بمجرد كشف وزير المالية الدكتور ممتاز السعيد عن تلقي حكومته المصونة من سحب ثقة البرلمان عروضا من رواد طرة من الوزراء ورجال الأعمال وذكر احمد عز"ملك الحديد" وأمين الحزب المنحل "ملك التزوير" والمغربي "بائع الأراضي " وحسين سالم "بائع ثروات مصر" الهارب، ولم يذكر الباقي طبعا جمال وعلاء مبارك "أولاد المخلوع" ، إلا وانطلقت فلول الفضائيات والصحف وأبواقهم للترويج وطرح التساؤلات الاقتصادية والقانونية للتصالح ، وكأنها كشفا جديدا وحلا سحريا لعودة الأموال لخزينة الدولة الخالية فالمصلحة الاقتصادية للبلاد أهم ، فعبر بعضهم بأنه يكفي مدة الحبس الاحتياطي وما تعرضوا له من مشكلات نفسية "يا حرام " وأخر التصالح في الاعتداء علي المال العام له مرود إيجابي علي الاستثمار ويعيد ما يقرب من 20 مليار جنيه ويسهم في سد عجز الموازنة الذي بغير ذلك سيزيد بسبب قلة الإيرادات وزيادة المصروفات ، ونبرأ فقيه دستوري أن العفو لا يحتاج تشريعا جديدا ودائرة التصالح تتسع لتشمل الجرائم الاقتصادية "المالية" مستشهدا بقضية نواب القروض ، وفقيه قانوني ندا بالتريث لإعداد تشريعا جديدا من مجلس الشعب"الأخوة" الذي جاء بإرادة شعبية ينص فيه إنه من حق الدولة العفو عن رموزه الفاسدة في مقابل رد الأموال وأن يكشفوا معلومات تمكن من استعادة الأموال من الخارج " الحداية بترمي كتاكيت". وعجب العجاب أن يصل الأمر إلي فتوى فضيلة مفتي مصر الدكتور علي جمعه أولا بتفريقه بين كلمة "سرق" في الفقه الإسلامي وبين تداولها بين الناس ومعناها" اختلاس أو اغتصاب أو نهب "ورغم حرمتهم أيضا إلا أنها ليست السرقة التي وضع الله لها حدا حين قال "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" ، فإنه يجوز أن نتفاوض معهم حتى نردّ إلى خزينة الدولة ما نَهَبوه أو أخذوه أو استولوا عليه أو تحايلوا حتى وصل إلى أموال الشعب أو إلى المال العام، هذا هو الحكم وفقاً لأحكام الشرع الشريف ، ومستشهدا أيضا بقيام بعض الدول بالتفاوض والتصالح مع المفسدين الذين تحايلوا على القوانين أو استغلوا ثغرات نظام حكم فاسد بعد الثورة التي قام بها شعب جنوب إفريقيا بزعامة نلسون مانديلا حيث فَعَلت ذلك لأنها فضلت المصالحة مع المصارحة ، يا "حلاوة" علي التلاعب بالألفاظ وإنه يعلم قول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه "إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن لماذا العجب والسيناريو بدأ من المرسوم العسكري رقم 4 لسنة 2012 الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى يناير الماضي و يسمح بالتصالح فيما يخص الفساد المالي و يمنح الحكومة سلطة للتصالح مع أي مستثمر فى جرائم الاعتداء على المال العام حتى لو كان خاضعا للمحاكمة الجنائية أو صدرت ضده أحكام قضائية ابتدائية ، ولم ينتبه أحدا حينئذ لماذا هذا المرسوم؟! وأن خمن البعض بأنه تيسيرات للمستثمرين المتعثرين وليسوا حرامية ثروات البلد وأقوات مواطنيها ، واليوم تعيد الكره الحكومة لا وألف لا فمصر لا تشتري بمال ويجب المحافظة علي هيبة قانون الدولة من خلال عمل جميع أجهزتها لاسترجاع هذه الأموال المنهوبة والمهربة من خلال القانون الذي يسري علي الجميع بدون أستنثاء ولا يجب التفاوض علي دماء الشهداء ولا تصالح في الدم دون القصاص العادل وحذار من الفوران الشعبي ممن عانوا ظلم هذه الزمرة الفاسدة وزعيمها المخلوع فهذا يعطي الحق من امتلك الملايين والمليارات "سرقة" أن يفعل ما يشاء في الشعب وعند اعتقاله فإنه يتنازل عن بعض الأموال في سبيل الإفراج عنه ، أن فكرة هذه العروض المشبوهة مرفوضة تماما لتطبيق مبدأ العدالة بين الجميع ولا أحد يمتلك التدخل في السماح بذلك لا الحكومة ولا المجلس العسكري ولا البرلمان وخاصة في ذلك التوقيت والمحاولات المستميتة لتصفية ما تبقي من الثورة ، فبدلا من العروض المهينة كان علي القضاء الحكم بمصادرة أموالهم وممتلكتهم علي الأقل بداية بالداخل واتخاذ إجراءات حقيقية لتعقب ما بالخارج ، وتقديم كل المتسببين في قتل وإصابة زهرة شباب المصريين إلي محاكمات عادلة جدية ناجزة لأن من تلوثت أيديهم بدماء المصريين لابد أن ينالوا أقصي عقوبة ، فان هناك عدة دلالات قوية وعميقة لوجود رموز الحكم السابق في السجون أهمها تطبيق مبدأ سيادة القانون , وأن لا أحد فوق القانون أيا ما كان منصبه, وهو ما يرسخ دولة القانون التي نعمل الآن في مصر الثورة على تأكيدها بكل قوة, وثانيا رسالة إلى المستقبل أن أي حاكم لن يكون بحصانة عن القانون وسيحاسب على أي فساد يستفيد منه أيا ما كانت الفترة التي قضاها في الحكم, أما الثالثة فهي ضخامة حجم النهب المنظم لموارد وقدرات مصر, والذي يؤكد في النهاية على أن القضاء على الفساد ورموزه كفيل بنقل مصر إلى المكانة التي تستحقها بين دول العالم, سواء اقتصاديا أو سياسيا ، فإن لم تقم دولة العدل وسيادة القانون لن تكون هناك دولة حرة مستقلة " فمن يساوم اليوم فبما يساومون الله في الآخرة" !!! المزيد من مقالات محمد مصطفى