لكل مرحلة رجال والمملكة العربية السعودية ومعها الأمة العربية تمر بمرحلة ما بعد عاصفة الحزم. فالحكومة التي شكلها الملك سلمان قبل ثلاثة أشهر، كانت حكومة ما قبل عاصفة الحزم، وهذه الحكومة هي حكومة ما بعد عاصفة الحزم. فالعاصفة نقلت الأمة العربية من المعاناة، والأزمات، والفتن، والتدخل الخارجي، وتشتيت الولاء إلى إعادة البناء ومواجهة التحديات. واليوم نجدها تعيد بناء نفسها على أسس سليمة، هي تحديد الهدف الاستراتيجي، الممثل في الأمن القومي العربي. وهذا يقتضي أن يعاد بناء كل دولة عربية بحيث تنتمي إلى الأمن القومي العربي، الذي أخذ في الترنح. والملك سلمان أصدر قراراته متناولاً ثلاثة أطر– الإطار الأمني، ثم الإطار الاقتصادي، فالإطار الإداري. ولو عدنا إلى هذه القرارات لوجدناها تسير مع هذه الأطر. فالأمير محمد بن نايف الذي أصبح ولياً للعهد جاء اختياره من قبل مجلس البيعة في أعقاب طلب ولي العهد السابق الأمير مقرن بن عبد العزيز إعفاءه من ولاية العهد، كما أن الأمير محمد بن سلمان الذي أصبح ولياً لولي العهد جاء أيضاً بترشيح من مجلس البيعة والأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية. وبهذا تكون القيادة في المملكة العربية السعودية الممثلة في خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وولي ولي عهده جمعت بين أجيالٍ ثلاثة، جيل الملك سلمان بحكمته وبعد نظره، وجيل الرجولة الممثل بالأمير محمد بن نايف الذي بلغ 56 عاماً بحزمه ورؤيته وخبرته أما الجيل الثالث فيتمثل بالأمير محمد بن سلمان الذين لا يتجاوز الثلاثين عاماً والذي يمتاز بحيوية الشباب والقدرة على الإبداع والابتكار، وبهذا أصبح القائمون على قيادة المملكة العربية السعودية متكاملين من حيث الأجيال. ولو تمعنا في المرحلة السابقة لوجدنا هؤلاء الثلاثة كانوا هم الذين يستقبلون الرؤساء والقادة من الدول العربية والأجنبية، كما أنهم كانوا يقومون بأدوارهم في الاتصال بالخارج، وكانوا أيضاً هم الذين يديرون عاصفة الحزم من الزوايا العسكرية والسياسية والاقتصادية. إن المملكة العربية السعودية تدخل اليوم مرحلة جديدة تمثلت في تعيين أحد أبناء الشعب ليتولى حقيبة وزارة الخارجية التي كانت من اختصاص الأسرة الحاكمة مما يؤكد أن سياسة الملك سلمان بن عبد العزيز تقوم على قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب دون مراعاة لأسرة أو قبيلة أو منطقة. إن المرحلة القادمة سوف تترك آثارها وبصماتها على الأمة العربية. فقد وجدنا أن عاصفة الحزم كانت بتحالف عشر دول عربية مما يؤكد أننا دخلنا مرحلة عملية للتضامن العربي لمواجهة التحديات التي تعصف بالأمة سواء كان ذلك من تدخل خارجي أو إرهاب أو جرائم. ولوعدنا بالذاكرة إلى آخر أيام الملك عبدالله رحمه الله لوجدنا أنه طالب دول مجلس التعاون بالترفع عن الخلافات البينية والنظر إلى الأمن القومي العربي الذي أصبح مهدداً من الإرهاب والتدخل الخارجي وفي هذا تم التلاقي مع الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أكد حماية الأمن القومي العربي حالما وصل إلى سدة الحكم، وهذا يدل على أن الأمة اختارت لنفسها هدفاً استراتيجياً أعلى هو الأمن القومي العربي، والأمم لا تستطيع أن توحَّد إلا بأهدافها الإستراتيجية خصوصاً بعدما أخذت الفتن تعصف ببعض هذه الدول, إن هذا التغيير سوف يشجع باقي الدول العربية على إعادة بنائها الداخلي، حتى تستطيع أن تقف في مواجهة التحديات،وتتضامن بشكل واضح في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادي والتنموية, لقد آن الأوان أن تعتمد الأمة على ذاتها وليس على المساعدات الخارجية حتى تصبح نداً للدول المتقدمة وتبني خططها للتنمية والتقدم والازدهار. إن أي أمةٍ تحدد هدفها الاستراتيجي الأعلى وتحقق وحدتها الوطنية، وتثبت العدالة الاجتماعية، فإنها تستطيع وقتها أن تواجه كل التحديات وأن تبني ذاتها على أسس سليمة. لمزيد من مقالات د. أنور ماجد عشقى