في العلاقات الدولية, العداوة ليست نقشا علي حجر وأصدقاء الأمس هم أعداء اليوم والعكس أيضا صحيح, فأعداء الأمس يمكن ببساطة أن تجمعهم المصالح الإستراتيجية ويصبحون حلفاء الغد, وقد يبدو هذا ملموسا في ملامح شرق أوسط متغير بعمق نشهده منذ ما يقرب من أربع سنوات, فإيران التي كانت تري الولاياتالمتحدة هي الشيطان الأعظم تجد انه لم يعد هناك بد من التحالف مع عدو الأمس للهيمنة علي المنطقة, وإسرائيل التي تري في إيران اكبر تهديد وجودي لها, أصبحت علي لسان محلليها ومنظريها تذكرها عدوها اللدود بعلاقات الأمس المخابراتية الناجحة, وتفتح أمامها أبواب محتملة لتقارب جديد بهدف السيطرة علي المنطقة. فخلف الأبواب المغلقة تكمن الكثير من الأسرار...إننا ببساطة نشهد تغيرات جذرية في المنطقة مما يعني انه زمن التحالفات غير المتوقعة. في كتاب خبير العلاقات الدولية الإيراني الأصل فرنسي الجنسية, آردفان امير اصلاني, "ايرانوالولاياتالمتحدة أصدقاء الغد", والذي صدر عام 2013, كان هناك استباق من المؤلف لتقارب وشيك وحتمي ما بين أعداء الأمس طهرانوواشنطن, وكان من بين المؤشرات التي بني عليها المؤلف توقعاته, أن الرئيس الأمريكي لم يرد أن يفرط فيما وصفه بفرصة "الربيع العربي" مع تنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية السنية في المنطقة, التي ستترك الولاياتالمتحدة وإسرائيل بلا حلفاء حقيقيين وسط مخاوف من تنامي قدرات تركيا وهيمنتها مع ارتباط نظامها الحاكم بالتيارات الإسلامية المتشددة, وسط هذه المخاوف تجد إسرائيل نفسها مضطرة إلي عودة علاقاتها السابقة بالنظام الإيراني ما قبل حكم الملالي, حيث يمكن لإيران في حالة إعادتها لجذور السياسة الخارجية الإيرانية في زمن الشاه, أن تعيد تكوين تحالف ثلاثي جديد مع كل من إسرائيل والولاياتالمتحدة, علي حساب دول الخليج تحديدا. اليوم وبشكل غير متوقع نشر العديد من التسريبات المخابراتية عن زمن تحالف الرمح الثلاثي, الذي جمع بين كل من إيرانوتركيا وإسرائيل, والذي مثل قمة البراجماتية بين دولة الاحتلال الصهيونية والنظامين الوحيدين غير العربيين في المنطقة, وكانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السي اي ايه قد أفرجت في مطلع العام الحالي عن سرية وثائق الثورة الإيرانية, والتي كشف فيها عن المقابلات التي تمت ما بين الخوميني مفجر الثورة الإيرانية وعدد من عملاء السي اي ايه وعلي رأسهم مدير جهاز المخابرات وقتها جورج بوش الأب, وقد تناولت تلك المقابلات ضرورة تصدير المد الثوري إلي بقية الدول العربية, وعلي رأسها مصر والسعودية. وتكشف تلك الوثائق المفرج عنها, الدور الذي لعبه الحرس الثوري الإيراني في إسقاط طالبان في أفغانستان خلال 2004 من خلال دعم جوي أمريكي للقوات الإيرانية. ووفق ما نشرته مجلة فورن افيرز الأمريكية الشهر الماضي بقلم المحلل الإسرائيلي البارز وضابط الموساد السابق يوسي الفير, والذي تناول التحالف الثلاثي الذي استمر في الفترة ما بين 1956 وحتي 1979 , والذي كان من اهم ملامحه التعاون المخابراتى الواسع ما بين إسرائيل وتركياوإيران بشكل غير مسبوق, والذي ما زالت إسرائيل تعده حتى اليوم احد أهم انجازات سياساتها الخارجية, والذي مكنها من التعامل مع جيرانها المزعجين وعلي رأسهم مصر والسعودية, ذلك التعاون المشئوم كان علي أرضية سعي اسرائيل لخلق حلفاء غير عرب في مواجهة الأعداء