محافظ البحيرة تشهد فعاليات مبادرة «YLY»    محافظ سوهاج يوجه بمتابعة استعدادات المبادرة الرئاسية «بداية»    البيت الأبيض يكشف تفاصيل مكالمة بايدن مع ترامب    محافظ قنا يشهد فاعليات اختبارات الموسم الثالث لمشروع كابيتانو مصر    أحمد فتوح.. من الإحالة للجنايات حتى إخلاء السبيل| تايم لاين    مناقشة رواية «أصدقائي» للأديب هشام مطر في مهرجان «فيستيفاليتريتورا» الإيطالي    استخدام جديد للبوتكس: علاج آلام الرقبة المرتبطة بالهواتف المحمولة    طبيب أعصاب روسي يحذر من آثار تناول القهوة    ثروت سويلم: سيتم الإعلان عن شكل الدوري الجديد وسيكون مفاجأة    طارق الشناوي عن خلاف عمرو مصطفى ودياب: تبديد للطاقة.. الهضبة اخترق حاجز الزمن    الغرف السياحية: أقل عمرة تبدأ من 32 ألف.. والضوابط الجديدة أدت لزيادة الأسعار    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    عاجل - ارتفاع.. حالة أسعار الذهب اليوم    عاجل| غوتيريش: "لا تبرير للعقاب الجماعي للفلسطينيين"    وفاة أربعيني غرقًا في بحيرة زراعية بالوادي الجديد    بلينكن يزور مصر للمشاركة في رئاسة الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي    هبوط مفاجئ ب924 جنيهًا .. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 (تحديث)    عاجل - استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري قبيل اجتماع الفيدرالي الأمريكي    أحمد سليمان: الزمالك يدعم فتوح.. وحسم موقف اللاعب من المشاركة في مباراة السوبر    كرة نسائية - رغم إعلان الأهلي التعاقد معها.. سالي منصور تنضم ل الشعلة السعودي    محسن صالح: كنت أتجسس على تدريبات المنافسين لهذا السبب    أحمد سليمان: الزمالك يدعم فتوح.. واللاعب خارج مباراة السوبر    "ريمونتادا" رايو فاليكانو تهزم أوساسونا في الدوري الإسباني    «بعد زيارة مدبولي».. عمرو أديب: العلاقات المصرية السعودية دائما قوية مبهرة وجبارة    الشرطة الفنلندية توقف 3 أشخاص يشتبه بتورطهم في أنشطة لتنظيم داعش    حزب الله يستهدف ثكنتين عسكريتين لجيش الاحتلال بصواريخ كاتيوشا    إصابة شخصين إثر تصادم دراجة نارية وسيارة فى بنى سويف    استبعاد مدير مدرسة اعتدى على مسئول عهدة في بورسعيد    المجلس القومي للشباب ببني سويف يحي ذكرى المولد النبوي الشريف    محافظ المنيا يشهد احتفالية الليلة المحمدية بمناسبة المولد النبوي    تكريم 100 طالب والرواد الراحلين في حفظ القرآن الكريم بالأقصر    احتجاج آلاف الإسرائيليين بعد تقارير إقالة "جالانت" من وزارة الدفاع    خاص.. غزل المحلة ينجح في ضم "بن شرقي" خلال الميركاتو الحالي    الشوفان بالحليب مزيجا صحيا في وجبة الإفطار    قطر: الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مثال صارخ لتردي وغياب سيادة القانون    المنافسة بالمزاد على لوحة "م ه م - 4" ترفع سعرها ل 13 مليون جنيه فى 6 ساعات    الإعدام غيابيا لمتهم تعدى على طفلة بكفر الشيخ    مصرع طالب سقط من قطار في منطقة العجوزة    ننشر صور ضحايا خزان الصرف الصحي بإحدى قرى المنيا    إبراهيم عيسى: 70 يوم من عمل الحكومة دون تغيير واضح في السياسات    أخبار 24 ساعة.. إتاحة رابط لتظلمات الدفعة الثانية بمسابقة 30 ألف معلم    سعر الزيت والأرز والسلع الأساسية بالاسواق اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    وزير الثقافة يفتتح "صالون القاهرة" في دورته ال 60 بقصر الفنون.. صور    شيرى عادل عن الانفصال: أهم شىء أن يتم باحترام متبادل بين الطرفين.. فيديو    قرار من نقابة المهن التمثيلية بعدم التعامل مع شركة عمرو ماندو للإنتاج الفني    أحمد موسى: إحنا بلد ما عندناش دخل مليار كل يوم.. عندنا ستر ربنا    حملة تضليل روسية لصالح اليمين المتطرف الألماني    دار الإفتاء: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به محرم شرعًا    د. حامد بدر يكتب: في يوم مولده.. اشتقنا يا رسول الله    الفوري ب800 جنيه.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وكيفية تجديدها من المنزل    نشأت الديهي: سرقة الكهرباء فساد في الأرض وجريمة مخلة بالشرف    تعرف على إحصائيات التنسيق الفرعي لمرحلة الدبلومات الفنية بمكتب جامعة قناة السويس    وكيل صحة الإسماعيلية تبحث استعدادات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    حدث بالفن| خطوبة منة عدلي القيعي ومصطفى كامل يحذر مطربي المهرجانات وعزاء ناهد رشدي    أسعار سيارات جاك بعد الزيادة الجديدة    «أمرها متروك لله».. شيخ الأزهر: لا يجوز المفاضلة بين الأنبياء أو الرسالات الإلهية (فيديو)    حصر نواقص الأدوية والمستلزمات الطبية بمستشفى أبوتشت المركزي بقنا لتوفيرها    وحدة الرسالة الإلهية.. شيخ الأزهر يؤكد عدم جواز المفاضلة بين الأنبياء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض من ذكرياتى
فاروق حسنى
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 05 - 2015

