تحلم كل ام رزقت بطفل من ذوي الإعاقة أن يحصل علي حقه في التعليم و يندمج مع زملائه الطبيعيين في المدارس ويصبح واحدا منهم, يشاركهم الدراسة واللعب والضحك والمسابقات دون أن يشعره الآخرون باختلافه, أو أن تتضجر أي أم من اندماج ابنها مع طفل مثله...ولكن هل يظل هذا حلما أم أننا نحتاج إلي تعلم ثقافة الاختلاف كما اتقنا ثقافة التمييز! كي نستشعر أهمية ومشروعية هذا الحلم يكفي أن نعلم أنه في عام2007 عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لحقوق الأطفال ذوي الإعاقة ونصت الاتفاقية في المادة24 من البند الثالث علي مسئولية كل دولة من تمكين هؤلاء الأطفال من التعليم وتيسير مشاركتهم الكاملة في المجتمع, وقد وقعت مصر و15 دولة عربية أخري علي بنود هذه الاتفاقية لحماية وتعزيز الأطفال ذوي الاعاقة علي قدم المساواة مع الأطفال الآخرين بوصفهم أعضاء في المجتمع ويجب علي كل دولة أن تتخذ التدابير المناسبة لتحقيق هذا الهدف. وضمانا لإعمال هذا الحق من المفترض ان تقوم كل دولة بتوظيف مدرسين واخصائيين متخصصين لهؤلاء الأطفال في المدارس وان يكون هناك تدريب علي استعمال طرق ووسائل وأشكال معززة وتقنيات ومواد تعليمية مناسبة لمساعدة الأطفال ذوي الإعاقة علي التعليم وسط الأطفال الطبيعيين.. ولكن هل يتم ذلك بالفعل في مصر ؟ وإلي أين وصل برنامج الدمج الذي بدأته وزارة التربية والتعليم منذ عامين تقريبا؟ د. عادل عبد الله استاذ التربية الخاصة بالمركز القومي للبحوث ونائب رئيس برنامج الدمج بوزارة التربية والتعليم يقول إن البرنامج بدأ بالفعل منذ عام2009 بالدمج الجزئي ولكننا نعمل منذ عام تقريبا علي الدمج الشامل في مختلف المحافظات وفقا لخطة يمكن أن تكون واقعية لو توافرت الإمكانيات والفنيون والمتخصصون الذين يباشرون هذه الخطة, وقد قمنا بالفعل بعقد دورات في أغلب هذه المحافظات لتدريب الكوادر التي تعمل في مجال التدريس والتأهيل الاجتماعي والنفسي ومعلمي التربية الخاصة وكل من يتعامل مع هذه الفئة في مجال التعليم.. أما البرنامج فقد تضمن التدريب علي اتقان المهارات والتدخل المبكر ومهارات التقويم والتشخيص لذوي الاعاقات وتطبيق الاختبارات والمقاييس النفسية المناسبة وتغيير اتجاهات التلاميذ العاديين نحو أقرانهم من ذوي الإعاقة حتي يتمتع المؤهلون منهم بالدمج الشامل في المدارس.. والمقصود هنا أن يندمج من2 إلي4 من ذوي الإعاقات البسيطة مع الأطفال الطبيعيين في نفس الفصل, وذلك بعد تطبيق اختبارات الذكاء عليهم في سن المدرسة, فإذا تراوحت نسبة ذكاء الطفل بين52 الي70% بجانب تجاوزه مقياس السلوك التكيفي يكون من حق هذا الطفل أن يندمج في الفصل مع الأطفال الطبيعيين, يكمل معهم يومهم الدراسي الطبيعي, إلا أنه يمضي بعض الوقت في غرف تسمي غرف المصادر لشرح نفس الدرس للطفل ذي الإعاقة إذا تعثر في فهمه ثم يعود ليستكمل يومه مع زملائه في الفصل, وبالتالي سيحتاج هذا الطفل إلي أساليب مختلفة في التعليم, وسوف يتحقق ذلك بالتدريب وتأهيل المدارس.. ومن بين المجهودات التي بذلت من أجل تحقيق الدمج أيضا مجهودات الجمعية المصرية لرعاية ذوي الإعاقات التي يرأس إدارتها د. فاروق صادق أستاذ التربية الخاصة بجامعة الأزهر, الذي أوضح ان الدمج الشامل ليس موجها إلي التربية الخاصة فقط ولكن إلي التعليم العام أيضا, فالمعروف دوليا أن سياسة الدمج الشامل هي حركة حضارية إنسانية واجتماعية وحقوقية علي أساسها تتحقق الجودة للمدرسة ويرتقي نظام التعليم ككل, وتحقيقا لهذا الهدف قامت الجمعية المصرية بعدة مشروعات بحثية منها نموذج غرفة المصادر في إحدي المدارس بالحي السابع, وقد نجح النموذج تماما في تدريب المعلمين علي الفنيات التي يمكن استخدامها مثل البرامج الفردية والتدخل المبكر وتبسيط المناهج مع انتقاء أجزاء المنهج المناسبة وتدريسها لذوي الاعاقات بطرق مناسبة حتي يصلوا إلي أقصي درجة من درجات التحصيل والتوافق النفسي والاجتماعي.. ولكن من أين يأتي بطء وصعوبة التنفيذ؟ يجيب د. فاروق صادق: إن صعوبة التنفيذ والاتجاهات السلبية تأتي من نظرة الآخرين لذوي الاعاقات علي أنهم عجزة غير قادرين برغم أنهم غير ذلك, وتلك هي اول مشكلة تقابل العاملين علي تحقيق الدمج الشامل وهي تقبل العاديين لذوي الإعاقات والعكس, ومشكلة تقبل أولياء امورهم لهذه القضية, ولكن مثل هذه السلبيات يمكن ان تنخفض أو تتلاشي بزيادة التفاعل الاجتماعي بين تلاميذ الفصل الواحد أو بين أولياء الأمور والتلاميذ وإدارة المدرسة إذا أحسن توجيه التفاعل والعلاقات الاجتماعية, وهناك عدة طرق وفنيات يمكن ان تستخدم لزيادة التفاعل النفسي والاجتماعي مثل توجيه الطالب الي ان زميله من ذوي الإعاقة قد يتفوق عليه في ناحية من النواحي وانه يجب عليه عدم النظر الي النقص في زميله ولكن الي امكاناته مع توظيف المدرسة لتلك الامكانات بحيث يستفيد منها جميع الطلاب. واخيرا يقول د. صادق إن التفاؤل في امكانية تطبيق الدمج الشامل لن يبدأ إلا عن طريق إعداد المدرسة وتهيئتها تدريجيا واستيعاب مدير المدرسة أنه يرأس مؤسسة اجتماعية, وليست مؤسسة لوائح تطبق بلا رحمة, هذا بجانب تدريب العاملين علي الفنيات والطرق المستخدمة لنجاح الدمج الشامل.