحدة ليبيا مؤكدا أن ما رفضه آباؤهم قبل50 عاما يجب ألا نعود ونقبله, مضيفا أن أصحابها لهم مآرب خاصة ونظرتهم ضيقة. المشكلة أن أحاديث الرفض والتأييد لا تنقصها صيغ التخوين والتسفيه والادعاء باستبدال دكاتورية الطاغية بدكتاتورية الفيدرالية والأمر ليس كذلك إن كانت الأمور لا تتعدي الفيدرالية كنظام إداري للحكم وهو مطلب إن صدقت نيات الداعين إليه عظيم وإن كانت ليبيا مطمعا للجميع فلا اعتقد أن من أبنائها خصوصا من حادثتهم من زعماء الفيدرالية يقبل بخيانة بلاده أو تسليمها لسيد جديد وهم أصحاب عقول راجحة وأحلام من حقهم أن يحلموا بها لبلادهم ولا ينبغي أن نبني كل مطلب جديد علي مرتكز الخيانة والمؤامرة.