رتب (مسرح العمليات) فى أحد فصول لعبة المخابرات المصرية لاقتناص عبلة كامل بطلة (الصعود إلى الهاوية)
أحمد كامل اختاره للتعاون

مع المخابرات وممدوح سالم أخبره

فى الإسكندرية بالموعد فى القبة

الفريق أحمد شفيق كان ملحق

الدفاع المصرى فى روما الذى رتب

لهروب الفلسطينيين فى (أكيلى

لاورو) على طائرة يوغسلافية

هدده مساعد النائب العام الإيطالى

طالباً تسليم رجال الصاعقة والمخابرات

الموجودين فى أكاديمية روما

عبد السلام المحجوب (حين صار محافظاً للإسماعيلية) كشف له أنه كان المسئول

الذى يتصل به أثناء عملية أكيلى لاورو

صادق المشير طنطاوى وعمر سليمان

وكان محل ثقتهما المطلقة

لماذا لم ينتج (إخناتون)

لشادى عبد السلام

عرفنى به لويس عوض خلال حديث

صاخب عن الكوزموبوليتانية!

تحدث معى عن (الخيال الغيبي) فقدموا استجواباً برلمانياً له ولم يستطع رفعت المحجوب الوقوف أمام تحالف نواب الوطنى والإخوان ضده!

هاجمه عبد الرحمن الشرقاوى ثم حين أفاض موسى صبرى فى تقديمه أقام لهما وليمة هائلة !

حديث عن الحجاب عرضه لموجة

الاحتجاج الثاني!



أخيراً وليس آخراً

السطور المقبلة هى الحلقة الأخيرة من المجموعة الأولى لذكرياتي، والتى أستعد لنشرها بين دفتى كتاب، ومن ثم أستسمحكم فى السكوت- قليلاً- عن الكلام المباح، والتفرغ لكتابة نهائية فى نص روائى أشتغل عليه منذ عامين، وأحتاج من أجلها إلى كل تركيز وإنقطاع.



عمرو



جذبنى حديث الشابين اللذين جلسا فى مواجهة الدكتور لويس عوض بمكتبه فى الدور الخامس من «الأهرام» عام 1975 .. وكنت وقتها فى السنة الثالثة من دراستى الجامعية بقسم الصحافة فى كلية الإعلام- جامعة القاهرة- ومتدرباً فى قسم الإخراج الصحفى بالجريدة.

وتعودت الزوغان ما تيسر من الجامعة، والحضور باكراً إلى الجريدة بعد أن ندهتنى نداهة العمل الصحفى فتجاوبت مع غوايتها، ومضيت أعدو خلفها محاولاً الإمساك بطيفها المراوغ الذى نادانى حتى خلته قريباً، فلما حاولنا ملامسته أو القبض على تلابيبه وجدته هرب منى أملساً زلقاً، ثم راح يعدو ضاحكاً ساخراً ينادى أن أتبعه من جديد.

وكانت سُنتى حين أصل إلى الأهرام قبل موعد نوبتجية تدريبى بوقت كبير أن أعاود بعض أصدقاء أبى من الرموز الكبار الذين يعرفوني، فإذا دعانى أحدهم إلى فنجان قهوة جلست إليه- من فوري- مراقباً مستمعاً نهماً إلى استقراء بعض أسباب نبوغه وعبقريته وشهرته، علنى أصيب بعضها ذات يوم .. ذات يوم.

وأحد هؤلاء كان الدكتور لويس عوض أستاذ الأدب الإنجليزى ذو الحس الساخر، الممزوج بمرارة المثقف الذى تعرض للإعتقال، وأيضاً العبقرى غريب الأطوار الذى عاش بين عشرات القطط رباها فى بيته، وعشق الإرتباط بكل من وجد فى خصاله وطباعه شيئاً غير تقليدي، كما كان كثير التوجس من كل ما يأتيه من السلطة .. كل سلطة سياسية ودينية، وهو الأمر الذى دخلت فى تشكيله وهندسته عوامل معقدة جداً ربما سجل شيئاً منها فى كتابه (أوراق العمر سنوات التكوين)، ولقد أحببت الدكتور لويس بالوراثة، وكان أبى يُحملنى إليه- أحياناً- رسائل مرسومة بالألوان يسخر فيها من يوسف السباعي، الذى صار- فيما بعد- وزيراً للثقافة قبل أن يحل رئيساً لمجلس إدارة الأهرام، وأذكر أن إحدى الرسومات كانت حين منح السباعى نفسه جائزة الدولة التقديرية فيما هو الوزير المسئول عن منح تلك الجوائز .

يومها استغرق لويس عوض فى ضحكته التى تشبه الفحيح، كونه مدخن محترفا إكتست سبابته وخنصره أيضاً إصفراراً داكناً بتأثير أمساكه المتواصل بسجائره الكليوباترا.

