بين صهيل السيوف وتحت رماد المواجهات المحتدمة فى اليمن والتى تغطى 13 محافظة يمنية على الأقل ، تبرز التساؤلات عن فرص تحقيق السلام وإمكانيات إستعادة التسوية السياسية بمسارات متوازنة مع وقف القتال أو بعده ، فى الوقت الذى ترشحت فيه مشاريع مبادرات محلية من أحزاب يمنية مثل الحزب الإشتراكى والتنظيم الوحدوى الناصرى وحتى الرئيس السابق على صالح ومبادرات دولية وإقليمية من إيران والجزائر وتركيا وتحاول جميعها التوصل إلى حل يضمن مصالح كل الأطراف ويحقن دماء اليمنيين . وجاء الأسبوع الرابع لعاصفة الحزم ضد الحوثيين وأنصار على صالح والتى حققت نتائج مهمة على الصعيد العسكرى ، متزامنا مع انتصارات دبلوماسية خليجية مهمة فى مجلس الأمن تمثلت فى إستصدار قرار أممى يفرض على الحوثيين وصالح عقوبات جديدة وقيودا إضافية على توريد السلاح، كما جعلهم فى مواجهة صريحة مع المجتمع الدولى الذى أظهر توحدا فريدا فى رؤيته للتعاطى مع الأزمة اليمنية حتى أن روسيا التى راهنوا عليها إتخذت موقف الصمت لتمرير القرار بغية ترك الأبواب مشرعة لحل سياسى . إنقاذ صالح والحوثيين وينظر مراقبون فى اليمن بكثير من الريبة والشكوك تجاه بعض المبادرات الدولية وخاصة من جانب إيران الحليف القوى والتقليدى للحوثيين حيث يرون فيها وسيلة لوقف الضربات الجوية ومنح الحوثيين وصالح فرصا إضافية لإلتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب صفوفهم وتجميع قوتهم المبعثرة فى أنحاء مختلفة ، وترى العواصم الخليجية أن الحوثى لن يقبل بالتسوية أو بقرارات مجلس الأمن التى تعنى إستسلامه أو إنسحابه من المدن اليمنية أو تسليم أسلحته إلا بعد سلسلة متواصلة من الضربات المحكمة لشل قدرته على التحرك ومنعه من وضع شروط للتفاوض . وتركز بعض المبادرات الدولية الأخرى على البعد الإنسانى والإجتماعى الذى يزداد تفاقما فى اليمن جراء القصف والمواجهات المسلحة وتردى الخدمات الأساسية ، وتطالب بعض الأطراف بهدنة إنسانية لإدخال الأدوية والغذاء والوقود ، وسط تقارير متعددة تشير إلى سقوط مئات المدنيين ضحايا للقتال والقصف الجوى ، وهو أمر يستفيد منه الحوثيون فى توسيع قاعدتهم الشعبية وكسب التعاطف القبلى معهم وتكريس المظلومية تجاه ما يشيعونه عدوانا خارجيا. الوضع الميدانى تحدد قراءات المشهد على الأرض طبيعة التحرك السياسى المنتظر وتوقيته، فاليمن تشهد حاليا مواجهات واسعة بين طرفين متشعبين فى تركيبتهما، الأول جماعة الحوثيين بلجانهم الشعبية وقوتهم التقليدية ومعهم أغلب وحدات الجيش والأمن اليمنى التى سيطروا عليها بعد دخولهم صنعاء أو التى قدمها هدية لهم الرئيس السابق على صالح ونجله أحمد القائد العسكرى السابق للحرس الجمهورى والقوات الخاصة، فضلا عن بعض القبائل الزيدية المتحالفة معهم . وفى الطرف الآخر هناك بقايا الألوية والكتائب الموالية للرئيس الشرعى عبدربه منصور هادى وهى قليلة ومعها لجان شعبية من أبناء الجنوب الذين هبوا للدفاع عن أرضهم وقبائل موالية لحزب الإصلاح " الإخوان المسلمون " وبعضها موالية لقيادات قبلية وعسكرية شردها الحوثى وإنتقم منها مثل أسرة عبد الله الأحمر واللواء على محسن القائد العسكرى فى الحرب ضد الحوثيين والذى فر إلى السعودية قبل شهور . وبخلاف هاتين القوتين توجد عناصر القاعدة فى اليمن بمسميات متعددة مثل أنصار الشريعة وقاعدة الجهاز فى اليمن والحجاز وهى تعادى الطرفين معا وقد نجحت فى إستثمار الوضع بالسيطرة على منشآت جنوبية