حتى لا نصحو يوما فنكتشف أن الحلم صار كابوسا، وأن الربيع كان طيفا من خيال فهوى، علينا أن نواجه أنفسنا بواقعنا، ونواجهه، ونكف فوراً عما درجنا عليه بامتداد ثلاثة أرباع القرن من تأجيل الحلول الحقيقية واستبدالها بمسكنات ترحل الأزمات وتفخخها، وتجعلها قيد الانفجار، بفعل اعتماد التوازنات والمواءمات مدخلا ونسق تفكير. أقترب من ملف درج الساسة والمفكرون وأجهزة الأمن وأجهزة المعلومات على تسميته الملف القبطي، وهى تسمية مراوغة وكاشفة عن إطار الأزمة، إذ تسلم بأن لدينا مكونا وطنيا يتم التعامل معه خارج سياق الجماعة الوطنية، باعتباره آخر، له قضاياه وتكوينه ومشكلاته، تستوجب إحالته إلى ملف قائم بذاته، نستدعيه فى الملمات، ونحيله إلى دوائر النسيان حين تنفرج الأمور، ونطيب خاطره حين يصرخ من الألم، ونوقع عليه بالتأشيرة الغامضة، يحفظ ويبقى الحال على ما هو عليه. صحيح أن المتربصين بثورة الشعب فى 30 يونيو التى وضعت النقاط فوق الحروف فى 3 / 7 يدركون أن الأقباط هم الكتلة الحرجة التى رجحت كفة الثورة، وأنهم بذات الوقت العصب الملتهب الذى يوجع الوطن كلما تم استهدافه، ولهذين السببين فقد أدركوا أن تفكيك تحالف 30 يونيو لن يتحقق إلا باستهداف الأقباط، وهو ما أدركه الأقباط مبكراً، ففوتوا الفرصة على أعداء الثورة، وفى طليعتهم الجماعات الإرهابية المتأسلمة، وقبلوا كل الأفعال الإجرامية التى استهدفتهم أرواحاً وممتلكات وكنائس، والتى وصلت إحدى ذراها فى 14 أغسطس 2013 إثر فض تجمعى رابعة والنهضة الإرهابيين، وخرج البابا ليعلن، أن وطناً بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن. لكن الصحيح أيضاً أن حماية الدستور الذى يضبط حراك المجتمع ويحمى سلامه وأمنه، يعد أحد أهم مهام الحكومة التى أقسمت على إحترامه، وحماية سلامة الوطن ووحدة أراضيه، ومن ثم يصبح التساؤل عن حالة البلادة والتراخى التى تغشى المعنيين بالملف القبطى والتى نراها واضحة حتى إلى درجة اللامبالاة، فى شأن جرائم التهجير القسرى التى تشهدها قرى محافظة بنى سويف، وهى تكرار مشين لمثيلاتها بمحافظتي المنيا وسوهاج على امتداد العام، كمنتج فج لنسق الجلسات العرفية المهدرة للقانون والدستور، وبحضور ومباركة قيادات تنفيذية وأمنية رفيعة المستوى وقيادات دينية ، ومسيحية (!!)، والتى تنتهى بعقد اتفاق يوقعه ويلتزم به الطرف الذى قضى بتهجيره من قريته وبيته صاغراً وتشهد عليه تلك القيادات، وهو فى حقيقة الأمر عقد إذعان. وبعيدا عن تكرار ممل لحديث نخبوى عن حقوق المواطنة والعدل ودور الدولة، وتطوير وتنقيح الأجهزة الأمنية، وكشف الخلايا النائمة الموالية للجماعات الإرهابية فى الدولاب التنفيذى، وتصحيح عوار التعليم والإعلام والثقافة، نتوجه للسيد رئيس الحكومة ووزرائه المعنيين من ذوى الصلة بوقائع التهجير القسرى التى تقع فى دائرة مسئولياتهم، ونضع أمامهم حزمة من النصوص الدستورية التى وردت متتالية: مادة (62) حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة. ولا يجوز إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة فى القانون. مادة (63) يحظر التهجير القسري التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لاتسقط بالتقادم. مادة (64) حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون. مادة (65) حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبيرعن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر. وهى مترابطة وفى مجملها تؤكد حماية الحقوق الطبيعية والحريات الأساسية للمواطن، فمتى تنتقل من سطور الدستور لتجد مكانا فى صعيد مصر، وداخل الملف القبطى، خاصة أن جرائم التهجير القسرى لا تسقط بالتقادم، والمتهمون فيها تجاوزوا الفاعلين المباشرين لتضم كل من وافق وبارك وشهد عليها، سواء من التنفيذيين أو من رجال الدين، خاصة رجال الدين المسيحى، فماذا نحن فاعلون؟. السيناريوهات التى يسعى اليها من يخططون وينفذون هذه الجرائم، بذريعة اقتحمتنا عمدا، وهى اذدراء الدين، والتى تجد من يتلقفها وينتهى بها إلى معاقبة من الصقت به بالحبس لخمس سنوات وغرامة فادحة تتجاوز قدراته، وهو فى الغالب من الكادحين وتجاوزت ايضاً نصوص قانون العقوبات، ويصبح البديل القبول بالتهجير قسرا وخضوعا. المخططون يسعون لواحد من البدائل : خروج الأقباط من تحالف 30 يونيو فتنهار الثورة وتمهد الأرض لعودة الإرهابيين لسدة الحكم. تصعيد ملف استهداف الأقباط إلى المحافل الدولية لحصار نظام الثورة على أصعدة متعددة تنتهى إلى إسقاطه. إيجاد حالة من المواجهات المتصاعدة الدموية بالضغط على شباب الأقباط بعد أن سدت أمامهم أبواب الحلول القانونية، وتزايد الضغوط عليهم، تصل إلى الفوضى التى تخلخل قواعد الدولة وتنتهى إلى إسقاط نظام الثورة. وكلها سيناريوهات تنتهى إلى تفكيك التحالف الشعبى وتفريغ الدائرة حول القيادة، يدعمها كتيبة من الإعلام المضلل المختبئ خلف الأكمة والمنتظر لإشارة البدء، مستغلا حالة السيولة الإعلامية، والضبابية فى التعامل مع القضايا الحياتية. ليعود السؤال مجددا ماذا انتم فاعلون؟. لمزيد من مقالات كمال زاخر موسى