عمرو هندي: الحوار الوطني خلق حالة من الاصطفاف الوطني    3 قرارات.. نتائج جلسة المناقشة الثانية لمجلس نقابة المحامين    محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال إنشاء مركز التحول الرقمي.. «واجهة رائدة»    احذر تشغيل تكييف السيارة في هذه الحالات.. تهددك بالاختناق وتضر المحرك    المؤتمر السوداني: وقف الحرب مطلب مُلح بالنظر لمعاناة الإنسانية الفائقة    يورو2024| إمبولو يتقدم لسويسرا في شباك إنجلترا    ضبط 371 ألف قرص مخدر بالقاهرة و السويس    21 شخصًا معظمهم أطفال.. ننشر أسماء ضحايا حادث انقلاب سيارة بالإسماعيلية    إخلاء سبيل اللاعب أمام عاشور في تهمة التعدي على فرد أمن بالشيخ زايد    وفاة مدير التصوير عصام فريد عن عمر يناهز 83 عاما    «التنمية الحضرية»: الانتهاء من تطوير المنطقة الثقافية بتلال الفسطاط بنسبة 100%    احتجاجات في تل أبيب تطالب بإقالة حكومة نتنياهو وإجراء انتخابات مبكرة    جميلة عوض تشارك جمهورها بلقطات من شهر العسل في فرنسا.. صور    حفيد محمود ياسين ناعيًا أحمد رفعت: «زعلان عليه ومبسوط بحب ربنا فيه»    كاتب سوداني: دور مصر متواصل وتعمل على تهيئة الحوار بين الفرقاء    أجمل رسائل التهنئة برأس السنة الهجرية 1446.. والأدعية المستحبة لدخول العام الجديد    بمناسبة رأس السنة الهجرية.. وكيل «صحة الشرقية» يوزع الهدايا على مرضى مستشفى أبو كبير    إستونيا تعلن تزويد كييف بمنظومات دفاع جوي قصيرة المدى    البابا تواضروس يشهد سيامة 24 كاهنًا جديدًا للخدمة بمصر والخارج    المروحة تبدأ من 800 جنيه.. أسعار الأجهزة الكهربائية اليوم في مصر 2024    محافظ القاهرة يتفقد أحياء المنطقة الجنوبية    جامعة أسيوط تنظم حفل تخرج الدفعة رقم 57 من كلية التجارة    وزير الأوقاف يصل مسجد السيدة زينب ويزور المقام قبل احتفالية العام الهجري الجديد - (صور)    توطين مليون يهودى فى الضفة «مخطط الشر» لإنهاء حل الدولتين    ضمن «حياة كريمة».. 42 وحدة صحية ضمن المرحلة الأولى من بني سويف    رانيا المشاط.. الاقتصادية    كلاكيت تاني مرة.. جامعة المنيا ضمن التصنيف الهولندي للجامعات    لأول مرة.. هروب جماعى لنجوم «الفراعنة» من أوليمبياد باريس    قافلة طبية مجانية.. الكشف على 706 مواطنين فى إحدى قرى قنا ضمن «حياة كريمة»    جنازة غريبة للمستشارة الإعلامية للقصر الجمهوري السوري وأقاربها يرفضون دفنها في مسقط رأسها    عماد الدين حسين: الحوار الوطنى يحظى بدعم كبير من الرئيس السيسى    وزير التموين: نعمل على ضبط الأسعار بطرق مبتكرة ليصل الدعم للمستحقين    نتيجة الدبلومات الفنية 2024 (صناعي وزراعي وتجاري).. خطوات الحصول عليها    تأجيل محاكمة 3 مسؤولين بتهمة سرقة تمثال من المتحف الكبير لجلسة 7 أكتوبر    ناجلسمان يتطلع للمنافسة على كأس العالم بعد توديع ألمانيا ليورو 2024    خلال جولة رئيس الوزراء فى حديقة الأزبكية .. الانتهاء من أعمال التطوير بنسبة 93%    وزير الصحة يستقبل وفد من جامعة «كوكيشان» اليابانية لمتابعة الخطة التدريبية للمسعفين المصريين    المركز المسيحي الإسلامي يُنظم ورشة للكتابة الصحفية    أيام الصيام في شهر محرم 2024.. تبدأ غدا وأشهرها عاشوراء    طلب مفاجئ من ماجد سامي بعد وفاة أحمد رفعت| عاجل    انطلاق أولى حلقات الصالون الثقافي الصيفي بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية    ستارمر: الدفاع والأمن على رأس أولويات الحكومة البريطانية الجديدة    هل نجح الزمالك في إنهاء أزمة إيقاف القيد ..