كشف الربيع العربى عن أن استقرار الأنظمة التابعة لأمريكا محكوم عليه بالانقضاء، وأوجد حكامًا لا ترضى عنهم أمريكا. وتشتبك بلاد فى المنطقة فى صراعات بالوكالة. فالحروب الأهلية تلتهم سورياوالعراق وليبيا، وتمتلئ لبنان والأردن فوق قدرتيهما باللاجئين. وتنظيم داعش يتمدد وتقصف طائرات التحالف المتمردين الشيعة فى اليمن. وربما ينأى السلام عن الشرق العربى لسنوات. وبعد العدوان الأمريكى على العراق وتدمير جيشه، وقيادة القوات الغربية التى دعمت القوى المناوئة للقذافي، وتمويل جماعات مسلحة ضد نظام بشار الأسد يقول باراك أوباما الآن كفانا حروبًا. وأصبح الشعب الأمريكى وممثلوه فى الكونجرس حذرين ومترددين تجاه استعمال القوة العسكرية من جانب واحد بعد أعوام من التدخل المباشر فى العراق. وبينما يرى معظم العرب تقلص نفوذ الولاياتالمتحدة،يرى معظم الأمريكيين بمن فيهم الرئيس فى البيت الأبيض أن الأجانب فى الخارج لا يستطيعون فرض نظامهم على الفوضى فى الشرق العربي. وقد يكون الادعاءان معًا مبالغًأ فيهما. ويلخص أوباما سياسته فى الشرق الأوسط فى خطاب إلى الأممالمتحدة، فهناك مصالح أساسية أربع تستعد أمريكا لاستعمال كل عناصر قوتها، بما فيها القوة العسكرية: حماية الحلفاء ضد العدوان الخارجى وتأمين تدفق النفط والغاز والحيلولة دون هجمات إرهابية على أمريكا ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. ودفاعًا عن هذه المصالح فإن أمريكا مستعدة لأن تسلك بمفردها، إما لتحقيق مصالحها الأخرى مثل خلق أسواق حرة، فهى تفضل ممارسة متعددة الأطراف. وتعمل أمريكا على تحقيق هدفين ديبلوماسيين: اتفاق سلام بين اسرائيل والفلسطينيين، واتفاق مع إيران للحد من برنامجها النووي. فهل سياسة أوباما كما يذهب منتقدوه هى احتضان الأعداء وإقصاء الأصدقاء؟ تدعى الإيكونوميست أن أصدقاء أمريكا يشعرون بإهمال أمريكا لهم. فالبؤرة فى السياسة الأمريكية طوال عقود كانت إيقاف ما تدعى أنه توسع سوفيتى ومواصلة النفاذ إلى نفط الخليج ودعم إسرائيل فى نزاعها مع الدول العربية واحتواء ثورية إيران وتغيير نظام صدام حسين كخطوة نحو ما تدعى أنه نشر الديمقراطية عبر المنطقة. ثم أسقط الربيع العربى حكامًا، وأحدث تغييرًا من النادر أن ترتضيه الولاياتالمتحدة. لقد غضبت اسرائيل وغضب بعض الحكام العرب من إعفاء إيران من العقوبات.ويصف معلقون تقابلاً عكسيًا بين سياسات أوباما وسياسات بوش، فقد أوغل الأول عميقًا جدًا فى العراق وخرج الثانى سريعًا جدًا.ولأمريكا مصالح مهمة فى الشرق العربي، والفوضى تهدد حقوق الإنسان وقيمًا تدعى أمريكا أنها تدافع عنها. ولكن بعض الأمريكيين أنهكهم أن بلادهم تتحرك باعتبارها شرطيًا عالميًا، كما أن أولوياتها قد لا تقع فى الشرق الأوسط، بل فى الجنوب الشرقى الآسيوى حيث الصين وطموحاتها. ولكن مع ذلك يظل الشرق العربى مهمًا لأمريكا، فالإرهاب فى أماكن مثل ليبيا أو سوريا قد ينتهى فى القريب أو البعيد مهاجمًا للغرب، ونجاحاته فى الرمادى فى العراق وتدمر فى سوريا تجذب المال والمقاتلين المتطوعين. ومن الخطأ التقليل من خطر ذلك التهديد. ثم هناك النفط، فإذا لم تعمل أمريكا على تدفقه سيتأثر اقتصادها وتتأثر مطالبتها بقيادة العالم. وليس على الولاياتالمتحدة وفقًا لبعض المعلقين أن تواصل مستوى الانخراط فى الصراع العربى الإسرائيلى كما كانت الحال أثناء الحرب الباردة؛ فلا يوجد نظام عربى يشكل تهديدًا جذريًا لوجود اسرائيل فى الوقت الراهن. وكان العون العسكرى الأمريكى الضخم لاسرائيل ممكنًا تبريره فى سياق الحرب الباردة ولكنه ليس ضروريًا فى الأوضاع الحالية. ويرى بعض المحللين أن على صانعى السياسة الأمريكية أن يقدموا عونًأ ماليًا للفلسطينيين ويقللوا العون لاسرائيل لكى تبدو سياستهم متوازنةوحتى يتولد لدى الاسرائيليين حافز لإصلاح اقتصادها الذى صار شديد الاعتماد على الدعم المالى من الولاياتالمتحدة، كما أن تقليل الدعم من شأنه أن يدفع باسرائيل إلى الاندماج والتكامل فى المنطقة كما يذهب بعض المحللين الأمريكيين. ولكن سياسة أوباما فى عدم الانخراط والنأى عن الصراع فى المنطقة العربية وانتقاء حلفاء حسب الحاجة تلقى انتقادًا شديدًا من بعض المراقبين وبخاصة الجمهوريون فى الولاياتالمتحدة. فهم يعتقدون أن إهمال أوباما المتعمد يعكس غيابًا لرؤية استراتيجية وقد يجعل الأمور أشد سوءًا فى الواقع ومن زاوية المصالح الأمريكية. ويرد المدافعون عن تلك السياسات بأنها قد تكون غير متسقة ومتناقضة بالفعل لأنها تعكس تعقيد الواقع السياسى فى المنطقة. لكن المؤكد أن السياسة الخارجية ستحتل الصدارة فى الانتخابات الرئاسية القادمة فى 2016، وفقًا لاستطلاعات حديثة للرأي، خلافًا للانتخابات السابقة التى تركز الصراع الانتخابى فيها على القضايا الداخلية. لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى