هو نور للأبصار وشفاء للصدور وربيع للقلوب، به تزول الهموم وتفرج الكروب، وببركته يحل الخير وتتضاعف النعم، وتطيب النفوس، وترتاح الضمائر، وتتوق نفس صاحبه المطمئنة للقاء ربها راضية مرضية. إنه القرآن الكريم، دستور الأمة الذي أنزل علي خير خلق الله في أفضل شهور الله وخير لياليه. وعندما يأتي شهر رمضان يشمر المسلمون عن سواعدهم استعدادا للطاعات وأعمال البر، ما بين الصلاة والصيام بالنهار وقراءة القرآن الكريم والقيام بالليل. وقبل مطلع الهلال، كلنا يبحث عن مصحفه لينفض عنه غبار العام الفائت ..ويجدد العهد والوعد مع الله أن يواظب علي ملازمة كتابه العزيز، ويعتذر إليه علي ما كان به من تقصير وهجر..نعم فرمضان فرصة للتصالح مع كتاب الله، قراءة وسماعا وتدبرا، وعملا بأحكامه وتعاليمه التي حملها بين دفتيه. الدكتور جاد مخلوف جاد الأستاذ بكلية الدراسات العربية والإسلامية بنين بجامعة الأزهر يقول: إن رمضان فرصة لإنزال القرآن الكريم المنزلة اللائقة به دونما تقصير أو هجر أو إهمال، فالقرآن أنزل لنعمل بما جاء به لا أن نهمله ونحيد عن تعاليمه، كما أن العبادات المشروعة في الإسلام تدريب عملي للمسلم علي أن يعيش بأخلاق الإسلام طوال العام، كالصيام والقرآن، ونحوهما، فمعظم المسلمين يقرأ القرآن لكن كثيرا منهم يأخذ بالجانب التبركي الشكلي ويهمل الجانب التطبيقي.فجميعنا لديه مصحف واثنان وثلاثة في المنزل والمكتب والسيارة وغيرها، مصاحف يعلوها التراب، يقسم بها أو عليها، ولكن ما هي آخر مرة قرأت كتاب الله وتصفحت سوره وتدبرت آياته، وكأن كتاب الله فقط «للتبرك» ولا يهم قرأنا فيه أو لم نقرأ. فهل هذا الكتاب وهذا الدستور العظيم يكون حجة لنا بهذه الكيفية في التعامل معه؟ أم يكون حجة علينا بإهمالنا إياه وهجرنا له، وإن ضمت بيوتنا عددا من المصاحف؟ وعن التعامل مع كتاب الله عز وجل، يقول د. جاد إن المسلم العاقل يجمع بين الحسنيين وهما الإكثار من التلاوة وختم القرآن وبين تطبيق ما يقرأ وترجمته إلي واقع ملموس في حياته، فالتسابق في القراءة يكون مع العمل، وليس أمرا دون الآخر، فالقراءة وحدها لا تكفي، والعمل وحده لا يغني عن القراءة. والتسابق في الخير والطاعات كان من سمات الصحابة رضي الله عنهم وها هو أبو بكر وعمر كلاهما كان يسابق الآخر في خدمة امرأة عجوز. من جانبه يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية: وان علي كل منا أن ينتهز هذه الفرصة فقد يكون هذا العام هو آخر رمضان له فلير الله من نفسه خيرا وليجتهد في العبادة وأعمال الخير ما استطاع، وليدع الله أن يغفر له ما فات وأن يبارك له فيما هو آت. وشهر رمضان فرصة عظيمة لمدارسة كتاب الله عز وجل والعمل بتعاليمه، فالقرآن الكريم هو دستور حياة، وهو نور القلوب وشفاء الصدور، فكتاب الله ليس للتبرك والوضع علي الأرفف، ولكنه للعمل والتطبيق وحل مشكلاتنا اليومية، وإسعاد البشر في الدنيا والآخرة. والاهتمام بالقرآن الكريم لا يكون بعدد مرات تلاوته فحسب، بل علينا أن نحسن التعامل مع كتاب الله، تلاوة وحفظا وتدبرا وعملا بأحكامه. التلاوة أحب الأعمال ويقول الدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق: إن الله - سبحانه وتعالى- شرف هذا الشهر بنزول القرآن فيه وجعله ظرفاً له ومن ثم يجب على المسلمين تعظيم هذا الشهر والاقتداء برسول الله «صلى الله عليه وسلم» وصحبه الكرام في ملء أوقاته بقراءة القرآن فهي من أحب الأعمال الصالحة إلى الله سبحانه وتعالى. روى ابن عباس أن النبي «صلى الله عليه وسلم» «كان أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان» كما أن تلاوة القرآن مطلوبة في كل وقت وليس في رمضان فقط ولها أجر عظيم قال الله تعالى (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور. ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور). التنافس فى العبادات ويقول الدكتور سيف رجب قزامل العميد السابق لكلية الشريعة بطنطا، ان التنافس فى العبادات والتقرب الى رب البريات والطاعة له سبحانه وتعالى من الأمور المحمودة شرعا، وقد بين ذلك النبى «صلى الله عليه وسلم» حيث قال فى الحديث الشريف «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القران, فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار, ورجل آتاه المال, فسلط على هلكته فى الحق». فضل القراءة وأشار الى أن الجزء فيه أكثر من مائة ألف حسنة، والختمة الواحدة فيها أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، مشيرا الى ان افضل قراءة للقرآن الكريم -اذا كان المسلم حافظا- فى الصلاة، وتجوز القراءة من المصحف فى الصلاة النافلة على اصح اقوال الفقهاء، موضحا انه لا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان، لما في ذلك من اسماع المأمومين جميع القرآن، ولأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت علي شرعية قراءة القرآن في الصلاة، وهي تعم قراءته من المصحف وعن ظهر قلب، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان، وكان يقرأ من المصحف، ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه معلقا مجزوما به، وذلك تيسيرا على الذين لايجيدون والذين لايحفظون القرآن، موضحا انه بالنسبة للذين لايستطيعون القراءة فعليهم بالاستماع الى القرآن من خلال المذياع أو شرائط الكاسيت. آداب التلاوة وفى سياق متصل، يوضح الدكتور إمام رمضان استاذ العقيدة والفلسفة بكلية التربية جامعة الأزهر، ان الرسول «صلى الله عليه وسلم» حث على الاكثار من تلاوة كتاب الله تعالى، وبين فضل ذلك حيث قال عليه الصلاة والسلام «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» وايضا قال: «اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» موضحا انه يجب على المسلم ان يغتنم فرصة مضاعفة الحسنات فى شهر رمضان من الاكثار من تلاوته آناء الليل وأطراف النهار. وأكد أن المسلم يجب عليه ان يراعى آداب التلاوة اذا اراد قراءة القرآن، والتى منها الطهارة الحسية والمعنوية، واختيار وقت مناسب لذلك، فلا يصح قراءة القران اثناء فترات العمل بحيث يعطل مصالح الناس بحجة قراءته للقرآن، ظنا منه ان ذلك العمل صحيح، او ان يقرأ القرآن بصوت مرتفع فى المواصلات العامة والناس يتحدثون من حوله، أو يفعل ذلك فى بيت من بيوت الله فيشوش على المصلين فبدلا من ان يأخذ حسنات يأخذ سيئات، حيث نهى الرسول «صلى الله عليه وسلم» عن التشويش على المصلين ولو بقراءة القرآن.