هناك حكاية طريفة عن عجوز فقيرة كانت تتسول الناس في قريتها فاجتمع لديها بعد عدة سنوات مبلغ من المال وأرادت استثماره فنصحها أهل القرية أن تأخذ بنصيحة رجل يدعي «أبوالفوايد» فقال لها إن أفضل شيء أن تقومي بهدم سور المنزل وإعادة بنائه من جديد، فقالت العجوز في دهشة: كأنك يا أبوزيد ما غزيت! إن شخصية أبوالعريف أو أبوالفوايد أو أبو الحلول مشهورة في بلادنا، وهذا الصنف من الناس يحشرون أنوفهم فيما لا يخصهم وفيما ليس من تخصصهم، فعندهم دائما الخبر اليقين والرأي الثاقب، والسكوت لهم أفضل من إبداء رأي يضر ولا ينفع، إنه لا يري ولا يسمع ولكنه كثيرا يتكلم ولا يقول أبدا لا أعلم، ويدعي المعرفة في كل شيء ولا يترك واردة ولا شاردة إلا وقد حلق فوق سمائها، فهو العالم العلامة والفاهم الفهامة، يتصدر المجالس ويناقش كل جالس، ويتكلم في هندسة الراديو والتليفزيون ويصلح الغسالة والتليفون ونراه في الصباح واعظاً وفي المساء مهندساًَ وبين أصدقائه سياسياً ماهرا وخبيراً اقتصادياً ومفكراً بارزاًَ، ويتكلم في الدين بغير علم ولا يقين. إن مدعي الثقافة وسعة الاطلاع يلحقون الضرر بالمجتمع ناسين قول أبي نواس: فقل لمن يدعي في العلم فلسفة حفظت شيئاً وغابت أشياء، فالمجتمع المتقدم مثل الجسم الصحيح، كل عضو فيه يؤدي وظيفة محددة ولا يتدخل في عمل العضو الآخر، وتطلق كلمة «خنفشار» علي من يدعي الفهم والعلم ولا يملك منهما شيئاً، والكلمة ذكرها المقري في كتاب «نفح الطيب» عن رجل من العرب كان يظهر التعالم ويفتي كل سائل وينسب إلي أهل العلم ما لم يقولوه فأراد البعض فضح أمره فقاموا بنحت كلمة ليس لها أصل مركبة من أول حرف من اسم كل واحد منهم وكانت الكلمة «خنفشار» فسألوه عنها فقال علي الفور: الخنفشار نبت طيب الرائحة ينبت بأطراف اليمن إذا أكلته الإبل عقد لبنها، وفضح أمره، ومنذ ذلك الوقت وصار كل متعالم جاهل يسمي «خنفشار» ويقول سقراط: إن الجهل أبوالشرور، وما أحسن قول الإمام علي: فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه فكم من جاهل أردي حليما حين آخاه. محمد مدحت لطفي أرناءوط موجه عام سابق بالتعليم الشرقية