البطاطس ب20 جنيها.. أسعار الخضراوات والفواكه في أسواق كفر الشيخ اليوم    قبل ساعات من مناظرتهما .. ترامب يطلق وصفا خطيرا على بايدن    المصرى يتقدم على الإسماعيلى 1-0 فى الشوط الأول.. فيديو    طب عين شمس تصدر بيانا حول حريق بإدارة الدراسات العليا    رشقات صاروخية من جنوب لبنان باتجاه صفد وعدد من مناطق الجليل الأعلى    أفضل دعاء السنة الهجرية الجديدة 1446 مكتوب    عبدالمنعم سعيد: مصر لديها خبرة كبيرة في التفاوض السياسي    يورو 2024.. توريس ينافس ديباى على أفضل هدف بالجولة الثالثة من المجموعات    الأعلى للجامعات يعلن قواعد تنسيق الجامعات لطلاب الثانوية العامة.. تعرف عليها    انطلاق مباراة الإسماعيلي والمصري في الدوري    أيمن غنيم: سيناء شهدت ملحمتي التطهير والتطوير في عهد الرئيس السيسي    محافظ شمال سيناء: 30 يونيو انتفاضة شعب ضد فئة ضالة اختطفت الوطن    كريم عبد العزيز يعلن موعد عرض الجزء الثالث لفيلم "الفيل الأزرق"    يسرا عن مسرحية ملك والشاطر: دي ممكن تبقى آخر مسرحية في حياتي    لطيفة تطرح ثالث كليباتها «بتقول جرحتك».. «مفيش ممنوع» يتصدر التريند    منظمة حقوقية: استخدام الاحتلال الكلاب للاعتداء على الفلسطينيين أمر ممنهج    تخريج دورات جديدة من دارسي الأكاديمية العسكرية    «الرعاية الصحية» تعلن حصاد إنجازاتها بعد مرور 5 أعوام من انطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل    مستشار الأمن القومى لنائبة الرئيس الأمريكى يؤكد أهمية وقف إطلاق النار فى غزة    «رحلة التميز النسائى»    محافظ أسوان يلتقي رئيس هيئة تنمية الصعيد.. تفاصيل    لهذا السبب.. محمد رمضان يسافر المغرب    الشاعر محمد البوغة: «لو زعلان» لون غنائي جديد على ماجد المهندس ولم يخشى التغيير    أيمن الجميل: تطوير الصناعات الزراعية المتكاملة يشهد نموا متصاعدا خلال السنوات الأخيرة ويحقق طفرة فى الصادرات المصرية    أسعار التكييفات في مصر 2024 تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة    مع ارتفاع درجات الحرارة.. «الصحة» تكشف أعراض الإجهاد الحراري    تحرك جديد من بديل معلول في الأهلي بسبب كولر    بائع يطعن صديقة بالغربية بسبب خلافات على بيع الملابس    وزيرة التخطيط: حوكمة القطاع الطبي في مصر أداة لرفع كفاءة المنظومة الصحية    لتكرار تجربة أبوعلى.. اتجاه في الأهلي للبحث عن المواهب الفلسطينية    اندلاع حريق هائل يلتهم محصول 100 فدان كتان بقرية شبرا ملس بزفتى.. صور    بالصور.. محافظ القليوبية يجرى جولة تفقدية في بنها    جهاز تنمية المشروعات يضخ تمويلات بقيمة 51.2 مليار جنيه خلال 10 سنوات    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    شوبير يكشف شكل الدوري الجديد بعد أزمة الزمالك    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    انفراجة في أزمة صافيناز كاظم مع الأهرام، نقيب الصحفيين يتدخل ورئيس مجلس الإدارة يعد بالحل    محافظ المنيا: تشكيل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة الزراعية لضمان وصولها لمستحقيها    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    هل استخدام الليزر في الجراحة من الكيِّ المنهي عنه في السنة؟    تحرير 107 محاضر خلال حملات تموينية وتفتيشية بمراكز المنيا    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    بكين تعارض إدراج الاتحاد الأوروبى شركات صينية فى قائمة عقوباته    بولندا تهنئ مارك روته على تعيينه في منصب السكرتير العام الجديد للناتو    الصحة تحذركم: التدخين الإلكترونى يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    طلب غريب من رضا عبد العال لمجلس إدارة الزمالك    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    10 يوليو موعد نهاية الحق فى كوبون «إى فاينانس» للاستثمارات المالية    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طريقة أجاثا كريستى لإخفاء كل شىء
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 04 - 2015

رحم الله محمود درويش الذى تنبأ بعظم قدرة وعلو شأنه وتعدد مجالاته وامتداد تبعاته.. إنه «الغياب» الذى تفضل بشعره البديع ومنحه الحضور المادى والمعنوى والأدبى وأسبغ عليه من فيضه وشعره ما جعل منه «حضرة الغياب المبجل فى كل مكان» .. غواية هذا الزمان أصح أنواعاً شتى.. عالماً مبعثرا من البشر والمشكلات والحدود والإرهاب.. جيولوجيا متداخلة من المشاعر والمتناقضات.. دروب مفتوحة أمام الإخفاء - الذى أصبح – أسلوب حياة - بدءاً من وسائل التواصل الاجتماعى التى لا ترى فيها أحياناً إلا – أشباحاً رقمية – لا تعرفها ولا تعرفك ..