على بابه كانت سكرتيرته كوثر بطراوى وأختها الكاتبة منحة بطراوى التى ظلت لسنوات تربض فى ذات المكان كحارس غامض لا يستطيع المرء التنبؤ بردود أفعاله، وهى عبقرية حقيقية على المستوى الإنساني، ولكن أحداً لم يهتم فى الجريدة بتوجيه عبقريتها فى مسار صحفي، على أية حال ظلت روح الإبداع قلقة بداخلها حتى صارت ممثلة أراها فى أدوار متناثرة، ولكنها لافته جداً وأحدها فى فيلم (مرسيدس) من إخراج زكى فطين وبعضها فى أفلام يوسف شاهين.

أما الدكتور لويس فقد كان يتحدث لى دائماً بخطورة، ويأتمننى على أشياء، كانت أكبر من قدرة جهازى الشعورى وتجربتى الإنسانية فى ذلك الزمان على الإحتمال، ومن ضمن ذلك أنه كان يقرئنى بعض نصوصه قبل طباعتها (فى هيئة سلخ)ومنها ما تعرض للمصادرة، مثل (فقه اللغة العربية) أو ما أثار ضجة مثل (جمال الدين الأفغاني)، كما كان الرجل يعتمد على رعايتى الإخراجية لمقالاته ومتابعتي، وضمنها- بالذات- تلك السلسلة التى ذاعت شهرتها فى الآفاق: (أقنعة الناصرية السبعة) والتى جمعها- فيما بعد- فى كتاب .

نهايته .. دخلت عليه يومها فعرفنى بشابين هما المخرج شادى عبد السلام والفنان فاروق حسنى مدير قصر ثقافة الأنفوشي، الذى أصبح مديراً للمركز الثقافى المصرى فى باريس ثم- فيما بعد- قائماً بنفس الدور فى روما ومديراً للأكاديمية المصرية كذلك.

اندمجوا- وسط فناجين القهوة ودخان سجائر لويس عوض- فى حديث باهر عن الكوزموبوليتانية وشخصية مصر، وذكريات بعثة د. لويس فى بريطانيا التى كانت بمنحة من شركة شل للبترول، وحكايات فاروق عن إطلاقه عمل ثقافى زاخر فى باريس بامكانات بسيطة، كان العاملون معه فى المركز يتغلبون عليها، بصياغة الأقنعة بأنفسهم أو تصنيع الديكورات، وإشتبك شادى عبد السلام مع د. لويس فى حديث طويل عن تراتيل أخناتون، وفى ذلك اليوم سلم أستاذ الأدب الإنجليزى للمخرج ترجمة قام بها لتلك التراتيل، وهمس له بأنها سوف تساعده كثيراً فى إعداده لفيلم (إخناتون)، ورد عليه شادى وهو يقلب أوراق تلك الترجمات بأنه يفضل أن تقرأ كعمل أدبى جميل، أما غناؤها فيفقدها قيمتها، وأمام فضول فاروق وفضولي، قرأ منها متمتماً: «أنت النور المشرق الذى سيضئ العالم، سترى العيون أنه ظهر فى الأفق وسترحب به الطيور، سوف تنط الأسماك وتفط فى الأنهار مرحبة به .. الحياة تبعث فى النهار بشروق الشمس لأنك طالعتهم أيها الإله الموحد .. عند غروبك تنام الناس، وتطلع الحنشان ويسرق اللصوص، أنت صانع الجنين، وصانع البيضة، وموعز للكتكوت متى يبلغ زمن الفقس باذنك».

كنا- جميعاً- متحمسين لما نسمعه عن فيلم (إخناتون) الذى ظل شادى يجهزه لسنوات عشر، وأبدى فاروق القدر الأكبر من الحماس يومها، قبل أن يصطحبنا د. لويس كعادته إلى مطعم «الأهرام» فى الطابق الثانى عشر، وكان المكان- وقتها- شيئاً عليه القدر والقيمة بحق وحقيق.

وأبدى فاروق- فى خضم تلك المناقشة- رأياً عن السينما لفتنى بشدة، وجعلنى أفكر فى أمر ذلك الفنان فى أكثر من مناسبة وقال فيه: (جريفز وشابلن وروسيلينى وكيروساواوفيسكونتى وأنطونيونى ليسوا فلاسفة سينما .. ولكنهم فلاسفة اجتماعيون يعلنون آراءهم عن طريق السينما).

أحسست فى ذلك اليوم بأن تكوين ذلك الفنان الشاب مختلف جداً عن معظم الكوادر الثقافيين الذين تعودت الالتقاء بهم، وكان رأيه عن السينما- بالذات- آسراً جداً لي، إذ فتنتنى السينما منذ بواكير الصبا، لما عشت فى حى كان بديعاً يغص بدور السينما الصيفية وهو منيل الروضة، وفيه وإلى جواره دور عرض (جرين) و(الجزيرة) و(ميراندا / فاتن حمامة الآن) و(الروضة) وتلك الأخيرة هى التى إفتعل البكباشى أنور السادات عندها مشاجرة ليل» 23 يوليو 1952، لتأكيد أنه كان فى مكان آخر قبل تحركه للإنضمام إلى زملائه من الضباط الأحرار .. اصطحب السادات يومها زوجته جارتنا جيهان صفوت رءوف، وصافح أبى مطيلاً (وهو الذى كان يلتقيه كثيراً فى روزاليوسف قبل الثورة حين يحمل بيانات الضباط الأحرار إلى إحسان عبد القدوس، وأظنها كانت إحدى طرائق السادات التى أمعن فيها تلك الليلة لتأكيد وجوده فى ذلك المكان وليس فى أى مكان آخر.

