«اتفاق لوزان» مع ايران اقام الدنيا ولم يقعدها بعد، بكل ما يعنيه ذلك من تبعات، ثمة من يقول إنه سوف يغير وجه المنطقة. وعلى الرغم من ان الاتفاق وما يتضمنه من رفع للعقوبات المفروضة ضد ايران، يعنى الكثير من الخسائر الاقتصادية لروسيا، فان موسكو تظل ترى فيه ايضا قدرا كبيرا من المكاسب الجيوسياسية لا بد ان تعنى لاحقا تعويض هذه الخسائر، بل وتحويلها الى مكاسب عسكرية وسياسية واقتصادية على المدى البعيد. فى اول تعليق له على نتائج اتفاق «السداسية الدولية» مع ايران، اعرب سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية عن ارتياح بلاده لما جرى التوصل اليه من قرارات وصفها بانها «جيدة جدا». واضاف لافروف ان الاتفاق «اطار سياسي» يحدد النقاط المحورية الرئيسية لأكثر القضايا حدة مثل موضوع التخصيب، وبرنامج الابحاث الايراني، وقضايا الشفافية، ورقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل رفع العقوبات المفروضة على ايران»، وان سارع الى اضافة ان الخبراء مدعوون الى وضع الصياغات النهائية للاتفاق، قائلا ان «الشيطان يكمن فى التفاصيل»، فى اشارة الى ما يساور روسيا من مخاوف بشأن التوصل الى الصياغة النهائية للاتفاقية التى يجب ان توقعها الاطراف المعنية قبل نهاية يونيو المقبل. وكان سيرجى ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسية الذى أنابه لافروف لاستكمال مباحثات «السداسية» فى لوزان لارتباطه بجولة سياسية في عدد من بلدان اسيا الوسطي، اشار فى تعليقه على نتائج المباحثات الى ضرورة التركيز على الخطوات التالية واولها «عملية صياغة بنود الاتفاق» مؤكدا ان «كتابة الاتفاقية أمر صعب». واضاف انه من الواجب «التوصل الى «اتفاق حول تحديد مكان وزمان اجتماع الخبراء» الذين سيقومون بكتابة الاتفاقية، فضلا عن ان «الامر يحتاج إلى قرار مجلس الأمن لتنفيذ الاتفاقية المرتقبة». واشار المسئول الروسى الى ان مجلس الأمن الدولى مدعو الى اصدار هذا القرار الذى يستحيل بدونه اتخاذ الإجراءات المناسبة. وفى تصريحاته الى وكالة انباء «تاس» اشار الكسى بوشكوف رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الدوما الى ان «الكونجرس الامريكى سوف يعمل على التشكيك فى جدوى توقيع مثل هذا الاتفاق مع ايران، وفى ذلك تحديدا يكمن موقع الخطر» على حد تعبيره. وقال بضرورة توخى الحذر لدى متابعة الموقف الامريكى خاصة ان هناك من الجمهوريين من يهدد بتمزيق هذا الاتفاق، لا لشئ إلا لأن الذى وقع عليه «رئيس ديموقراطي» . وأكد بوشكوف ان ذلك يمكن استيضاحه من خلال مضمون ذلك الخطاب المفتوح الذى بعث به اوباما الى القيادة الايرانية، مشيرا الى «ان الجمهوريين يحاولون تقويض الثقة باوباما، وهو ما يعنى تقويض الثقة فى مجمل السياسات الامريكية». ومضى رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس الدوما ليقول:»ان هناك عددا آخر من الدول ومنها اسرائيل وبلدان اخرى فى الشرق الاوسط، سوف تبذل الجهود من اجل احباط الاتفاق ومحاولة اعادة الاوضاع الى سابق عهدها من التوتر الشديد خلال الاعوام الاخيرة». اما نظيره فى مجلس الاتحاد قسطنطين كوساتشوف فقد اشاد بتوقيع الاتفاق مؤكدا «ان الجميع كسبوا من التوصل اليه وان الآليات الدولية تعمل بنجاح»، وإن اشار الى ان ما تحقق هو خطوة اولى يجب البناء عليها. ومضى كوساتشوف رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس الاتحاد ليؤكد ضرورة الانطلاق من نجاح الآليات الدولية لمناقشة ما يتناثر على الساحة الدولية من مشاكل وقضايا تحتاج الى التعاون وحشد الجهود السياسية من اجل حلها وفى مقدمتها الازمة الاوكرانية. وفى معرض تعليقه على المكاسب التى يمكن ان تعود على روسيا من توقيع مثل هذا الاتفاق قال ايجور كوروتشينكو رئيس تحرير مجلة الدفاع العسكري، ومدير مركز أبحاث تجارة الأسلحة فى موسكو، «أن رفع العقوبات