استكمال مسابقة 30 ألف معلم.. 8 تصريحات ل وزير التعليم أمام النواب    سعر الجنيه أمام عملات دول البريكس اليوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024 بعد انضمام مصر    عبد الرحيم حسن: فارس بلا جواد ربطني باقي العمر بمحمد صبحي.. وكان نقلة في مشواري    تصعيد إسرائيلي في «غزة» يسفر عن شهداء ومصابين وتدمير واسع    هاريس: جاهزون لمواجهة أي محاولة من ترامب لتخريب الانتخابات    ثروت سويلم: ما حدث عقب مباراة الزمالك وبيراميدز إساءة والدولة مش هتعديه دون محاسبة    بريطانيا: ضربات روسيا بالبحر الأسود تؤخر إمدادات الحبوب للفلسطينيين ومصر    أنتوني بلينكن: مقتل "السنوار" يوفر فرصة لإنهاء الحرب في غزة    خبير يكشف موقف توربينات سد النهضة من التشغيل    قبل أيام من الكلاسيكو.. رودريجو يوجه رسالة لجماهير ريال مدريد بعد إصابته    الكومي: فرد الأمن المعتدى عليه بالإمارات «زملكاوي».. والأبيض سيتأثر أمام الأهلي    منصور المحمدي يُعلن ترشحه لمنصب نائب رئيس اتحاد الطائرة بقائمة مخلوف    رياح وأمطار بهذه المناطق.. الأرصاد تعلن حالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة    استشهاد 10 أشخاص وإصابة العشرات في ضربات إسرائيلية على مناطق متفرقة في لبنان    بحفل كامل العدد|هاني شاكر يتربع على عرش قلوب محبيه بمهرجان الموسيقى العربية|صور    يسرا تدير الجلسة الحوارية لإسعاد يونس في مهرجان الجونة    مصرع شخصين في حادث تصادم سيارة فنطاس فى التجمع    أمن كفر الشيخ يكشف لغز العثور على جثة شاب ملقاه بترعة في بيلا    مصرع طفل أُغلق على جسده باب مصعد كهربائي بكفر الشيخ    حسام المندوه يكشف سبب تأخر بيان الزمالك بشأن أزمة الثلاثي |تفاصيل    «اللي حصل جريمة وكارثة».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على عقوبات الأهلي ضد كهربا    بدلا من الذهب.. نقابة المصوغات والمجوهرات تنصح المواطنين بالاستثمار في الفضة    نيللي كريم: لو حد عاوز يشتكي أوبر يكلم مين؟ وجمهورها يقدم لها الحل    دوللي شاهين تطرح برومو أغنية «أنا الحاجة الحلوة».. فيديو    إذا كان دخول الجنة برحمة الله فلماذا العمل والعبادة؟ أمين الفتوى يجيب    بركات يوم الجمعة وكيفية استغلالها بالدعاء والعبادات    بينها عادات سيئة .. هؤلاء الأشخاص أكثر عُرضة لالتهاب الجيوب الأنفية    أوكرانيا تبحث مع استونيا تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد    5 آلاف في الساعة.. التحقيق مع أجنبية متهمة بممارسة الدعارة في القاهرة الجديدة    تشريح جثة طفل عثر عليها ملقاة بالشارع في حلوان    ضبط 5 أطنان دواجن فاسدة داخل مجازر غير مرخصة في بدمياط    محافظ البحيرة تعقد ثاني لقاء موسع مع الصحفيين لتسليط الضوء على قضايا ومشاكل المواطنين    أدباء وحقوقيون ينتقدون اعتقال الخبير الاقتصادي عبدالخالق فاروق    البطريرك يلتقي عددًا من الآباء الكهنة والراهبات في روما    سعر الذهب اليوم الأربعاء بيع وشراء.. أرقام قياسية ل عيار 21 والجنيه    