مصدر يوضح    أجواء مميزة وطقس معتدل على شواطئ مطروح والحرارة العظمى 29 درجة.. فيديو    وفاة عاملان صعقا بالكهرباء داخل مزرعة مواشى بالغربية    استمرار غياب بيرسى تاو عن الأهلي في الدوري    لطلاب الثانوية العامة، أفضل مشروبات للتخلص من التوتر    وزير الخارجية: مصر تسعى لدعم دول الجوار الأكثر تضررًا من الأزمة السودانية    ما الحكمة من اعتبار أول شهر المحرم بداية العام الهجري؟ الإفتاء تُجيب    خبيرة فلك: ولادة قمر جديد يبشر برج السرطان بنجاحات عديدة    مصر وسوريا تشددان على الرفض التام لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين.. الرئيس السيسى يؤكد ل"الأسد" مواصلة الجهود الرامية لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية بصورة مستدامة    مفتى الجمهورية: التهنئة بقدوم العام الهجرى مستحبة شرعًا    ماذا يريد الحوار الوطنى من وزارة الصحة؟...توصيات الحوار الوطنى تضع الخطة    الصحة تطمئن على جودة الخدمات المقدمة بمستشفى عين شمس العام    وفاة اللاعب أحمد رفعت إثر تدهور حالته الصحية    «في الساحل الشمالي».. شوبير يكشف عن أولى صفقات الأهلي (فيديو)    الداخلية الإيرانية: تقدم بزشيكان على جليلي بعد فرز أكثر من نصف الأصوات    احتفالات السنة الهجرية الجديدة 1446 في العراق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية حب
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 04 - 2015

قدر الإسكندرية الجميلة ...أن تعرف كل قصص العشق والغرام التى تتأرجح بين أيام تشبه هدير الأمواج وأيام فى زرقة صفحة البحر الهادئ.
فهى بلد البوصيرى والمرسى أبو العباس والامام الشاطبى، وسيف وانلى ومحمود سعيد وبيرم وسيد درويش، وكل من شعر بأنفاس الصباح المنعشة ونسمات الحرية التى تأتى كرسائل للبحر.
وهى بلد نظامى الكنجوى شاعر الصوفية والفضيلة... فما الفرق بين الاسكندرية و كنجة مدينته الجميلة التى تنتمى إلى آسيا الوسطى وتحديدا لأذربيجان؟ فمدينته مثل الاسكندرية لاتزال تحتفظ بعفوية المشاعر، يختلط فيها النقاء بتاريخ عريق تحمله فوق ظهرها.
وصاحب هذه القصة السكندرية الأذرية الذى تحتفى به مكتبة الاسكندرية ومركز نظامى الكنجوى العالمى بباكو عاصمة أذربيجان هو الحكيم جمال الدين أبو محمد إلياس بن يوسف النظامى الشاعروالفيلسوف الذى عاش فى الفترة ما بين عامى 1141إلى 1209م كواحد من أكبر شعراء الفارسية لغة الشعر والأدب فى آسيا الوسطى فى ذلك الزمن، و كانت مدينته كنجة هى ملهمته فى كتابة خمس منظومات أطلق عليها بالفارسية «بنج كنج» أو الكنوز الخمسة وهى: مخزن الأسرار، وخسرو وشيرين، وليلى والمجنون، و هفت بيكر ، واسكندرنامة.
ليلى والمجنون
فنظامى كما يقول د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية لم يكن شاعر بلاط، لينسب لحاكم ،بل كان شاعرا لكل البشر. وقد استفاد من علوم الفلسفة والموسيقى والفنون وحتى الرياضيات والفلك، و لم يكن مجرد ناقل عن تراث بلاده القديم أو ممثل لحضارة عصره، بل كان مفتوح القلب والعينين على كل الثقافات فأخذ عن الأرمينية والبهلوية (الفارسية القديمة) واليونانية .
وأما حياته فلم تكن لتوصف بالسهلة الممتعة خاصة بعد فقد زوجته الأولى التى تعلق بها. فمأساة فقد الأحبة والزوجة قد تكررت فى حياته، فمنحته ألما عبقريا جعلته يقف على أرض صلبة من الابداع الذى تحول إلى كلمات تنفذ إلى القلب .
وتبدأ كنوزه الخمسة ب «مخزن الأسرار» التى صور فيها الحياة المثالية التى تبتعد عن النفاق والغرور والأنانية, وهى نظرة فلسفية صوفية لما يجب أن يكون عليه البشر، أما «خسرو وشيرين» فهى متأثرة بالتقاليد الفارسية و تصور قصة حب الحاكم خسرو لشيرين التى يحبها أيضا فرهاد، ولهذا فالنهاية المأساوية تنتظر المحب.
