أصاب الفنان خالد الدهبي مدير عام المسرح القومي عندما تأني في الاختيار ليقدم في النهاية رائعة لينين الرملي وعصام السيد في بيتنا شبح والتي في تصوري تتفوق فكريا وتقنيا عن عروضهما المشتركة السابقة . بما فيها أهلا يابكوات رغم ما حازته البكوات من نجاح جماهيري.. يستمر لينين الرملي في طرح قضيته الشاغلة وهي الصراع بين العلم والخرافة.. ومن خلال نموذج البطل الايجابي الدونكيشوتي الذي يتحدي وحده سلبيات المجتمع المحيط به ويصر علي أن يهزم الأشباح التي تسكن العقول وتتحكم في المصائر.. ولكن هذه المرة أعطي المؤلف لبطله صفات الانسان البسيط العاطل عن العمل رغم علمه وذكائه.. والذي لا يحلم بأكثر من لقمة عيش ومكان صغير يجمعه مع الفتاة التي أحبها.. ونجح ماجد الكدواني في تجسيد تلك الشخصية ببراعة وحضور.. واستطاع أن ينتزع الضحكات ببساطة ودون افتعال علي الرغم من أنه يؤدي الشخصية الايجابية الجادة المؤمنة بالعلم. تدور احداث المسرحية حول عائلة ترث بيتا قديما هو البيت الكبير الذي يشير بوضوح إلي الوطن وأفراد تلك العائلة متباينون في ثقافاتهم وأمزجتهم ومستواهم الاجتماعي لكن يجمع بينهم الايمان بالخرافة والرغبة في الاثراء والتملك علي حساب الآخرين, الابن الكبير رجل أعمال انتهازي ووصولي يتحدث عن مشاريع بالمليارات من أموال البنوك ويري في الميراث فرصة للاثراء وحل مشاكله من تراكم الديون ولا بأس ايضا من استغلال وهم الأشباح ليبعد المتنافسين, والعجيب أن الفنان عصام السيد قد اختار لهذا الدور الفنان الخلوق أشرف عبدالغفور والذي اعتدنا أن نراه في أدوار ذات طبيعة مغايرة ونستمتع بنبرات صوته في المسلسلات التاريخية والدينية وكأنما أراد أشرف عبدالغفور أن يثور علي تلك الأدوار النمطية ويؤكد امكاناته كممثل لا يقل شرا عن محمود المليجي وعادل أدهم.. والابنة الثانية سلوي عثمان نموذج للمرأة المحبطة التي ارتضت لنفسها أن تدخل قفص الحريم وتخجل من صوتها باعتباره عورة وتتعامل بحذر شديد بينما في داخلها جنوح للتمرد وخوض مغامرة عاطفية ولو مع شبح متخيل وزوجها هو صاحب الكلمة والقرار وقام بذلك الدور الفنان المتألق سامي مغاوري الذي لديه قدرة فائقة علي الاضحاك من خلال رد الفعل وتعبيرات الوجه في صمت وقدم ياسر الطوبجي شخصية الحفيد الطيب المسالم ضعيف الشخصية ولكن الدور لم يقدم امكاناته الكوميدية الكبيرة وقبوله للدور الصغير في عمل جاد كبير اشارة إلي أنه فنان يحترم المسرح ويؤمن برسالته وأتصور أنه سيحقق في المستقبل نجاحات تليق بحجم موهبته. أميرة عبدالرحمن هي مفاجأة العرض بحضورها القوي وخفة ظلها وتعاملها مع المسرح بخبرة رغم حداثة سنها وهي تقف الي جوار غيلان مسرح من أمثال أشرف عبدالغفور وماجد الكدواني ومغاوري.. لكنها نجحت في تقديم دور الفتاة الرقيقة التي تحب منصور بطل العرض وتقف إلي جواره احيانا وتتراجع في أحيان أخري لأن الأشباح تسكنها وتتحكم في افكارها مثلها مثل الآخرين.. قدم محمد رضوان دور المثقف المتفذلك الذي لا رأي له في النهاية ويري كل شيء علي وجه التقريب ولا تظهر له شخصية أو انفعالات وهو بالتأكيد رأي المؤلف في نوعية معينة من المثقفين تحمل تلك المواصفات السلبية, وأجاد وصال عبدالعزيز في دور الحفيد المنهار نفسيا الذي يرتعش وينتفض كلما ذكرت الأشباح والعفاريت كما لعب حمدي حسن شخصية حارس البيت المسن الذي لا يقدر علي السير أو الكلام بفعل الشيخوخة, ولعب الفنان كمال سليمان دور المحامي الحارس علي تنفيذ الوصية, بينما قدم بيومي فؤاد دور الجار الإعرابي الطامع في شراء البيت, وظهر السيد هنداوي للحظات في دور اللص الشبح. لكن ابطال العمل الحقيقيين ليسوا هؤلاء النجوم وإنما حازم شبل الذي صمم الديكور لأول مسرحية عربية يصلح تسميتها بكوميديا الرعب وهو ما يتطلب تفاصيل كثيرة لأشياء تتحرك ويتغير موضعها أو أماكن تشتعل أو تختفي أو تظهر فجأة لتؤدي الأثر المنشود, وبالتأكيد شارك في تلك البطولة مصمم الاضاءة عاصم البدوي وصاحب الخدع المسرحية خالد عباس, كما شاركت موسيقي أحمد شعتوت في اعطاء الأثر المطلوب, وبالطبع يبقي قائد أوركسترا في بيتنا شبح المخرج الموهوب صاحب البصمات الكوميدية المميزة عصام السيد والذي أجاد في استخدام كل عناصر المسرح من أجل تحقيق حالة يقظة وانتباه واثارة ومتعة بصرية وذهنية ولكني أهمس في أذنه بأن النص طويل جدا فالعرض سيستغرق أكثر من ثلاث ساعات ونصف!! وربما تزيد المتعة والإثارة إذا قرر مع المؤلف اختصار ساعة من زمن العرض. [email protected]