مايسفك من دماء في اليمن باسم الشرعية ليس هو الأول من نوعه فقد دامت الحرب الأولى لإعادة شرعية الإمام البدر ثمانى سنوات بين مصر واليمن وبين السعودية. وكان لكل طرف حلفاء إقليميون ودوليون. كانت تلك الحرب سياسية بامتياز على عكس الحرب الثانية التي يختلط فيها الطائفي بالسياسي وبالتنافس على الدور في المنطقة العربية بين طرف عربي وآخر ليس من البيت. تدور رحى حرب اليمن الثانية بين قطبين إقليميين هما السعودية وإيران يجمعهما الإسلام وتباعد بينهما المذهبية والاستراتيجيات المتنافرة . ومعلوم أن الدول تخوض الحروب لتحقيق مصالحها الوطنية وليس مصلحة الشعب التي تخاض الحرب في أرضه أوباسمه. أما اليمنيون ضحية صراع الدولتين فلم يفوضوا احدا لخوض حرب نيابة عنهم . هاتان الدولتان وقفتا في جبهة موحدة ضد إرادة الشعب اليمني في التغيير في ستينيات القرن الماضي ووقتها وحدتهما المصالح ولم يفرق بينهما المذهب. هذه الحرب تحصيل حاصل لفشل نظام صالح العائلي في بناء دولة وطنية متماسكة وعجز خلفه الرئيس هادي عن إدارة المرحلة الانتقالية باقتدار ولملمة مكوناتها المبعثرة واستلهام طموحات شبابها الذين اسقطوا صالح . حرب اليمن الثانية لايمكن فصلها عن احتلال العراق عام 2003 والتمدد الإيراني فيه وتحقيق إيران مكاسب مجانية وخسران العرب بعدالاحتلال قوة محورية نشطة. السعودية اكتفت بالانسحاب التام من العراق حد غلق سفارتها هناك واكتفت بنشاط المؤسسة الدينية .الرياض أرادت عدم تكرار تقصيرها في العراق بعد التطورات التي حدثت في اليمن بعد فرض أنصار الله ( الحوثيون) أنفسهم كقوة مهيمنة بعد استيلائهم على صنعاء في 21 سبتمبر2014 بمساعدة المؤتمر الشعبي وقوات صالح التي لم تمحض الرئيس هادي الولاء يوما ما. بدأت السعودية بالتحذير من التمدد الإيراني وشيطنة الحوثيين "وكلاء إيران" الذين يهددون الخليج ومصالح مصر الحيوية في باب المندب. الحوثيون ارتكبوا أخطاء قاتلة بعد سيطرتهم على صنعاء بمساعدة قوات الرئيس السابق الذي لم يسع الرئيس هادي للتواصل معها وتفكيك روابطها مع قائدها السابق. اتسم عهد الرئيس هادي منذ وقت مبكر بالضعف ولم ينفذ ماوعد به ناخبيه " معا لبناء يمن جديد" وكان يستجيب لرغبات الطرف الأقوى كالشقيقين والشيخين الحاشديين والإصلاحيين صادق وحميد عبد الله الأحمروتابعهما حزب الإصلاح ( إخوان اليمن) وحليفهما اللواء علي محسن الأحمر الذي اشترط الإصلاح على هادي تعيينه نائبا له لكي يؤيد إعادة ترشيحه ثم الحوثيين الذين لم يرفض لهم سوى طلب واحد هو تعيين نائب رئيس منهم وهم في هذا لم يخرجوا عما أراده حزب الإصلاح. عاصفة الحزم:بهذه العاصفة تخوض السعودية ثاني حرب في تاريخها ضد اليمن، وهي حرب غير مبررة لأن واجب الجوار والأخوة كان يقتضي أن تضع السعودية يدها في أيدي اليمنيين للخروج من مآزقهم الذي وضعهم فيه صالح وأنصار الله وشركاء الحوار وهادي. مبعوث الأممالمتحدة جمال بنعمر لم يعلن فشل الحوار حتى تشن السعودية هذه الحرب التي لاتهدف إلى إعادة رئيس شرعي بل إلى تشكيل مستقبل اليمنيين بمالايتوافق مع إرادتهم في بناء دولة ديمقراطية تعددية ومدنية حديثة عبروا عنها في ثورتهم عام 2011. وكغيرها من الحروب يصعب وصف غاراتها النهارية والليلية بالحرب النظيفة لأن العواصف ومنها الطبيعية لاتحمل خيرا. العاصفة فشلت في كبح اندفاعات الحليفين صالح والحوثيين إلى عدن التي لم تبرأ من حرب صالح الوحشية عام 1994 وجند فيها صالح خلايا نائمة وخزن أسلحة وعربات عسكرية في مناطق سكنية ونفق بني خصيصا لقهر إرادة أهلها من جديد. إن من غير المقبول مشاركة الحوثيين لصالح في اجتياح الجنوب وتدمير عدن باسم محاربة داعش والقاعدة وتحويلها إلى مدينة أشباح وهم الذين عانوا على يديه الكثير. لقد حول الحوثيون وصالح كل اليمنيين إلى قاعدة ودواعش . وهنا ليس مفهوما تواني عاصفة الحزم عن توجيه عواصفها نحو القاعدة بعد استيلائها على مدينة المكلا عاصمة حضرموت واتخاذ أحد قياداتها قصر الرئيس الشرعي ، القصر الجمهوري، سكنا له يبث منه صوره وهو في غرفة نومه..