مهمة فى محافظاتحضرموت وشبوة ومنها القصر الجمهورى ومطار المكلا. مؤشرات المعارك ويؤكد محللون عسكريون أن مؤشرات سير المعارك تتجه لصالح التحالف العربى بقيادة السعودية والقوات الموالية للرئيس اليمنى على الرغم من توسع الحوثيين وأنصار صالح فى مناطق عدة خاصة الجنوب ، فقد شلت الغارات القدرات الجوية للجيش اليمنى ومنعت الحوثيين من إستهداف السعودية أو الجنوب اليمنى بصواريخ سكود أو الصواريخ البالستية بعيدة المدى ، كما حرم تحالف الحوثى وصالح من إمدادات البحر والجو من قبل إيران بعد إحكام الحصار على السواحل اليمنية ، وقدم الحوثيون بتهورهم وتعطشهم لقطف ثمار النصر بسرعة بإجتياح الجنوب خدمة كبيرة لقوات التحالف حيث خلقوا عداوات إضافية لهم من أبناء الجنوب وأصبحت قواتهم هدفا سائغا فى أكثر من منطقة ، لهذا فشلوا فى أن يحققوا إنتصارات ناجزة فى أى محافظة رغم الإقرار بوجودهم النسبى فى عدن وكثير من المحافظات . ومع كل ذلك يعترف اليمنيون بأن عاصفة الحزم تواجه تحديات جمة فى الوصول إلى أهدافها بالقضاء كلية على قوة الحوثيين وصالح نظرا لطبيعة الجغرافيا اليمنية وإنتشار السلاح وتضارب الولاءات ، وقد يكون ذلك السبب الرئيسى فى تأجيل التدخل البرى والتركيز على الداخل اليمنى فى حسم المواجهات العسكرية ، وهو بالفعل ما يجرى حاليا من تغيير قيادات الجيش الموالى للشرعية وإعادة تشكيل وترتيب مواضع هذه القوات ودعم الإسناد الجوى للمقاومة فى الجنوب بالأسلحة والعتاد والأموال ، والأهم تنظيم القوات القبلية المتحالفة مع السعودية والتى لديها خصومات مع الحوثيين أو الرئيس السابق ، وبحيث يتم تطهير بعض المحافظات الجنوبية لإعادة الرئيس عبدربه منصور إلى البلاد وتحصين محافظات الوسط من إختراقات الحوثيين مثل مأرب والجوف وتعز ، فى الوقت الذى تراهن العمليات المستمرة على تشديد الخناق على الحوثيين بمنع الإمدادات والأسلحة عنهم والإسهام فى نشر حالة من السخط الشعبى والتبرم ضدهم نتيجة قطع الخدمات وسوء الأحوال المعيشية . بالطبع لن يسكت الحوثيون وحلفاؤهم وقد بدأوا بالفعل محاولات يائسة لنقل بعض قواتهم وآلياتهم من صنعاء إلى صعدة فى ترتيبات متوقعة للدخول إلى الحدود السعودية وإنجاز أى إختراقات قد ترفع الروح المعنوية لأتباعهم بعض الشيء وهو ما تنبهت له القوات السعودية من وقت مبكر بعمل سياجات أسمنتية على الحدود ونشر أجهزة حديثة لكشف التسلل. بحاح فرس الرهان ومع إستمرار العمليات العسكرية التى بدأت ولا يعرف منتهاها ، ترى نخب سياسية يمنية أن نائب الرئيس اليمنى ورئيس الوزراء خالد محفوظ بحاح سيلعب دورا مهما فى الفترة القادمة فى إدارة دفة التفاوض السياسى وسيكون فرس الرهان فى قيادة المرحلة الإنتقالية نظرا للظروف الصحية للرئيس عبدربه هادى وتشدد كثير من الأطراف اليمنية على وجوده مستقبلا كورقة باتت محروقة ، ولهذا حرص بحاح على أن يستخدم لغة أهدأ نسبيا فى التعاطى مع الحوثيين حيث طالبهم بوقف القتال فى الجنوب قبل الحديث عن أى مبادرات . أما الرأى العام اليمنى بمختلف إتجاهاته فيعول كثيرا على دور مصرى فعال لإيجاد مخرج للأزمة الخانقة ، ويرون أن الرئيس عبد الفتاح السيسى الزعيم العربى الوحيد المؤهل لمساعدة اليمنيين على إستعادة مسار التفاوض السلمى والحل السياسى بما يملكه من مصداقية وقدرات قيادية وعلاقات وطيدة مع قيادات التحالف العربى وهو الذى كرر مرارا حرص مصر على حل سياسى فى اليمن لحماية مقدرات الشعب اليمنى .