يتعرض يومياً المسلمون «الروهينجا» الذين يعيشون فى دولة ميانمار »بورما سابقا«- إحدى دول شرق آسيا - للإبادة والتشريد على يد العسكر البوذيين «الماغ» المعادين للإسلام، وترجع هذه المعاداة تاريخيا لمواجهة المسلمين للاستعمار الإنجليزى مما جعل بريطانيا تخشاهم، فبدأت حملتها للتخلّص منهم باعتماد سياساتها المعروفة «فرق تسد»، فحرضت البوذيين ضد المسلمين، وأمدتهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين فى مذبحةً عام 1942م، قتلوا فيها نحو 100 ألف مسلم فى مدينة أراكان التى يعيشون فيها.ويمثل المسلمون نحو 7 ملايين نسمة من عدد سكان ميانمار ، لم تتغير أحوالهم بعد الانتخابات التى جرت فى نوفمبر 2010م، وعلقوا عليها آمالا دولية للعيش المشترك بين جميع الديانات والأجناس المختلفة، ولكن مازال مخطط إخراج المسلمين من أراكان موجوداً، حيث تم تهجير أكثر من 2 مليون مسلم حتى الآن ومئات الآلاف من القتلي. وللوقوف على آخر مستجدات الوضع اللاإنسانى فى ميانمار التقت «الأهرام» بالدكتور عبدالسلام مينتين رئيس مؤسسة مسلمى ميانمار، على هامش زيارته الأخيرة للأزهر الشريف الذى أكد أن الاضطهاد الدينى وقتل المسلمين فى بلاده لا يزال مستمرا، موضحا أن مصر الأزهر نستنجد بها دائما كلما ضاقت السبل، مطالبا المجتمع الدولى بالتحرك لوقف الانتهاكات والجرائم التى يتعرض لها مسلمو ميانمار. وإلى نص الحوار:
فى البداية سألناه: صف لنا مستجدات الوضع فى ميانمار بالنسبة للمسلمين، خاصة الروهينجا؟
قال إن الأوضاع فى الفترة الأخيرة تسير إلى الأسوأ، فقتل المسلمين الأبرياء واضطهادهم الدينى وتشريدهم مازال مستمرا، والحكومة لا تعترف بحقهم فى الحياة من الأساس، ويعيشون رهن العزلة أو التهجير، ويحرم أبناء المسلمين من مواصلة التعليم فى الكليات والجامعات، إمعانا فى نشر الأمية، وتحجيمهم وإفقار مجتمعاتهم، كما لا يسمح للمسلمين باستضافة أحد فى بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، وأما المبيت فيمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقب من يقوم بذلك بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته، كما تفرض عقوبات اقتصادية مثل الضرائب الباهظة فى كل شيء، والغرامات المالية، ومنع بيع المحاصيل إلا للعسكر أو من يمثلهم بسعر زهيد لإبقائهم فى فقرهم المدقع، أو لإجبارهم على ترك أراضيهم وممتلكاتهم،وليس الروهينجا وحدهم فقط هم من يتعرضون للاضطهاد بل يوجد مسلمون من جنسيات أخري.
كم عدد سكان ميانمار، ونسبة المسلمين بها؟
سكان ميانمار نحو 53 مليون نسمة، وعدد المسلمين بها أكثر من 7 ملايين، هاجر منهم حتى الآن 2 مليون تقريبا إما لأسباب اقتصادية، أو أسباب دينية لما يتعرضون له من اضطهاد مثل سكان الروهينجا، وتقول الاحصائيات إنه يوجد أكثر من 140 عرقا أى أجناس مختلفة فى بورما، ولكن الحقيقة أنهم اكثر من ذلك، فالحكومة هناك أسقطت نحو 9 اجناس من المسلمين لا تعترف بهم على الإطلاق.
كم عدد الديانات؟
3ديانات، ويمثل الإسلام ثانى أكبر جالية بعد البوذية والثالثة المسيحية.