عن إيران خاصة حظر تصدير الأسلحة إلى هذا البلد، يمكن أن يتيح استئناف صفقة بيع منظومات دفاع جوى صاروخية روسية من نوع «إس-300» إلى إيران». ونقلت وكالة انباء «سبوتنيك» عن كوروتشينكو قوله:» ان روسيا اقترحت على إيران، فى وقت سابق، أن تتسلم منظومات «أنتى 2500» بدلاً من «إس-300»، لكن إيران أصرت علي ضرورة تسليم «إس-300» بموجب صفقة عقدت فى عام 2007». واشارت الوكالة الروسية نقلا عن فرانز كلينزيفيتش عضو لجنة الدفاع فى مجلس الدوما الروسي، إلى «الخصائص المتميزة» لمنظومة «إس-300»، التى تعتبر «منظومة فريدة من نوعها، وسلاحاً متطوراً للدفاع الجوى لا يوجد مثيل له فى العالم الآن» حسب وصف كلينزيفيتش. غير ان هناك من الخبراء الاقتصاديين الروس من يقول ان توقيع الاتفاق سيكون مقدمة لرفع العقوبات عن ايران فى مجال صادراتها من النفط، وهو ما لا بد ان تتأثر به روسيا، نظرا لان طرح ايران لكميات اضافية من النفط قد تصل الى مليون او مليون ونصف المليون برميل يوميا سوف يؤدى الى انخفاض اسعاره بما يقرب من خمسة فى المائة، ما سوف ينال من مكاسب روسيا فى هذا المجال. على ان هناك من الرسميين من يعارض هذا الرأى ومنهم دينيس مانتوروف وزير التجارة والصناعة الذى قال ان رفع العقوبات عن ايران سوف يفتح المجال امام الكثير من مجالات التعاون ومنها ما يتعلق بالتعاون فى صناعة الطائرات والسفن والسيارات. ومع ذلك فقد اكدت مصادر دبلوماسية روسية ان موسكو تظل على استعداد للتضحية ببعض مكاسبها الاقتصادية الانية، من اجل تحقيق «مكاسب جيوسياسية» لاحقة سوف تعود عليها بالكثير من النفع بما فى ذلك فى المجالات الاقتصادية والعلمية التقنية وربما العسكرية ليس فقط فى منطقة الشرق الاوسط. ومن اللافت ان المسئولين الروس حرصوا على تأكيد ان موسكو تظل صاحبة المبادرة التى عكستها البنود المبدئية لاتفاق السداسية الدولية مع ايران. وفيما اشار لافروف الى ذلك، اوضح نائبه سيرجى ريابكوف تفاصيل ذلك بقوله ان «الرئيس الروسى فلاديمير بوتين هو الذى وضع المبدأ الذى تضمنه هذا الاتفاق السياس ، وهو تحديدا مبدأ قبول حق إيران غير المشروط فى تنفيذ البرنامج النوو السلمى. وفى تصريحاته الى صحيفة «كوميرسانت» الروسية اشار فلاديمير سوتنيكوف كبير اخصائى مركز الامن الدولى التابع لمعهد العلاقات الاقتصادية الدولية الى ان روسيا سوف تحصل على فرص واسعة من تطوير علاقاتها التجارية والاقتصادية مع ايران الى جانب التعاون معها فى مجال الامن الاقليمى والدولى سواء فى افغانستان او الشرق الاوسط. كما ان رفع الحظر والحصار عن ايران سوف يسمح لها بدور اكثر فعالية وتاثيرا على الاحداث فى المنطقة وخاصة فى العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، فيما اعاد الى الاذهان الجهود التى طالما بذلتها روسيا فى السابق لاقناع المجتمع الدولى باشراك ايران فى المباحثات التى تستهدف تسوية الاوضاع فى منطقة الشرق الاوسط، وهو ما قالت الصحيفة انه لم يكن ليروق لعدد من البلدان العربية فى المنطقة وخارجها، بما فى ذلك اسرائيل وباكستان. وعلى الرغم من ان كل اطراف الاتفاق يظل عند قناعته بان الجميع خرج من ماراثون مباحثات لوزان محملا باكبر قدر من المكاسب، فان هناك من يقول ان الشك لا يزال يراود كل من هذه الاطراف تجاه سلوك الآخر. فاذا كان بعض اطراف السداسية عدا ربما روسيا والصين، يظل يخشى عدم التزام ايران بما جرى الاتفاق حوله، فان ايران تظل تكابد المشاعر نفسها تجاه احتمالات تغير سياسات واشنطن وحلفائها تجاه مسألة رفع العقوبات، فى ظل كونجرس يسيطر عليه الجمهوريون الى جانب احتمالات تغير «سيد البيت الابيض» ونزوله على ارادة الاغلبية الجمهورية، ومعها اسرائيل نحو ضرورة اعادة هذه العقوبات، فى نفس الوقت الذى تكابد فيه بلدان منطقة الشرق الاوسط ويلات ما غرسته وتغرسه طهران من شقاق فى العديد من ارجائها.