إن حرب اليمن الثانية هي حرب مصالح ،من أجل السلطة للحليفين الداخليين ولاحتكار قيادة المنطقة العربية ومصادرة دور مصر من قبل الطرف الخارجي وإلا مامعنى عدم انعقاد اجتماع رؤساء هيئة أركان دول التحالف في الجامعة العربية التي استضافت كل الاجتماعات العسكرية العربية. أما عن النفوذ الإيراني في اليمن الذي تم إقناع كثيرين به فهو ضعيف في اليمن وإن وجد فهو ليس على النحو الذي يوصف به . النفوذ الإيراني غير مرحب به من حوالي 90% من اليمنيين على الأقل شوافع وزيودا والأخيران ليسوا شيعة و مع هذا يكفرهم السلفيون. وإذا كانت حرب الستينيات قد خيضت ضد الفراعنة المصريين والجمهوريين اليمنيين الكفرة فإن الحالية تخاض ضد الشيعة الروافض والمد الصفوي كما عبر عنه في خطبة جمعة 03 04 15 الشيخ صالح آل طالب إمام الحرم المكي بقوله " إن التصدي للمد الطائفي الصفوي في اليمن واجب على القادرين فهو عدو للدين وعدو لأهل بلده وشعبه كما هو عدو لجيرانه". هذا التمدد الصفوي سبقه بعقود تمدد سلفي في اليمن وفي نفس المحافظة ( صعدة) من قبل مقبل الوادعي ثم في مناطق يمنية أخرى من قبل أحمد المعلم وكلاهما شاركا مع جهيمان العتيبي في الهجوم على الحرم المكي الشريف عام 1979 والأخير سجن لعدة سنوات في السعودية وعلى يديهما وغيرهما تم التمدد السلفي والتكفيري في اليمن .إن ماعاناه اليمن من السلفيين قد تعانيه مصر وغيرها عما قريب. إن مايجري في اليمن من دمار له أهداف غير معلنه هي: 1- تشكيل مستقبل اليمنيين ليس وفق إرادتهم المستقلة ومخرجات الحوار الوطني.2- الانفراد بقيادة الأمة العربية والهيمنة على قراراها . 3- الانتقال من الهيمنة المالية إلى الهيمنة السياسية وبالتدريج المذهبية وقد أفصح عن ذلك بعض كتاب التحالف. لقد أدى زواج المصالح في اليمن منذ عام 1970 بين قوى خارجية وداخلية إلى منع بناء دولة يمنية لكل مواطنيها وقصدا وجهت الدولة بوصلتها لخدمة مصالح مناطقية خاصة مما أدى إلى الفشل الذي يجني ثماره المرة اليوم الجميع. اعتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في 1977 يذكرنا بهذه الحقيقة وبأن اليمنيين لايريدون سوى أن تكون دولتهم مستقلة ولايتدخل أحد في شئونها.أما الرئيس هادي الذي علق عليه اليمنيون آمالهم فقد أهدر آخر فرصهم في الانتقال إلى نظام سياسي تشاركي وترك لصالح الحبل على الغارب وقد تكون نتيجة هذه الحرب بقاءهما خارج المعادلة السياسية بل وخارج اليمن والبدائل لهادي من الجنوبيين وفيرة وأولها رئيس الوزراء خالد بحاح . أما عن الحرب البرية فكلفتها عالية إنسانيا وماديا لكل الأطراف وهي غير مبررة أخلاقيا وقانونيا واليمنيون يتمنون ألا تتم وألاتتورط مصر فيها لأنهم يشعرون بتماهي مصالح مصر مع مصالحهم ويرحبون بتواجد عسكري مؤقت لمصر في باب المندب للحيلولة دون سقوطه تحت نفوذ غير عربي. لقد عانى اليمنيون لثمان سنوات من دمار حرب إعادة الشرعية الأولى ولم يعوضوا عن أضرارها وسيتكرر هذا الأمر الأن لأنهم الطرف الضعيف . ويخشى اليمنيون من معاناة تطول في الحرب الثانية لإعادة الشرعية الهادوية الجمهورية كما عانوا في حرب إعادة الشرعية الهادوية الأولى ( نسبة إلى الإمام الهادي بن الحسين مؤسس النظام الإمامي في اليمن قبل 1150 عاما). لمزيد من مقالات على محسن حميد