وعلى مدى سنوات تواصلت علاقتى بفاروق حسني، وبالذات حين رشحه د. عاطف صدقى وزيراً للثقافة فى الثمانينيات بعد أن خبر شطارته مباشرة بنفسه أثناء عمل د. عاطف مستشاراً ثقافياً لمصر فى باريس.

ولكن علاقتى بفاروق لم تك دائماً رقراقة منسابة فى هدوء ودعة ونعيم، وإنما كان اقترابى من الرجل (وبالذات المهني) مسبباً- باستمرار- لعواصف هائلة داخل الوسطين السياسى والثقافى فى البلد، لابل ومفعماً بالمناكفة التى لا أتوقف عنها، والحق أننى وجدته صبوراً إلى درجة لا يمكن تصورها إزاءها!

حين استدعى من إيطاليا ليحلف اليمين للمرة الأولى فى تشكيلة وزارية جديدة، لقيته- بعد طول غياب- فى شقة مفروشة أعدت له فى المعادي، واندمجنا فى حوار طويل نشرته فى مجلة (الأهرام الاقتصادي)، ووجدت الرجل يتكلم لغة مختلفة عما تعوده وزراء ذلك الزمان، ومن اللحظة الأولى كان واضح القصد تماماً، إذ قال لي: «هدفنا العاجل هو التبشير بنهضة ثقافية تسعى لتشكيل المجتمع بصورة أخري».. و.. «نحاول إغتنام المستقبل للانتصار على الواقع وتحقيق الصحوة».

لفتنى هذا الوزير الذى لم يعد- فى البداية- بتطوير الفرق الفنية أو توظيف العمل الثقافى لخدمة الأهداف السياسية والتعبوية للنظام كما- عادة- يفعل وزراء الثقافة (وفى كثير من الأحيان كانوا كاذبين يعدون بما لا ينفذوا أو بما لا يقدرون على تنفيذه).. أما فاروق فقد راح يكلمني- منذ اللحظة الأولى لوصوله- عن (مفهوم) جديد للعمل الثقافي، وقد فهمت- للحقيقة- أن ذلك المفهوم يعنى إصطدام الرجل بفكر تقليدى جامد ورجعى ساد البلد وكان أحد تجلياته الكبرى هو نهج التطرف والإنتماء لتيارات الإسلام السياسي.

وعلى الرغم من أن فاروق (فى ذلك الحديث الوزارى الأول بيننا) لم ينبس بلفظة (التطرف) أو كلمة (المتطرفين) فإننى أدركت أنها سوف تكون معركته مادام يذكر (التبشير بنهضة ثقافية تسعى لتشكيل المجتمع بصورة أخري).

وصدق حدسى فى حديثى الثانى إليه بالأهرام (الجريدة) حين قال: (الهجوم ضدى هو جزء من معركة طرفاها موقف مادى وموقف غيبي..الهجوم يأتى من غيبية والصمود يأتى من مادية..المادية عندى وأنا أعرف ما أملكه من أدوات ومقومات وقدرات)

وفى اليوم التالى لنشر الحديث ووسط مقال فهمى هويدى بالأهرام، وضع بروازاً أو كادراً ينتقد ماذكره الوزير عن (الغيبيات) ويحور المعنى الذى فهمته من فاروق على نحو مغاير وكأنه إنكار الغيب، وهو مالم يتلفظ به أو يلمح إليه..وبالطبع- بعدها مباشرة- بدأ هجوم مشايخ التطرف على فاروق حسنى من فوق منابر المساجد فى خطب الجمعة، وتقدم حسن الحسينى وصلاح أبو إسماعيل النابان فى مجلس الشعب باستجوابين للوزير محاولين تأكيد نفس ما ذهب إليه فهمى هويدى وخطباء التطرف من أن فاروق ينكر معلوماً من الدين بالضرورة وهو الغيب، الأمر الذى دفع الوزير إلى الحديث تحت قبة البرلمان (وكانت الحكاية كلها فى مايو 1988) قائلاً :

«أعتقد أننى لست فى حاجة هنا لكى أؤكد إيمانى بالدين الحنيف وبالغيب المطلق، ولم يك تفكيري- فيما أدليت للصحافة- هو الحديث عن الغيبيات فى الدين الإسلامي، وأقر هذا بكل وضوح، وإيمان كامل أحاسب عليه- فقط- من الخالق سبحانه وتعالى دون وسيط..كما أن تلك الغيبيات تعتمد على حقائق لاريب فيها، وأشد الدلائل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى يحى ويميت ويملك وحده أسرار الروح، لذلك حينما تحدثت عن الماديات فى الخيال، فالمقصود هو الحديث عن الإبداع بكل أشكاله، أما الخيال الغيبى فالمقصود منه الخيال العقيم الذى لا يفضى إلى أى إبداع».

