يبدو بتقاسيم وجهه التى رسم الزمن عليها كل ملامحه وقص الكثير من حكاياته وبأدواته البسيطة، مستكينا فى كنف أحد محال منطقة الجمالية كما لو كان يخرج من ثنايا كتاب تاريخ، إنه عم شعبان عيد. مهنته هى استعادة جمال ورونق ماضى قطع النحاس القديمة وأدواته بسيطة جدا..مية نار وقصدير ونشادر وشعله لهب. خامات يستخدمها فى تبييض نحاس بعض زبائن زمن فات أو حاليين ممن يهوون اقتناء أوانى وأكواب النحاس للاستخدام أو الزينة أو من بين أصحاب محال الحلوى الذين يستخدمون الصوانى النحاس فى تقديم حلواهم الشرقية. 47 عاما مرت على عم شعبان وهو يقف أمام أبخرة اللهب ليستعيد جمال الأوانى والأدوات النحاسية..ورغم مرور السنين وتبدل الحال..وتراجع استخدام النحاس فى حياة المصريين واستبدال الألونيوم والأطباق الخزفية به فإن العاشق لمهنته مازال متشبسا بها. تراه ينتظر أياما حتى يأتيه زبون من مقتنى النحاس، تتهلل أساريره ويقضى بعدها ساعات فى تبييضه وإزاله " الجنزار" (أى اللون الأخضر) منها ثم يضعها على النار لطليها بالقصدير. وهو طبقة عازلة حتى لا يتفاعل النحاس مع الطعام. مهنة تكاد تنقرض، ارتبطت فى الماضى بالرقص والغناء الذى كان يمارسه مبيض النحاس فى القرية المصرية ، فى أثناء عمله وتعبيرا عن الفرح بانجازه..لكنها اليوم لا يتبقى منها سوى قلائل يعيشون على ذكرى حلاوة زمان..وبعض صناع حلوى هذه الأيام. لكن يظل الرضا والقناعة هما سر ابتسامة عم شعبان رغم ضيق العيش قائلا: " الأرزاق على الله يا بنتى"