لا يمكننا النظر إلي أذربيجان... علي أنها مجرد دولة ساكنة نائمة يتحدد مكانها جغرافيا في آسيا الوسطي بين روسيا وإيران وتركيا وأرمينيا, ويتحدد موقعها ثقافيا بتأثرها بحضارات وسياسات الترك والإيرانيين والعرب والروس, فقد دخلها الاسلام مبكرا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وتغيرت بها الحياة حتي حصلت علي استقلالها السياسي عام1991 بعد أن بسط الاتحاد السوفيتي نفوذه عليها في العشرينات من القرن الماضي. واليوم وعقب خطة لا تتجاوز السبع سنوات استطاعت أن تحقق قفزات واسعة إلي الأمام لتنافس عاصمتها باكو التي تعني مدينة الرياح أوروبا نفسها ليس فقط بمبانيها العملاقة التي حلت محل المباني الريفية النمطية ولكن أيضا بهذه الرغبة في التقدم وفقا لخطة إقتصادية واعدة. فأذربيجان التي عرفتها منذ سنوات كانت لاتزال تبحث لنفسها عن طريق ولكنها اليوم تصنع أحداثا وتجتذب أكثر من مائة شخصية سياسية وثقافية مهمة برعاية مركز نظامي الكنجوي ومكتبة الاسكندرية- التي ساعدت في تنظيم الاحتفالية و أثبتت وجودا مصريا كبيرا- و نادي مدريد الفكري السياسي ليحتفل العالم معها بمرور870 عاما علي ذكري شاعرهم الكبير نظامي الكنجوي الذي عاش ما بين عامي530 إلي619 هجريا. فهذا الشاعر ابن مدينة كنجة قدم إلي تراث الانسانية خمس منظومات مهمة كتبها بالفارسية تحت عنوان' بنج كنج' أو الكنوز الخمسة وهي: كنز الأسرار و خسرو وشيرين وليلي والمجنون وهفت بيكر واسكندرنامة. وهذه المنظومات كانت في حقيقتها قصائد لشاعر شديد الالتصاق بالبشر ولهذا وجدت فيه أذربيجان منطق الحكيم وكانت إحتفاليته التي شهدتها مدينة كنجة إفتتاحية لحدث سياسي ثقافي أخر وهو أول منتدي لمنطقة جنوب القوقاز. والحقيقة أنه من قدر له أن يشهد هذه الأحداث التي شهدت اسبوعا كاملا قبل منتصف مايو لن يستطيع أن يفرق يين وجود أهل كنجة منذ الصباح الباكر عند قبر الشاعر الراحل الكبير واصطفاف الأطفال بملابسهم الوطنية وهم يرددون أشعاره وبين فعاليات المنتدي الاول لجنوب القوقاز. فالكل يدور في فلك الشاعر نظامي. وأذربيجان كما تخلط الماضي بالحاضر تفتح قضايا متعددة للمناقشة مثل عمالة المرأة والمجتمعات المشتركة التي تضم العديد من الأجناس والعرقيات وكذلك خلطة الثقافة بالسياسة المرشحة لكي تكون الورقة الرابحة في السنوات القادمة. فلم تعد السياسة مجرد أحاديث في غرف مغلقة, فقد جاءت الثقافة لتثبت أنها التوءم اللصيق الذي لا يمكن فصله عن السياسة والتي يمكن أن تقف عقبة أمام أي قرار سياسي لا يراعيها. فقبل أن تضع سياسة لابد وأن تتعرف علي طبيعة وثقافة هذا الشعب. وهذه حكمة أذرية أخري تشبه كثيرا حكمة شاعرنا نظامي وهي تتحقق كما قال إلهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان نتيجة لفهم المجتمع. فلابد من وجود نية للإصلاح ووضع لبنات الحداثة التي تراعي الاستقرار الإجتماعي. فأذربيجان قد نجحت بالفعل في إجتياز المرحلة الانتقالية في مجال الاصلاح الاقتصادي عندما عرفت الدولة كيف تستفيد من التنوع الثقافي. ولهذا وكما قال لي إلمار علييف عمدة كنجة لا يمكن الفصل بين ثقافة الأذريين التي يمثلها نظامي المنفتح علي كل الثقافات وبين بطل أخر تعرفه السياسة وهو حيدر علييف. فنحن نحتفل مع العالم كله بذكري نظامي ونحتفل أيضا في أذربيجان بمرور90 عاما علي ذكري حيدر علييف الذي وضع هذا المزج بين الثقافة والسياسة ونظر إلي كنجة نظرة خاصة وأعتبرها من اهم مركز اشعاع لأذربيجان كلها. أما الملكة نور ملكة الاردن فقد ركزت في افتتاحية المنتدي علي المرأة تلك المخلوقة المكلفة بتربية أجيال لا يمكن حل قضاياهم بالحروب و التي أولاها الشاعر نظامي أهمية فجعل القوة والعقل أهم ما يميز الجميلات. وحددت فاريا فيك فييرجا الرئيس السابق للاتفيا هذا الإرتباط الوثيق بين القرار السياسي والثقافة مؤكدة إعتقادها بأن التغيير في المجتمعات ضرورة حتمية وستتحقق مهما كانت المحبطات الإجتماعية. وهو الرأي الذي أتفق معه كيم كوك رئيس وزراء هولندا الأسبق الذي اشار إلي ضرورة إعتماد التسامح والالتزام بحقوق الانسان في المجتمعات. والواقع أن من يحضر منتدي القوقاز سوف يفاجأ بكل المناقشات الفكرية التي تشبه مناقشات دافوس وكانت أهمها الجلسة التي ضمت رؤساء بلغاريا وأورجواي و لاتفيا و ليتوانيا السابقين وأدراها د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية عن الاسلام والغرب والتي خلصت إلي ضرورة البحث عن لغة مشتركة بين البشر و نبذ الأفكار المسبقة وإيجاد موقع الكتروني لتوضيح صورة الاسلام ونظرته للمرأة...فليتنا نتعلم من الأذريين ونبحث لنا عن مكان وفقا لرؤيتنا المصرية.