لم يك متطرفو الإسلام السياسي- فقط- هم خصوم فاروق حسنى الذين انزعجوا من مشروعه الثقافي، وإنما هاجمه- كذلك- بعض الرموز الثقافية حين جاء إلى الوزارة بناء على حملة أرادت تشويه أفكاره وإثارة حالة من الاستنكار لتعيينه، وقد شن عليه ثروت أباظة حملة ضارية فى ذلك الإطار، وقد كان ذلك الأديب متمكناً- تماماً- من أداة اللغة على نحو لم تحتفل به الأوساط النقدية بشكل ظالم، كون تلك الأوساط (اليسارية فى معظمها) تعودت الإنحياز ضد كل من ليس يسارياً وأفكاره والتعتيم عليه ونفيه وتجاهله، وهكذا- أيضاً- كان ثروت أباظة ضد كل من يمكن أن يحمل- ولو من أبعد بعيد- صفة (يساري)، لابل وكان بطفولية مدهشة، يتزرزر صارخاً: (شيوعي) إذا صادف أحدهم وكان لطفولة ثروت أباظة مصادر عديدة مضحكة منها ما رواه لى عندما رسمت غلاف كتاب مذكراته وصورته (باشا جداً) ببدلة التشريفة المزخرفة بالقصب- وقد قال أنه عادة ما يجلس أمام الفيديو ليشاهد أفلام توم آند جيري، ويأكل تلاً من سندويتشات (البتى بان) ! .. وعادة كان يظهر فى محتفلات نقابة الصحفيين أو حملات إنتخاباتها، ليتهم كل من يخالفه أو لا يحبه بالشيوعية، التى فهمه - فيما يبدو- على أنها مرض كالجذام، لابد من عزل المصابين فى مستعمرة بعيدة، أو هى تجعل ذلك الشيوعى كما قال النابغة الذبياني: «إلى الناس مطليٌ به القار أجربُ» !!

نهايته..انقض ثروت أباظة على فاروق حسنى حين سمع بيساريته، و أوسعه هجوماً، وكتب مقالاً أذكره فى الأهرام بعنوان : (وجوم) يصف فيه (بتلك الكلية) الحالة التى يتصور أنها سادت المجتمع الثقافى المصرى حين سرى خبر تعيين فاروق حسني..المهم أن الأديب الكبير عبد الرحمن الشرقاوى تأثر- فيما يبدو- بالحملة العاتية التى قادها- مرة أخرى بطفولية مدهشة- ثروت أباظة ضد فاروق، ولكن ليس بسبب كون الأخير يسارياً، إذ كان الشرقاوى نفسه محسوباً- بوضوح- على اليسار، لابل ومنذ بدأ بواكير إبداعاته الشعرية فى باريس وقت دراسته هناك، وإنما تأثر الرجل بالحملة الضارية وشعر أن مؤسسة الثقافة المصرية تضيع، وهو الذى عمل حارساً فى محرابها لعهود وعقود سواء كشاعر أبدع بعضاً من أعظم النصوص الشعرية فى تاريخ المسرح المصري: (مأساة جميلة)..(الفتى مهران)..(وطنى عكا)..(النسر الأحمر)..(الحسين ثائراً والحسين شهيداً)..أو عمل فى المؤسسة العامة للسينما مسهماً فى أكبر نهضة حققها ذلك المرفق الثقافي، كما تخلدت أعماله الروائية على نحو لا يناقش ومنها (الأرض) و(الفلاح) و(عرابى زعيم الفلاحين)، وله إسهامات ثقيلة فى السينما منها مشاركته كتابة السيناريو والحوار فى فيلم (الناصر صلاح الدين) مع نجيب محفوظ ويوسف السباعى ويوسف جوهر.

ثم هو- أخيراً- صاحب الحضور الصحفى الكبير الذى قاد فيه روزاليوسف فى أحد أعظم عصور ازدهارها مع صلاح حافظ أواخر السبعينيات، وكتب سلاسل رائعة فى الإسلاميات بالأهرام احداها (على إمام المتقين) وثانيتها (ابن تيمية..الفقيه المعذب)وغيرها كثير.

اذن كان تأثر عبد الرحمن الشرقاوى بالحملة ضد فاروق حسنى يهدد تحصل الوزير (الشاب وقتها) على اعتراف الجماعة الثقافية المعنوى بالفعل، ومن ثم شعر موسى صبرى (واحد من أهم الصحفيين المصريين وأكثرهم احترافية) بأن عليه واجباً فى تقديم فاروق حسنى على نحو صحيح للشرقاوى ليناقشه ويحاوره ويطرح أمامه ملامح مشروعه الثقافى التغييرى (والثورى كذلك)، وقد دعاهما عبد الرحمن الشرقاوى بعد أن بدأ يستعدل وجهة نظره، إلى وليمة نميسة هائلة بمنزله (وقد حكى فاروق حسنى لى عنها بانبهار رغم أنه صاحب سفرة ثقيلة العيار لطالما حللت ضيفاً عليها وقت كانت ظروف الصحة تسمح لى بالأكل المباح).. على أى حال عدل عبد الرحمن الشرقاوى دماغه إزاء فاروق، وبات أكبر أنصاره بعد ذلك اللقاء.

اصطحبنى فاروق مع جمع من المثقفين إلى شارع المعز حين افتتاح المرحلة التى إنتهت منه، فصار المكان- فيما بعد- قبلة أقصدها وحدى أو مع أصدقاء وأقارب.

عشت أحلام فاروق حسنى بأن يعيد صياغة شارع أبى نواس إلى جوار حديقة الأندلس، وينشئ متحف الحضارة والمتحف الكبير وأربعة وسبعين متحفاً نوعياً للنوبة والتحنيط والنسيج وغير ذلك.

وفى كل ما فعل كان يحول مقالب الزبالة إلى مراكز للإشعاع الثقافي، وكأنها الرسالة التى يبثها إلى الناس مستفزاً فيهم إرادة التغيير.