رفع الستار عن تمثال نظامى

وكانت «ليلى والمجنون» تجربة أكثر ثراء، فبراعته فى تحويل مناخ الصحراء والرمال إلى قصة عشق. أما «هفت بيكر» ذات البناء المعقد فتحكى عن حب الملك بهرام كور لفتنة، و تحد يها له فى إحدي رحلات الصيد ونجاحها الذى أثار الملك، فتقرر فتنة الاختباء فى الغابة فى منزل له ستين درجة سلم كانت تصعدها كل يوم وهى تحمل عجلا حديث الولادة. وبعدها بسنوات يزور الملك المكان ويتعجب من هذه المرأة. كيف فعلت هذا؟! فكان جوابها أن الكفاح يجعلنا نستطيع، فيتعرف عليها الملك و يبدى ندمه على اندفاعه. فالمرأة لدى نظامى قوية لها طموحها، وتستطيع أن تحدد مصيرها.
وأما منظومته «اسكندر نامة» فهى تحكى عن الاسكندر كغاز، وباحث عن العلم، وصاحب دعوة، ويستلهم فيها نظامى كثيرا من تجارب البشر، وتبدو المرأة أيضا فى دور المعلم الذكى .وهذا ليس غريبا على أذربيجان التى كانت أول دولة مسلمة تعطى المرأة حق التصويت عام 1918، متفوقة بذلك على الولايات المتحدة وفرنسا.
وتصف جوهر بكهاش علييف عضو البرلمان الاذرى الإحتفال بنظامى بأنه فرصة جيدة لتقديم أدب وحضارة أذربيجان على الأرض المصرية المقدسة. فقد تأثر نظامى بالتراث العربى، وكتب شعرا استوعب قلمه فيه كل الحضارات فبدا منتميا للفكر الإنسانى، فعندما كتب «ليلى والمجنون» قرأ قبلها كل ما جاء عن هذه القصة فى التراث العربى وقصص حب جميل بثينة وكثير عزة وغيرهما، وأشار مباشرة إلى كتاب « الأغانى» لأبى الفرج الأصفهانى.
ويعد الباحثون المصريون من أفضل من قدمه وكتب عنه, ومنهم الراحل د. عبد النعيم حسنين أستاذ اللغة الفارسية الذى قدم كتابه «نظامى الكنجوى شاعر الفضيلة»، الذى اعادت مكتبة الاسكندرية طبعه أخيرا.
مائدة مستديرة:
مازلنا مع نظامى الكنجوى الذى كان مثار حديث عدد من أمناء مكتبة الاسكندرية على مائدة مستديرة. فأفكار نظامى كانت ملهمة لميدانى رئيس ألبانيا، وإيميل قنسطنطينسكو رئيس رومانيا، وباسترانا أرنجو رئيس كولومبيا، وبوريس تاديك رئيس صربيا، وويم كوك رئيس وزراء هولندا السابقين ود. أكمل الدين إحسان أوغلو أمين عام التعاون الاسلامى السابق، و شاهين عبد اللايف سفير جمهورية أذربيجان عند حديثهم عن قيم التسامح ومواجهة التطرف وتبادل تجارب الشعوب ، وإرساء ثقافة السلم فى ظل الحوار الهادئ والرؤى المعتدلة.
فوجود شعراء ومفكرين فى قامة نظامى - كما قال د. أكمل الدين إحسان- يمثل حكمة الحضارة الاسلامية. فالانسان مبدأ وكلمة، وقد ترك نظامى أفكارا أثرت فى أجيال من بعده منهم، مولانا جلال الدين الرومى فى «المثنوى»، و الحضارة الاسلامية بشكل عام وضعت أفكارها عبر ثلاث لغات هى العربية والتركية والفارسية. وهى اللغات التى عرفها الشاعر الذى أتقن لغة القرآن، وكتب بلغة الأدب الفارسية وتحدث بالتركية.
فمثل هذه الأفكار من التسامح والتعايش كما قال د. إسماعيل سراج الدين تذكرنا بقول للكاتب فيكتور هوجو من انه لا يوجد جيش فى العالم يستطيع أن يحارب فكرة حان وقتها.