أرباح لوكهيد مارتن خلال الربع الثالث تتجاوز التقديرات    الفنانة عبير منير تكشف كواليس تعارفها بالكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة: "عشنا مع بعض 4 سنين"    وزير المالية: 3 أولويات لتعزيز البنية المالية الإفريقية في مواجهة التحديات العالمية    إنفوجراف| أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال لقائه مع نظيره الروسي    نائب الرئاسي الليبي يبحث مع مسؤولة أممية التطورات السياسية في ليبيا    حلوى الدببة الجيلاتينية التى تباع في آلات البيع الألمانية تحتوى على سم الفطر    احذروا الوقوف طويلًا أثناء فترات العمل..يسبب الإصابة بالجلطات    حلواني بدرجة مهندس معماري| ساهر شاب بحراوى يفتتح مشروعه لبيع «الفريسكا»    عمر خيرت يعزف أجمل مقطوعاته الموسيقية بحفل جسور الإبداع بين مصر واليابان    القاهرة الإخبارية: 4 غارات إسرائيلية على مناطق برج البراجنة وحارة حريك والليلكي في الضاحية جنوب لبنان    شتوتجارت يسقط يوفنتوس بهدف قاتل فى دوري أبطال أوروبا    أرسنال يعود لسكة الانتصارات بفوز صعب على شاختار دونيتسك    هل الإيمان بالغيب فطرة إنسانية؟.. أسامة الحديدي يجيب    ريال مدريد يقلب الطاولة على بروسيا دورتموند بخماسية في البرنابيو    الكويت تنضم رسميا إلى البروتوكول المعدل لاتفاقية مراكش المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية    رئيس جامعة الأزهر يتابع أعمال التطوير المستمر في المدن الجامعية    تفاصيل ضبط طالب لقيادته سيارة وأداء حركات استعراضية بالقطامية    نشرة المرأة والمنوعات: الوقوف لساعات طويلة يصيبك بمرض خطير.. أبرز أسباب مرض داليا مصطفى.. سعر غير متوقع ل فستان ريهام حجاج    وزير الشؤون النيابية: نحن في حاجة لقانون ينظم شؤون اللاجئين بمصر    نواب البرلمان يعددون مكاسب المصريين من التحول للدعم النقدي    قومي المرأة يهنئ المستشار سناء خليل لتكريمه في احتفالية "الأب القدوة"    هل قول "صدق الله العظيم" بدعة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: تربية الأبناء تحتاج إلى صبر واهتمام.. وعليك بهذا الأمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‎حكايات
الأبنودى .. وصحبته
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 04 - 2015

ليس هناك صحبة جمعتها الأقدار والظروف منذ مرحلة الطفولة ومرورا بمرحلة الصبا، وانتهاءً بمغادرتنا لصعيد مصر وانتقالنا إلى القاهرة مثل الصحبة التى جمعت بين التلاميذ الخمسة - عبد الرحمن الأبنودى وأمل دنقل ومحمد صفاء عامر وعبد الرحيم صالح وكاتب هذه السطور