ما هو نشاط مؤسسة «مسلمى ميانمار» التى ترأسها؟
مؤسسة شعبية، أسسها مسلمو ميانمار، فالحكومة هناك ترفض تكوين أى كيانات إسلامية، وقد اختارنى المسلمون هناك لثقتهم، ولأتحدث باسمهم فى دول العالم لمحاولة الخروج من الكارثة الإنسانية التى نعيشها هناك، كما أننى رئيس الجامعة الأزهرية بميانمار، وسميت بذلك تيمنا بالأزهر الشريف، والذى نقدره جميعا ونستنجد بمصر وبه كلما ضاقت بنا السبل.
أسباب دينية وعرقية
لماذا يمارس البوذيون العنف تجاه المسلمين فى ميانمار ؟
ما يحدث من قتل وعنف ليس لاسباب دينية فقط بل عرقية ايضا، حيث تنظر الدولة لنا على أننا دخلاء على البلاد، وغير مرغوب فينا، ويجب ترحيلنا وإبادتنا جماعيا، ولذلك يقومون بهدم وحرق المنازل والمتاجر وأيضا المساجد، حتى المخيمات التى يحتمى بها اللاجئون لم تسلم من بطش الحكومة الظالمة، والمساعدات التى ترسل لإغاثة المسلمين هناك يتم تسلمها من الحكومة البوذية على انها سوف ترسلها للمحتاجين وثم تمنعها عن المسلمين هناك بغرض فرض الحصار عليهم ومحاولة تهجيرهم اجباريا.
صوت الأزهر مسموع
بعد لقائكم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف أخيرا، ما شكل التعاون الذى تم بينكم وبين الأزهر؟
يدرس بالأزهر حاليا 21 طالبا بمنحة مجانية، وقرر الإمام الأكبر زيادة هذه المنح الدراسية، واستعداده لاستقبال المزيد من طلاب بورما أيا كان عددهم، كما رحب فضيلته بطلبنا بإرسال قوافل طبية وغذائية، فالأزهر جهوده لا تنقطع وصوته دائما مسموع لنا فهو المؤسسة الإسلامية الوحيدة التى قامت بجهود كبيرة تجاهنا وتشعر بآلامنا وقد جئت الى مصر على نفقة الأزهر، كما وعد شيخ الأزهر أيضا بفتح قنوات للحوار مع الحكومة والجهات المعنية هناك من أجل حل مشكلة مسلمى ميانمار.
دعا الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى وقف التمييز فى بورما بحق أقلية »الروهينجا« المسلمة .. هل ترى أن هذا الموقف الأمريكى كاف لإنهاء معاناة مسلمى ميانمار ؟
بالطبع لا يكفى موقف أمريكا أمام ما نعانيه من إبادة جماعية ومحاولات الهجرة الإجبارية للمواطنين المسلمين هناك، نحن لا نريد خطبا رنانة، ولكننا نطالب بوقف كل الانتهاكات والجرائم اللإنسانية التى نتعرض لها.
ما الموقف الذى يجب أن يتخذه المجتمع الدولى من وجهة نظركم تجاه ما يحدث؟
الوضع فى بورما مأساوى لأبعد درجة، والحكومة هناك عنيدة جدا لا تنصاع لقرارات الأممالمتحدة والتى طالبت بمنح الجنسية لمسلمى الروهينجا، ولذلك لا بد من تكاتف المجتمع الدولى واتخاذ موقف قوى حاسم لمأساة المسلمين،كما يجب مد يد العون اقتصاديا أيضا لأنهم يعانون الفقر الشديد، والذى دفع أكثر من 800 ألف مسلم بجانب الاضطهاد الدينى إلى الهجرة غير الشرعية إلى الدول المجاورة وتعريض حياتهم للخطر بمراكب متهالكة ،بالإضافة إلى رفض بعض الدول استقبالهم.
