حملة منظمة ضارية, تشنها تيارات شاذة السلوك والتوجه, تعمل علي هدم القيم والأخلاق والمبادئ والعفة من نفوس أفراد المجتمع, فبالأمس القريب صدمت المشاهدين تصريحات لبعض المحسوبين علي هذه التيارات, يريد تقنين تناول المواد المخدرة, ثم تبعتها دعوة إلي السفور وخلع الحجاب, في مليونية للمحجبات يتجردن فيها من الحجاب في أوسع ميدان بالقاهرة, لتتلوها دعوة أخري إلي ممارسة الفاحشة بين الجنسين قبل الزواج, بحسبان أنه حلال, واختيار شخصي, ثم تلت هذه الدعاوي دعوي أخري بأن ارتداء الحجاب أو خلعه حرية شخصية بحتة, لا ينبغي لأحد أن يتدخل فيها, وقد انبري كثير من العلماء لسوق الأدلة علي التحذير من ذلك كله, ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن, أليس من المناسب في ظل هذا الانفلات الأخلاقي أن يكون في مصر قانون ينظم أمور الحسبة والاحتساب, باعتبار أن القضايا التي أشير إليها آنفا تمثل اعتداء علي الجوانب الأخلاقية والدينية والسلوكية والاجتماعية للمجتمع, والتي يصل ضررها إلي كل فرد من أفراده, مسلما كان أو غيره, بحسبان أن الدعاوى السابقة تمثل هدما لكل القيم والمبادئ والأخلاق والفضائل, التي دعت إلي التمسك بها كل الديانات السماوية, وإذا كان بعض المغرضين استثاره أن توجد جهة رسمية في مصر تمارس الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه, وتنهي عن المنكر إذا ظهر فعله, ليظل شذاذ الفكر والعلمانيون والملاحدة يمارسون نشاطهم المفسد في المجتمع, دون أن توقفهم جهة كهذه, إن عدم وجود قانون للحسبة والاحتساب يمثل فراغا تشريعيا, في أمر هو ضروري للحفاظ علي أمن المجتمع وقيمه وأخلاقه وآدابه, ولذا فإن أصحاب الدعوات السابقة لم توجه لهم تهم بدعوتهم إلي إفساد الأخلاق, أو ارتكاب الفاحشة, أو عدم احترام الدين والسخرية من أحكامه, وما زالت هذه الدعوات تلقي ازديادا من الداعين لها, في ظل صمت مريب من قبل المسئولين عن حماية أمن المجتمع وأخلاقه وآدابه وأعرافه وقيمه, حتي صارت الأخبار الغالبة علي وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي, عن السبل الكفيلة بمواجهة هذه الدعوات بما يحمي المجتمع من مغبتها, ألا وإن هذه الدعوات توجه إلي أفراد المجتمع كله لارتكاب معاص لم تبحها شريعة سماوية, بل إن بعض الشرائع الأرضية تجرمها, وغني عن البيان: أن تناول المواد المخدرة من كبائر الذنوب, لحديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهي عن كل مسكر ومفتر), والمفتر هو ما يحدث الفتور والخدر في الأطراف, والمواد المخدرة تحدث هذا الأثر, كما تحدث بعض أنواعها السكر, والنهي المجرد في النص يقتضي الحرمة, وقد لعن فيما يحدث السكر من المواد عشر, من بينها متناولها وبائعها ومبتاعها, وكل معصية ختمت بلعن أو نار أو وعيد فهي كبيرة, والسفور أو خلع الحجاب كبيرة كذلك, لحديث أبي هريرة. أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما: ... نساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها), وهذا وعيد شديد علي سفور النساء, وقد وردت أدلة كثيرة في القرآن الكريم والسنة تدل علي فرضية ستر عورة المرأة, وهي من المرأة جميع البدن عدا الوجه والكفين وفق مذهب الجمهور, أما الفاحشة التي تدعو إليها بعض النساء, فإنها لم تحل في أي ملة, وقد وردت في حرمتها نصوص عدة في الكتاب والسنة, منها, قوله تعالي: (... ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا), وقال: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا), وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داع فيستجاب له؟, هل من سائل فيعطي؟, هل من مكروب فيفرج عنه؟, فلا يبقي مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله له, إلا زانية تسعي بفرجها), وقال صلي الله عليه وسلم: (.. لم تظهر الفاحشة في قوم حتي يعلنوا بها, إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا), وقد رأي صلي الله عليه وسلم ليلة أسري به حال الزناة, إذ قال: (.. فانطلقنا إلي ثقب مثل التنور, أعلاه ضيق وأسفله واسع, يتوقد نارا، فإذا اقترب ارتفعوا حتي كاد أن يخرجوا, فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة فقلت لجبريل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء هم الزناة والزواني), وكل هذا يدل علي كبر المعاصي التي يدعي إليها في هذا المجتمع, أفليس هذا مدعاة إلي سن قانون الحسبة, ليجعل لكل من أضير أو أسرته من هذه الدعوات وأمثالها في المجتمع, أن يرفع دعوي ضد الداعين لهذه المنكرات, لينالوا جزاءهم بما أفسدوه من أخلاق, وأهدروه من قيم ومبادئ, وما استخفوا به من شرع, وما استهزأوا به من تعاليم وأحكام؟, ألا يستحق هذا من نقابات هؤلاء الداعين أن تشطب أسماءهم من سجلاتها, وأن توقع عليهم الجزاء الذي يناسب جرمهم, وإبعادهم عن ممارسة ما يمتهنون؟, إن هذه النقابات معنية في الأساس بمراعاة قيم المجتمع وأخلاقه وآدابه, وحفظها, قبل مراعاة حقوق المنتسبين إليها, ألا تستحق هذه الدعوات أن تعقد لها وسائل الإعلام لقاءات تضم علماء النفس والاجتماع والقانون والشريعة, لمناقشة الأسباب التي أفضت إلي هذه الدعوات, واقتراح العلاج المناسب لوأد هذا الفكر الشاذ والقضاء عليه من نسيج المجتمع؟, أليست الوقاية أجدي من العلاج؟! لمزيد من مقالات د. عبد الفتاح محمود إدريس