- فى مدرسة قنا الابتدائية لنتلقى دروس اللغة العربية معاً على يد الشيخ محمود الأبنودى والد عبد الرحمن، الذى غرس فينا من البداية حب هذه اللغة والتفوق فيها ودرسنا على يديه بدايات كتابة الشعر سواء كان بالعامية أو الفصحى، وكنا نتقابل معا ونحن فى طريقنا إلى المدرسة نتبادل أطراف الحديث ومراجعة دروسنا السابقة حتى ندخل المدرسة لنستعد لأى سؤال ممكن أن يطرحه الشيخ الأبنودى بالذات أو بعض المدرسين الآخرين، وكنا أيضاً نقف فى طابور الصباح لنغنى أناشيدنا الوطنية معاً، واشتدت بيننا المنافسة الجميلة ونتبارى فى حفظ دروسنا لنتفوق جميعاً، عندما أعلنت نتيجة الشهادة الابتدائية وجدنا أنفسنا من الأوائل واحتضن بعضنا البعض لنبارك لأنفسنا على هذا التفوق، ثم انتقلنا معاً إلى مدرسة قنا التى تضم المرحلتين الاعدادية والثانوية لنواصل فى حماس تفوقنا فى الدراسة الاعدادية، وكنا فى المساء نتجمع سوياً لنراجع دروسنا فى «شارع الجميل» الذى يقطن فيه محمد صفاء عامر، واستمرت هذه الصحبة بهذه الكيفية والألفة الجميلة، وكنا فى كثير من الظروف نلجأ إلى الشيخ الأبنودى فى بيته الكبير خلف المدرسة الابتدائية، لكى نراجع معه دروس اللغة العربية التى تلقيناها فى المرحلة الاعداية، وهنا ظهرت على بعضنا ملامح الكتابة فى اللغة العربية أو الشعر أو الأدب التى كان أساتذتنا يشجعوننا على ممارستها وعندما انتقلنا إلى الصف الأول الثانوى استطعنا أن نشترك معاً فى اصدار مجلة اسمها «مجلة قنا الثانوية» ويشرف على إصدارها استاذ اللغة العربية وهو ناظر المدرسة فى ذلك الوقت وتخصص الأبنودى فيها فى كتابة الزجل والشعر العامى أما أمل دنقل فقد لمع فى كتابة شعر الفصحى وظهرت عليه ملامح التفوق فى القصيدة الشعرية أما محمد صفاء عامر فقد تخصص فى كتابة القصة القصيرة التى تحول بعدها إلى كتابة السيناريو عندما انتقل إلى القاهرة، ومارست أنا كتابة الشعر أيضاً، وحدث أن أقامت مدرسة قنا الثانوية أول حفلاتها فى عيد الأم ليطلب منا ناظر المدرسة المشاركة فى كتابة القصائد التى نلقيها فى هذه المناسبة وسط جمهور حافل بكبار الشخصيات بالمحافظة وأولياء أمور الطلبة وكلف ناظر المدرسة الشعراء الثلاثة أمل دنقل والأبنودى وأنا بتجهيز ثلاث قصائد لإلقائها فى هذا الحفل وطلب منا تسليم نسخ هذه القصائد لمراجعتها قبل إلقائها فى الحفل، وكنا فى ذلك الوقت فى الصف الثانى الثانوى، وكان الشيخ الأبنودى حاضراً فى هذه المناسبة وطلب من ابنه المشاركة فى قصيدة يكتبها بالفصحى وليس العامية لأن الشيخ الأبنودى كان شاعرا كبيرا مشهودا له فى قنا بكفاءته فى كتابه شعر الفصحى، ولكن عبد الرحمن كان عاشقاً لشعر العامية وأخفى عن والده وعن ناظر المدرسة عزمه على إلقاء قصيدة بالعامية وعندما بدأ الحفل ألقينا قصائدنا أنا وأمل كما تم الاتفاق عليها، ولكن المفاجأة الكبرى كانت فى أن أخرج عبد الرحمن قصيدة كتبها بالعامية عن عيد الأم وألقاها فى هذا الحفل وحققت نجاحاً مدوياً أذهل الحاضرين بمن فيهم والده الشيخ الأبنودى الذى سالت دموعه فرحاً بروعة قصيدة ابنه عبد الرحمن رغم تحذيره له بضرورة اشتراكه بقصيدة مكتوبة بالفصحى، ونفس الشئ حدث لناظر المدرسة الذى أشاد بالأبنودى وشجعه وبدأ فى الاهتمام به اهتماماً خاصاً بين زملائه الطلبة فى المدرسة، ومنح كلا منا شهادة تقدير أشاد فيها بلغة الفصحى التى يكتبها أمل دنقل، بالاضافة إلى اعجابه أيضاً بما كتبته فى هذه المناسبة وكان دائم التشجيع لنا جميعا .