رؤية مصرية:
نظامى هو شاعر الفضيلة، كما ترى د. شيرين عبد النعيم رئيس قسم اللغات الشرقية بجامعة عين شمس، فكثير من كتب التاريخ ترى أن ذا القرنين الذي ورد ذكره في القرآن الكريم هو الاسكندر المقدوني استنادا إلى بلوغه مشرق الأرض ومغربها، الا اننا إذا تناولنا فتوحات الاسكندر، يتبين لنا أنه من الثابت تاريخيا أنه لم يكن عادلا مع الشعوب التي قاومته. كما أن فتوحاته ليست هى مشارق الأرض ومغاربها، ولم يذكر تاريخيا أنه بنى سدا أثناء غزواته .
ومع هذا تعد منظومته «اسكندرنامة» أعظم وأضخم عمل أدبي مستقل في الأدب الفارسى صدر في مجلدين. أولهما «شرفنامة» كتاب الشرف الذى يتحدث عن الاسكندر كملك فاتح ونظمه في 6800 بيت شعرى.أما ثانيهما «اقبالنامة» كتاب الحظ والسعادة، فقد قسمه الشاعر إلى قسمين، الأول تحدث فيه عن الاسكندر كحكيم، والآخر يتحدث فيه عن الإسكندر كمصلح ونظمه في 3680 بيتا.
فقد كان نظامي حريصا منذ البداية على تصويره كملك فاتح عادل، ولهذا يعلل سبب ذهاب الإسكندر لمصر لشكوى المصريين أنفسهم من ظلم الزنوج المغيرين من الجنوب ، لهذا أحسن معاملتهم وبنى أول مدينة على ساحل البحر.
وفي الجزء الثاني «اقبالنامة» يعود الإسكندر إلى بلاده، ويختار سبعة حكماء وهم: «أرسطو» وزير مملكته، و«بليناس» الشاب، و«سقراط» الشيخ، وأفلاطون، وواليس، وفرفوريوس، و أخيرا هرمس المشهور برجاحة عقله ليعقد اجتماعا يناقش فيه أصل العالم.
وتختتم المنظومة بوصول الاسكندر إلى مدينة تشبه الجنة ليست لها أبواب، يسكنها قوم تسود الأمانة بينهم، فيسألهم عن دينهم فيقولوا:
نحن جماعة من الضعفاء نعتنق دين الله.
ولا نحيد شعرة من رأسنا عن الحق.
ويرى د. عبد العزيز بقوش أستاذ الأدب الفارسى ومترجم أعمال نظامى أن إرساء القيم هو الأساس فى الخمسة الشهيرة التى أبدعها نظامى فى زمن يقارب الخمس والأربعين عاما، لتجمع فى مجلد واحد بعد موته، بالاضافة إلى ديوان شعر تبقى منه ألفا بيت تقريبا.
ويضم «مخرن الاسرار» أول الخمسة-عشرين مقالة تشمل قصصا ونصائح ومواعظ، وإذا انتقلنا إلى «ليلى والمجنون» نجد اختلافا بينها وبين الأصل العربى، حيث يبدو عشق قيس لليلى عشقا صوفيا، فهو عشق للعشق.
وفى الجزء الثانى من «اسكندرنامة» نجد الاسكندر يطوف المعمورة لنشر دعوة السلام والحب. وفى « هفت بيكر» يربط نظامى بين حروب بهرام كور وبين حياته العائلية، ويظهر تفوق عاطفة نظامى الدينية فى «خسرو وشيرين» على عاطفته القومية. فهو ليس كالفردوسى الذى يحظى بحب الإيرانيين لتمجيده تاريخهم، فنظامى المتدين يرى الشعر وسيلة لنشر الفضيلة فى المجتمع.
فالعشق كما تقول د. رملة غانم يكون من خلال موقف اخلاقى لا يخالف السلوك الحميد.
وتعتقد د. الشيماء الدمرداش الباحثة بمكتبة الاسكندرية أنه فى ظل العنف و التطرف الذى يسود العالم الإسلامى تظل حاجتنا لأفكار نظامى حول السلام ، وحقوق المرأة، وكرامة الانسان. فالمعروف أن والدة نظامى كردية سنية، وأن أباه نازح من قم الايرانية، ومع ذلك لم يتحدث عن المذاهب، بل عن القيم الانسانية، فبحث عن الحق والعدل والفضيلة.فالطريق إلى الإنسانية يكون دائما عبر الحكمة والزهد.
وهكذا يبقى تعليق أخير على احتفالية نظامى ... لماذا نهمل شعراء بحجم نظامى وننسى أن حضارتنا فى الأساس شرقية، وأن منطقة آسيا الوسطى يمكن أن تمثل مستقبلا لمصر..والسؤال وبشكل أخر متى نتحرك فى اتجاه بلاد تعرفنا جيدا، ولكننا ورغم ارتباطنا الحضارى بها لا نعرف عنها شيئا؟ مجرد سؤال؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.