وهكذا حاول أن يشرح لأعضاء مجلس الوزراء وأحمد نظيف كيفية تنمية وإستثمار كل بقعة فى مصر راسماً خطوطاً أفقية ورأسية على ورقة مطبوع عليها خريطة مصر، ثم ينظر إلى كل مربع محدداً إمكاناته وطرق توظيفهايرؤية ومنطق ومنظور بعينه، ومن ذلك- على سبيل المثال- بحيرة البردويل التى لطالما حكى لى عن أحلامه لها.

ولكن أحداً فى مجلس وزراء رجال الأعمال لم يهتم بما ذكره فاروق سوى المشير طنطاوي، وقد كان الرجل صديقاً قريباً من فاروق حتى اننى لم أزر وزير الثقافة مرة إلا ووجدته يتحدث إلى المشير طنطاوى هاتفياً لابل وأخبرنى أنه فرجه- مرة- على كتابي: (وزراء على نار) الذى كان ينفجر بالسخرية من وزراء حكومة أحمد نظيف، وبدا ذلك الكتاب بغلافه الذى أبدعه الرسام المفكر حجازي، وكأنه نبوءة بانتهاء نظام أو إنسحابه بلا نظام !

وعلى ذكر المشير طنطاوى فقد كنت أندهش- دائما- من قدرة فاروق حسنى على الاحتفاظ بصداقة متميزة مع طنطاوى وعمر سليمان اللذين يعرف القاصى والدانى أنهما كانا على طرفى نقيض..لابل وأجزم أن فاروق كان مصدر ثقة كل منهما المطلقة.

ربما فهمت أن العلاقة مع عمر سليمان جاءت من ارتباط فاروق حسنى بالمخابرات العامة لفترة، أما العلاقة الأخرى مع المشير طنطاوى فأثارت فضولى حتى غلبنى فانقضضت لأسأل فاروق كالبارودة المحمصة: (إنت عرفت المشير منين؟!) فقال: «جاءت جلستى إلى جواره فى عشاء رسمى وكان رئيساً للحرس الجمهوري، فتحدثت إليه، وجرنا الكلام إلى أمور جاوزت حاجز الهيبة والصورة العسكرية المتحفظة فانطلقنا فى حديث طويل عن الموسيقى العربية، وأنت تعرف أن المشير يحب الشعر أيضاً، ومن ثم نمت العلاقة، وبدا على الرجل أنه مقتنع جداً بمشروعى وما أفعله فى مجال الثقافة، وعندما بات وزيراً للدفاع قدم مساعدات شديدة التأثير للثقافة فى مصر، سواء بمعونة أجهزة تابعة لوزارة الدفاع فى التجهيز لأنشطة ثقافية، أو فى ترشيحه لبعض القيادات المتميزة فى الجيش والتى تصلح للعمل الثقافي، فقد رشح لي- مثلاً- اللواء الدكتور سمير فرج..وقد أصر المشير أن أحاضر طلبة الكلية الحربية فى (الاستثمار الثقافي)، وكنت متردداً فى البداية، لأن الصورة التى إنطبعت فى أذهاننا عن العسكريين- والتى ثبت أنها خاطئة فى حالات كثيرة- هى أنهم لا يهتموا كثيراً بالثقافة، وقد وجدت شباب الكلية الحربية مهتمين وبخاصة أننى حدثتهم عن أهمية الثقافة فى بناء البلد وتنميته وليس عن الإبداع».

وقد قال لى فاروق فى حوار جمعنا بمكتبه مرة:»برغم أن مفهوم الثقافة يبدو تجريدياً..إلا أن مفهوم العمل الثقافى يجب أن مبنياً على أسس مادية وحقيقية وتفصيلية..وحين تضع منهجاً أو تصوراً ثقافياً فإن ذلك يشتمل فيما يشتمل على تحديد هوية الشعب وطموحه وظروف الوطن وإمكانياته..وهذه كلها مسائل تحتاج إلى تضامن من جهود كبيرة فى مختلف المواقع، وتلك الجهود لن تتم بشكل إختيارى عشوائي، ولكن الإلتقاء بينها على الهدف الواحد سيتم تلقائياً بتداخل مجالات عملها وأهدافها».

هذه الرؤية الشاملة والمحددة كانت ما جعلنى أقتنع بذلك الوزير إلى غيرما حدود.

ومضيت أتابع مسيرة فاروق وأشترك فى بعض وقائعها واشتبك فى بعضها الآخر، وظلت القوى الظلامية تناصبه العداء وهى التى أدركت منذ بداية البدايات خطورته فتحسست- جميعاً- مسدساتها، وعملت- بدأب لحوح- على إعاقة مشروعه الثقافي، وإجباره على التعثر فى أزمات وقضايا فى المحاكم، وإستجوابات فى مجلس الشعب، لا بل وجد نفسه مندفعاً إلى خوض معركة ضد حلف يجمع الإخوان والحزب الوطنى وهو نفس الحلف الذى واجهته- أنا- فى حلقاتى التليفزيونية ضد الإخوان عام 2005 وقتما كانت صفقه منح الإخوان 88 مقعداً فى الانتخابات تتهندس فى الغرف المغلفة والمعتمة.