ومرت الأيام إلى أن جئنا معاً أيضاً إلى القاهرة فى سنة واحدة التحقت أنا بحقوق عين شمس وصفاء عامر بحقوق القاهرة والأبنودى بآداب القاهرة وعبد الرحيم صالح بحقوق الإسكندرية وكنا دائمى الاتصال بعضنا البعض رغم بعد مناطق سكننا فى القاهرة لكننا كنا حريصين على أن نلتقى مرة على الأقل كل شهر، وشاءت الظروف أن يخطو الأبنودى خطوات واثقة فى كتابة الأغنيات الشعبية والوطنية التى لفتت نظر عشاق فنه ويتجه صفاء عامر – بعد تدرجه فى السلك القضائى إلى أن أصبح رئيساً لمحكمة الاستئناف - إلى كتابة المسلسلات الدرامية التى لمع فيها أيضاً لتخصصه فى عرض قضايا الصعيد التى تفوق فيها مثل ذئاب الجبل ومسألة مبدأ وحلم الجنوبى وغيرها، ليجمع بينهما أكثر من عمل فى هذا الاتجاه رغم طول السنين ويلتقيا معا ليكتب الأبنودى أغنيات بعض الأعمال الدرامية لصفاء عامر، وتدور الأيام ويسألنى عبد الرحمن عن زميلنا الذى لم نلتق به منذ أن جئنا إلى القاهرة وهو عبد الرحيم صالح زميلنا فى طابور الصباح بمدارس قنا، وكان شديد الاشتياق إليه فقلت له أعلم أنه دخل السلك القضائى وتدرج فيه وسوف أسأل أحد أقاربه وهو المخرج يوسف حجازى ابن قنا أيضاً الذى تخصص فى البرنامج الإذاعى الناجح كلمتين وبس للكاتب الكبير أحمد بهجت تقديم النجم الكبير فؤاد المهندس، وبالفعل قال لى حجازى انه وصل إلى منصب نائب رئيس محكمة النقض وأعير إلى الكويت لمدة خمس سنوات وعاد منذ شهر وأبلغت الأبنودى بذلك وكانت فرحته لا تقدر وطلب منى أن نفاجئه بزيارتنا دون أن يعلم أننى فى صحبتك، وذات يوم كان عبد الرحمن على موعد مع الكاتب الكبير محمد زايد مدير تحرير الأهرام الذى كان يستكتب الأبنودى فى ملحق الجمعة حلقات أسبوعية بعنوان «أيامنا الحلوة» والتى حولها الأبنودى إلى كتاب بعد ذلك واتصلت بالمستشار عبد الرحيم وقلت له: «أنا جاى لك شوية» دون أن أبلغه أن معى الأبنودى، فرد: «ياريت، أنا فى انتظارك ما تتأخرش»، ونزلنا من مكتب الأستاذ زايد متوجهين إلى دار القضاء العالى سيراً على الأقدام (وهى مسافة بسيطة)، وطلبت من الساعى ابلاغ المستشار بوجودى (وكان مكتبه فى آخر ممر مكتب النائب العام)، فخرج مندفعاً لمقابلتى ليفاجأ بوجود الأبنودى معى، دون أن يصدق عينيه صائحاً: « انت الأبنودى ؟! » ، فيرد عليه الأبنودى: «انت عبد الرحيم؟! »، ليحتضنا بعضهما البعض طويلاً ويكاد الدمع ينهمر من أعينهما معاً ليرى كل منهما الآخر بعد أكثر من ثلاثين عاماً، وقد تغيرت ملامحهما وظهرت تجاعيد الزمن وكفاح السنين على وجه كل منهما، وأمضينا وقتاً طويلاً ليطلب المستشار من الأبنودى التواصل لتعويض ما فاتنا من لقاءات، ولم أنقطع عن الاتصال بالأبنودى للاطمئنان عليه خاصة بعد أن اشتد عليه المرض وكنت أول المستقبلين له عندما أقام له الأهرام احتفالاً بمناسبة عيد ميلاده ومعه زوجته السيدة الفاضله نهال كمال وابنتاه العزيزتان آية ونور، - وقد كان رحمه الله – نموذجاً للشاعر المحب لوطنه الذى يذوب عشقاً فى ترابه وكان الأسبق فى ترجمة الأحداث التى يمر بها الوطن شعراً فى قصيدة أو أغنية، ولم ننس رائعته «موال النهار» التى تغنى بها عبد الحليم حافظ بعد نكسة 1967، لتأتى بعدها رائعته «صباح الخير يا سينا» التى قال فيها: «مين اللى قال كنتى بعيدة عنى وانتى اللى ساكنة فى سواد الننى»، أروع وأصدق ما لحنه كمال الطويل وغناه عبد الحليم حافظ بعد انتصار أكتوبر وعودة سيناء، ولا أنسيا قنا مسقط رأسنا جميعاً وجمعت بين هذه الصحبة الجميلة وزرعت فينا بذور الانتماء للوطن وفجرت المواهب فى أبنائها وعلمتهم أن الاعتزاز بالنفس والتمسك بالكرامة رأس مال الإنسان الذى لا تساويه كل كنوز الدنيا، رحم الله الأبنودى بقدر ما قدمه من أعمال وطنية أو عاطفية رائعة أسعدت الملايين وستتغنى بها طويلاً الأجيال القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.