لاشك ان كلا من مصر وإثيوبيا تعتبران من أقدم دول القارة الإفريقية, فهما تتمتعان بحضارات قديمة مثل الحضارة الفرعونية في مصر وحضارة أكسوم في الحبشة اللتين تميزهما عن حضارات الشعوب الاخري في العالم. الي جانب ان للبلدين علاقات ثقافية ودينية وعرقية قديمة, وان المؤسسات الدينية المصرية, مثل الازهر الشريف والكنيسة القبطية, كانت تقوم بالتثقيف في مجال الدراسات والبحوث الإسلامية وعلوم اللاهوت بالنسبة لأتباع الديانة المسيحية. ولعل من أهم أولويات سياسة مصر الخارجية خلال المرحلة الجديدة عقب ثورة25 يناير, هي اعادة النظر في ترتيب علاقاتها الخارجية وإعطاء دول حوض النيل أولوية مهمة, خاصة مع إثيوبيا التي تعتبر المصدر الرئيسي لمياه النيل الواردة الي مصر, والتي تمثل نحو86% من اجمالي الحصة الواردة إلينا من دول المنبع, الأمر الذي يعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي المصري. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن هذه العلاقة قد تعرضت للاهتزاز في الفترة الأخيرة نتيجة الإهمال المتعمد, ووصلت الي درجة الخلاف الشديد, فقامت أربع دول من دول المنبع بتوقيع اتفاقية إطارية جديدة فيما بينها بمدينة عنتيبي عام2010 لتقاسم المنافع من مياه النهر, وهي( إثيوبيا, أوغندا, تنزانيا, رواندا) ثم انضمت اليها كينيا في الشهر نفسه, وبعد ذلك انضمت بوروندي ليكتمل النصاب القانوني بتوقيع ست دول ولم يتبق سوي الكونغو, بينما رفضت مصر والسودان الاتفاقية.. ومن هذا المنطلق قام اعضاء المجلس المصري للشئون الخارجية برئاسة السفير محمد شاكر والرئيس الشرفي عبد الرؤوف الريدي والسفير أحمد حجاج رئيس الجمعية الإفريقية في مصر والسفير مجدي حفني الخبير الدولي في قضايا المياه وأيمن عيسي رئيس المجلس المصري الإثيوبي بزيارة إلي إثيوبيا بهدف دعم العلاقات وتعزيز الثقة بين البلدين والتي اهتزت بشكل كبير بسبب الجفاء الذي تسبب فيه النظام المصري السابق, وفتح صفحة جديدة مع هذا البلد المهم في إطار تعزيز العلاقات الثقافية والبحثية والاقتصادية و الرغبة المشتركة في وجود مسار جديد مبني علي الثقة والتفاهم والمصلحة المشتركة في مختلف المجالات المهمة وليس في قضية المياه فحسب. وأوضح اعضاء المجلس, خلال المناقشات, أن الطريق مازال طويلا في هذا الشأن, لكننا ماضون في هذا الاتجاه حتي تتحقق المصلحة للبلدين وتستعيد مصر مكانتها المرموقة, واللائقة بين شعوب هذه الدول كما كانت في الماضي, كما اجمع الاعضاء علي أنه قد أصبح لزاما علي السياسة الخارجية المصرية ان تعمل بجد علي اعادة انتمائها لإفريقيا ودول الحوض, خاصة إثيوبيا, بعد الإهمال المتعمد خلال الحقبة الماضية وانشغالها بقضايا الشرق الأوسط والمنطقة العربية مما تسبب في وجود حالة من الفراغ الاستراتيجي للدور المصري في إفريقيا. وفي نهاية المناقشات طالب اعضاء المجلس بضرورة وضع استراتيجية متكاملة لتقييم الوضع الحالي وحل أزمة حوض النيل بشكل علمي ومعرفي سليم بجانب تطوير سياسات مصر المائية في المستقبل في ضوء الأزمة المعاصرة للمياه في المنطقة والعالم وتزايد احتياجات الدول للمياه في المستقبل المنظور. ويستدعي كل هذا تغيير منهج ومفهوم التعاون مع دول الحوض, خاصة إثيوبيا, ليتماشي مع المتغيرات التي حدثت مؤخرا في هذه المنطقة المهمة بالنسبة لمصر.