هل يمكن أن يؤدى الاضطهاد المتواصل لكم إلى الهجرة إلى أى مكان آخر؟
نحن متمسكون بالعيش فى بلادنا إلى آخر نفس، ولن نتركها مهما حدث.
البوذيون يقولون إن الروهينجا غير شرعيين وقادمون من البلدان المجاورة ولهذا يريدون أن تعود بورما بوذية 100% .. ما تعليقك؟
دخل الإسلام بورما عن طريق (أراكان) -ولاية ضمن جمهورية ميانمار ، والتى تضم أكبر تجمّع لأهل هذا البلد- فى القرن الأول الهجرى عن طريق الصحابى الجليل وقّاص بن مالك رضى الله عنه، وهناك مؤرخون يقولون إن الإسلام وصل إليها عبر (أراكان) فى عهد الخليفة العباسى هارون الرشيد - رحمه الله- فى القرن السابع الميلادى عن طريق التُّجار العرب، حيث أُعجب أهل ميانمار بأخلاقهم فدانوا بدينهم، وعملوا فى الزراعة فى البدء، ثم هيمنوا على التجارة واستوطنوا فى كثير من البقاع. حتى أصبحت بعد ذلك دولة إسلامية حكمها 48 ملكاً مسلماً على التوالى ما بين عامى 1430و1784م. ومما يدلّ على قِدَم وجود المسلمين فى هذه الدولة أيضاً بعض الآثار التاريخية كمسجد بدر المقام فى أكياب عاصمة أراكان، ومسجد سندى خان الذى بنى منذ 560 عاما،ً ومسجد الديوان موسى الذى بُنى عام 1258م، ومسجد ولى خان الذى بنى فى القرن الخامس عشر الميلادى .. تعتبر أراكان ركناً من ميانمار، وتمثّل أكبر تجمّع إسلامى فيها، كما يوجد تجمّعات أخرى للمسلمين فى كل من: (ماندلى وديفيو وشاه ومكاياه والعاصمة رانجون) وغيرها، حيث يقع على تلك التجمّعات أعظم ضغط جماعى مِن قِبل حكومة ميانمار العسكرية. أما العنصران الأساسيان من سكانها والموجودان فيها حالياً هما: (الروهينجا) الذين يدينون بالإسلام وينحدّرون من جذور عربية وفارسية وهندية وتركية، أما العنصر الثانى فهو(الماغو) الذين يؤمنون بالبوذية، بالإضافة إلى أقليات عرقية متعددة احتُلت أراكان من قِبَل الملك البوذى (بوداباي) عام 1784م الذى قام بضم الإقليم إلى ميانمار خوفاً من انتشار الإسلام فى المنطقة، واستمر البوذيون البورميون فى اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين الماغو على ذلك طِوال فترة احتلالهم.
حدثنا عن إقامة المسلمين لشعائرهم الدينية؟
لا تسمح الحكومة بطباعة الكتب الدينية وإصدار المطبوعات الإسلامية إلا بعد إجازتها من الجهات الحكومية وهذا أمر صعب جداً.وكذلك عدم السماح للمسلمين بإطلاق اللحية أو لبس الزيّ الإسلامى فى أماكن عملهم، كما يتعرّض كبار علماء الدين للامتهان والضرب ويتم إرغامهم على العمل فى معسكرات الاعتقال، ويُمنع استخدام مكبرات الصوت لإطلاق أذان الصلاة، بل تعدى الأمر إلى هدم المساجد، وأصدرت قانونا منعت بموجبه بناء المساجد الجديدة أو ترميم وإصلاح المساجد القديمة.
ماذا تنتظرون من العالم الإسلامي؟
قامت بعض المنظمات الإسلامية بتقديم بعض المساعدات للمسلمين فى بورما، إلا أنّ الجهود التى تُبذل ما زالت محدودة الأثر تنحصر فى توزيع المعونات الغذائية والإعانات العينية، وهذا بالطبع غير كاف لمواجهة الوضع المأساوى ولذلك ننتظر تحركا أكثر تأثيرا لنصرة قضيتنا.