العرب, وإن ظل هذا التعاون سريا علي المستوي الرسمي تمثل في علاقات تجارية منخفضة المستوي بين الجهات الثلاث, في الوقت الذي سوق فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت ديفيد بن جوريون لهذا التحالف في واشنطن باعتباره احد أهم العناصر الداعمة للغرب في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفيتي السابق, في الوقت الذي فهمت فيه كل من تركياوإيران أهمية التعاون مع إسرائيل من اجل النفوذ إلي قلب صناع القرار في واشنطن, ووفق تقرير فورن افيرز فان هذا التعاون المخابراتى كان قد تمثل نجاحه في العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956 ومحاولات اغتيال جمال عبد الناصر, وإسقاط النظام العراقي في 1958 فيما عرف بحركة تموز, وأيضا في تدريب القوات الايرانية وبيع اسرائيل الاسلحة المتطورة لنظام الشاه, اما تركيا فقد تمكنت من خلال هذا التعاون من توجيه ضربات للعرب عقابا علي دعمهم لليونان في قبرص, وفيما بعد تمكنت تركيا من التحلل من هذا التحالف علي المستوي الرسمي عندما رفضت السماح باستخدام قواعدها العسكرية او مجالها الجوي في حرب 1973, إلا أن العلاقات ما بين تركيا وإسرائيل تم استئنافها علي المستوي الرسمي مرة أخري في عام 1991 عندما رفعت العلاقات مع اسرائيل الي مستوي تبادل السفراء ووازنت موقفها هذا بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كدولة. اما بالنسبة الي ايران فقد انتهي تحالف الرمح الثلاثي خلال حرب 1973 عندما انضم الشاه للحظر النفطي, وكان الشاه قد اعلن في عام 1975 عن العلاقات العسكرية ما بين طهران وتل ابيب مبررا هذه العلاقات بالعداء ما بينه وبين عبد الناصر. ومع سقوط الشاه انهار هذا التحالف الثلاثي ولكن ظلت علاقات تركيا متقلبة مع اسرائيل وإى كان التعاون المخابراتي ظل قائما حتي حادثة الهجوم علي سفينة مرمرة التركية عام 2010 المتجهة الي غزة والتي قتل فيها الإسرائيليين تسعة من القيادات الإسلامية التركية في المياه الدولية. وقد نشر مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية مؤخرا دراسة عن العلاقة الإيرانية الإسرائيلون , كشف فيها استمرار التعاون العسكري بين إسرائيل وإيران حتى بعد الثورة الإسلامية 1979, حيث زودت إسرائيل ايران بمعدات عسكرية خلال وبعد الحرب العراقية–الإيرانية, حيث كان من مصلحة إسرائيل القضاء علي نظام صدام حسين في العراق الذي اعتبرته تل ابيب وقتها تهديدا لها مشابها لتهديد عبد الناصر وقد ذكر الكثير من أسرار تلك الفترة في كتاب" التحالف الغادر" للمحلل الأمريكي إيراني المولد تريتا بارسي , وأيضا الفضيحة الشهيرة المعروفة بإيران كونترا 1986 التي لعبت فيها اسرائيل دور الوسيط لبيع اسلحة امريكية الي ايران مقابل الافراج عن المحتجزين الأمريكيين في لبنان, وفي 1998 كشف عن تورط ضابط إسرائيلي سابق ورجل أعمال يدعي "ناحوم مانبار" في بيع معدات عسكرية لإيران ضمن برنامجها لإنتاج سلاح كيماوي, وفي العام الماضي فتحت السلطات الأمريكية تحقيقا حول قيام بعض صفقات السلاح بين إسرائيليين وإيران بالرغم من العقوبات المفروضة علي طهران, وذلك في عام 2012 وايضا 2014. واليوم تذكر إسرائيل حلفاء الأمس أن استفادتهم من المعلومات السرية التي قدمتها لهم كانت اكبر من استفادة تل ابيب وانه ربما قد حان الوقت لاستئناف التعاون, والقضاء علي عزلة إسرائيل في المنطقة.