وإحدى المعارك التى أدخلوا فاروق فى أتونها هى معركة الحجاب، إذ قال فى مكالمة تليفونية مع محرر جريدة خاصة: (إن شكل المرأة بدون حجاب يكون أفضل) فهاجت الدنيا وتحرك طلبة جامعة الأزهر (جامعة الأزهر بالذات) وغصت شوارع مدنية نصر بمظاهرات الشباب المحتجة، ومرة أخرى ظهر حلف (الإخوان والحزب الوطني) الخطر، ليطلب نواب الطرفين المتحالفين أن يحضر فاروق حسنى إلى مجلس الشعب ويعتذر عما قال، ولكن فاروق بجدعنة حقيقية، لم ينكر تصريحه إلى مندوبة الصحيفة الخاصة، وقد كان هاتفياً ومن ثم يمكن تكذيبه، كما رفض الاعتذار، وقال أنه معتكف فى منزله وينتظر رد الاعتبار من مجلس الشعب، وقال بالنص: (لقد أبديت رأياً ولم أصدر فتوى دينية، ولم أجرم المرأة التى ترتدى الحجاب، ولم أتدخل فى صلب الدين، وذلك ليس من شأني، وكل ما ذكرت هو أن شكل المرأة يكون أفضل بدون الحجاب، وهذا مجرد رأى لا علاقة له بالدين، فكيف يكون جزاء إبداء الرأى كل ذلك الهجوم العنيف».

هناك جانب لا أتذكر فاروق إلا ويناديني- ملحاً- أن أحكى عنه، وأعنى علاقة ذلك الفنان بجهاز المخابرات العامة، وهو ما بدأ بعلاقة ربطته بأحمد كامل الذى كان محافظاً للأسكندرية، ثم ما لبث أن صار مديراً للمخابرات العامة، وعندها طلب من فاروق أن يحضر إليه فى القاهرة عبر ممدوح سالم محافظ الأسكندرية الجديد (قبل أن يبيت وزيراً للداخلية ثم رئيساً للوزراء).

وقص فاروق حسنى لى فى حديث طويل (تخللته أقداح من القهوة الإكسبريسو فى شرفة مكتبه بالعزيز عثمان والمطلة على حديقة صغيرة تتناثر فيها التماثيل الإغريقية والمودرن التجريدية) بعض شقفات أكملت بها (تجميع) حكايته مع المخابرات، والتى أخبرنى بها بالتقسيط المريح على عدة سنوات، وفى كل مرة جلست إليه حكى (فتفوتة) وهو- دائماً- يحدد عند كل رواية لتلك الأحداث مساحة المسموح لى والممنوع عليه فى كل ما تكلم عنه..وفى نهاية النهايات أستطيع القول إنني- بعد ثلاثين عاماً- من واقعة أكيلى لاورو أصبت إلماماً عاماً عن دوره فى القضية (بالمناسبة ووسط كتابتى لهذه السطور اتصل بى فاروق وأخبرنى أنه تلقى دعوة من مؤسسة «بنيت كراكسي» – رئيس وزراء إيطاليا أثناء أزمة أكيلى لاورو والذى لعب أحد أدوار البطولة فيها- وذلك للإحتفال بمرور ثلاثين عاماً على تلك الواقعة، وضحك فاروق حسنى قائلاً: «لقد كنت منذ دقائق تهاتفنى لتستوثق من معلومة تتعلق بكراكسى قبل أن أتلقي- الآن- دعوته..يظن أنك من أولياء الله الصالحين»!!

ولكن قبل أكيلى لاورو، ذهب فاروق ليلتقى أحمد كامل حين طلبه ممدوح سالم، فما أن التقاه حتى بادره: «حزر فزر أنت هنا ليه ؟» فقال فاروق: «ربما لأننى مرشح أن أكون مديراً للمركز الثقافى المصرى فى باريس» فقال له: «لا..نحن رشحناك للتعاون مع المخابرات»..

وفى باريس- بعد إلقاء القبض على أحمد كامل ضمن أحداث عملية 15 مايو 1971 التى عرفت (كودياً) باسم (ثورة التصحيح ضد مراكز القوة)- اندمج فاروق فى تحويل المركز الثقافى المصرى إلى بؤرة أحداث ثقافية وإبداعية جعلت منه ساحة تجمعات لناس مختلفى المشارب ونشاط كثيف لنوعية يصعب تجمعها فى مكان واحد..وتواصل تعاونه مع المخابرات العامة، التى تحركت عناصرها فى ساحة المركز الثقافى المصري، لتبنى علاقات مع كل (هدف) يقصدونه، لا بل وكان المركز مسرحاً لعمليات جزء من حكاية عبلة كامل، البطلة الحقيقية لرواية الصعود إلى الهاوية لصالح مرسي، والتى تحولت إلى فيلم من بطولة مديحة كامل ومحمود ياسين وإخراج كمال الشيخ، وذاعت منه جملة شهيرة هي: (دى مصر يا عبلة) التى تقال لمن نسى أو تناسى وسط غمرة سقوطة فى بئر خيانة ليس له قرار.

أما الحكاية الأخرى فهى أكيلى لاورو نفسها وقد جرت فى 7 أكتوبر 1985، حين قام أربعة من الفلسطينيين بينهم أبى العباس بخطف الباخرة الإيطالية (أكيلى لاورو) وقت مروها أمام سواحل بورسعيد فى طريقها إلى ميناء أشدود الإسرائيلي، وقد قاموا بدفع راكب يهودى قعيد بكرسيه ذى العجلات من فوق السفينة ليموت، وقد كان هدف العملية- وقتها- المطالبة بإطلاق 50 فلسطينياً من السجون الإسرائيلية، وفشلت العملية وسلم الخاطفون أنفسهم إلى السلطات المصرية التى قررت تسليمهم إلى منظمة التحرير الفلسطينية فى تونس ووضعتهم على طائرة مصر الطيران رحلة 648، وقد رفضت تونس ثم اليونان استقبالها، وفجأه ظهرت مجموعة من الطائرات الحربية بالتحليق حولها وأجبرتها على الهبوط فى مطار سيكونيللا التابع لإحدى قواعد حلف الناتو بجزيرة صقلية، وحاصرتها قوات دلتا الأمريكية، ورفض رئيس الوزراء الإيطالى بنيتو كراكسى (هو بنيتو كراكسى الذى عليه الكلام) حصار الطائرة المصرية أو اعتقال أى فرد على متنها، وتصاعد الموقف بينه والأمريكيين إلى حد إصداره أمراً لقوات الكاربينيرى (وهى أشبه بالبوليس الحربي) ومحاصرة قوات دلتا التى تحاصر الطائرة.

وفى أثناء ذلك كانت حكاية أخرى تدور فصولها ما بين السفارة المصرية و«فيلا بورجيزي» مقر المركز الثقافى المصري، إذ اتصل الوزير المفوض (وقتها) السفيرة هدى المراسى بفاروق حسنى مدير المركز، وطلبت منه تجهيز ستة عشر مكاناً، فتصور أنها تريد حجزاً فى حفل قاعة السينما بالمركز، وقال:»مستحيل يا سعادة السفيرة..النهارده كوملبيه»، فإذا بغرض هدي- الذى أفصحت عنه- هو تجهيز ستة عشر مكاناً للإقامة، وهو ما وجد فاروق صعوبة فى الوفاء به ولكنه أنجز ما طلب منه، وبعد قليل وصل رتل من السيارات يحمل ستة عشر شخصاً دخلوا- بسرعة- إلى مقر المركز الثقافي، وفيما بعد عرف فاروق أنهم من رجال المخابرات والصاعقة يحملون صفة دبلوماسيين وجوازات سفر دبلوماسية.

وفيما بعد تكشف بعد حدوث الواقعة أن راكبى الطائرة خدعوا السلطات الأمريكية بهبوط بعض الركاب وتحدثهم إلى أفراد (دلتا) ثم صعودهم، ولما تقرر نقل الركاب إلى الأكاديمية، كان أبو العباس ورفاقه قد تسللوا إلى طائرة يوغوسلافية، اقتربت بحذر وهدوء من الطائرة المصرية، ثم أقلعت بهم دون أن يدرى أحد، وهو المشهد الذى رتبه ملحق الدفاع وقتها (الفريق الآن) أحمد شفيق، وكل شىء تم بتنسيق رائع مع السلطات اليوغوسلافية والإيطالية، وكان بطل هذا الجزء هو (بنيتو كراكسي) مرة أخرى كراكسى الرائع.

وفى الأكاديمية تم تسكين الرجال، وأرسل فاروق بعض العاملين معه لشراء كميات مناسبة من المؤن واللحوم والبقالة، ثم واجه- فجأة- زيارة أشبه بالاقتحام من مساعد النائب العام الإيطالى الذى بذل مجهوداً لمعرفة أى شىء من فاروق عن طبيعة الرجال الموجودين داخل الأكاديمية أو الحصول على جوازاتهم، وحاول تحطيم أعصاب فاروق مظهراً نفسه كأنه يعلم كل شىء، فلما يأس من فاروق طلب توقيعه على ورقة تفيد بأنه رفض السماح باستجواب أحد من ركاب الطائرة، ولكن الفنان عاود الرفض، وكرر بأن الأكاديمية أرض مصرية مثل السفارة ولا يجوز لأحد اقتحامها، لم يك فاروق يدرك عاقبة ذلك الموقف، ولا كان على علم بتفاصيل المهمة، ولكنه فهم ان واجبه الوطنى والإنسانى يفرض عليه حماية الرجال الذين خمن أن هناك ضرورة تفرض حمايتهم وعدم إفشائه سرهم.

وحين صار فاروق وزيراً بعد سنوات، وذهب ليفتتح مهرجان الإسماعيلية، كان المحافظ هو عبد السلام المحجوب الذى كان وكيلاً للمخابرات العامة ورئيساً لجهاز الخدمة السرية فيها، والمنوط به العمل الخارجي، وقد تهلل عبد السلام المحجوب حين رأى فاروق وقال له: «فاكر الراجل اللى كان بيطلبك كل شوية أيام أكيلى لاورو ويقولك هو سيادة اللوا وصل للرجالة والا لسه..أهو أنا يا سيدى الراجل ده»!

........................................................

اليوم أراقب فاروق فى عصر ما بعد عملية يناير وأتابعه وهو يعد لإطلاق كتاب جديد رائع عن لوحاته، أو يجهز لمعرض جديد فى مصر أو الإمارات أو باريس، أظنه باللغة الإنجيلية (ولد فناناً من جديد) وقد عاد أو صار فى طريق العودة إلى زمان النظر إلى الأفق عند البحر، ومناقشات الكوزموبوليتانية مع لويس عوض، وقصر الأنفوشي، وباريس، وإسطوانات كولومبيا، وألوان جاره، وذلك الصوت الذى ينساب من بعيد عن «الشطين والماية» اللتين عشقتهما عيناه..ربما تذكر- أيضاً- فيلم شادى عبد السلام عن (أخناتون) والذى لم ير النور، ويواصل الحلم به بعد أن رحل صاحبه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.