مروراً بكل الأحداث السياسية التى تندرج معظمها فى عداد الأحاجى والألغاز المثيرة وتظهر أزمة ملء الفجوة التى سببها هذا الفراغ .. وصولاً لاختفاء بعض العواطف والتقاليد والأعراف واختفاء مسوغات النجاح... و... فمنذ ثلاثة عقود تقريباً ونحن نجابه صيغاً متعددة للاختفاء السياسى.. ولم نكد نلتقط أنفاسنا من ألغاز أسامة بن لادن وشرائطه المسربة من الجبل المسحور فى كهوف أفغانستان ومقابر صدام حسين الجماعية .. حتى داهمتنا داعش بفجرها وإرهابها وجنونها ولا إنسانيتها ونحرها للرؤوس على الرمال فى البحار.. فالقتل السينمائى الذى مارسته خلال الفترة الماضية .. يقابله غموض وظلام ودخان يحجب الرؤية عن بقية شرورهم ومصائبهم.. فمن آن لآخر تخرج علينا مجموعة من أخبارهم وآخرها.. قيامهم بتأسيس «الخلافة بوك» على غرار الفيس بوك لكنه تعرقل ولم تفلح محاولات خروجه للنور ثم قيامهم أيضاً بإنتاج فيديو لذوى الإعاقة «بالإشارة» ونقرأ فى الصحف الأمريكية أيضاً.. أسباب تفضيلهم لسيارات تويوتا اليابانية.. كل هذا ولم ير أحد رؤى العين فعليا شخصاً يدعى البغدادى هنا يغمر الإنسان الحزن على هذا الهزل فى مقام الجد.. ويفقد بوصلة تحديد أماكن الأشياء وهويتها.
والمأساة الكبرى فى «قضية الغياب» أنه يصنع من الأشياء أسطورة.. فالأسطورة يسمع عنها ولا ترى.. رحم الله الإعرابى الذى كان يسير يوماً فى الصحراء ولفحته شمسها الحارقة .. وتمنى أن يرزقه الله بينبوع ماء صاف يروى ظمأه وواحة خضراء يستظل بها فلم يجد إلا سراباً لامعاً.. فدعا الله بهذا الدعاء حين فطن أنها لعبة الحياة.. سراب وواحة فقال: «اللهم جنبنى من كل شئ سرابه وأدخلنى فى واحته».. نحن ندعو بهذا الدعاء ونزيد عليه بأن يمن الله علينا بالخروج من المتاهات والسراديب.
منذ شهور أعلنت شركة والت ديزنى عن نهاية «عصر ميكى ماوس» وإنهاء حياة هذه الشخصية الكرتونية التى ملأت الدنيا وشغلت الناس وخلبت لب كباره قبل صغاره .. وتحدد عام 2015 لوفاة ميكى ماوس وذيلت الشركة بيانها.. بجملة مقتضبة مفادها .. أنه لا توجد شخصية تستمر مدى الحياة وقد بلغ ميكى ماوس من العمر عتيا.. لذا سيتم دفنه عن عمر يناهز 87 عاماً حيث ابتكر ديزنى هذه الشخصية الساحرة عام 1928.. وكان لها تأثيرات كبرى على العالم أجمع.. حتى أن الحلفاء أطلقوا اسمه على المعركة الكبرى لغزو نورماندى فكان «ميكى ماوس» هو كلمة السر فى تلك المعركة الحاسمة.. أعلنت الشركة أنه سيتم عمل فيلم تسجيلى عن حياته سيودع فيه كل أصدقائه.. وداعاً ميكى ماوس أى غياب وأى شوق وأى فقد.. عن نفسى لا أقاوم كل أفلامه.
كتب «جول فيرن» رائعته الشهيرة «عشرون ألف فرسخ تحت الماء» .. تحولت لفيلم سينمائى يحمل نفس الاسم عن عالم تدور أحداثه فى قاع المحيط .. حيث تختفى السفن التجارية عند نقطة معينة ولا يعرف أسباب اختفائها.. وتكتشف سفينة بالصدفة وجود وحش بحرى لا مثيل له تعتقد أنه وراء هذه الجرائم.. فتنطلق السفينة لمطاردته وحينها نفاجأ بأن الوحش غواصة بحرية يقوم قائدها باحتجاز الكابتن ومساعده ومن خلال هذا الحبس الاضطرارى يرى الكابتن عجائب البحار وقصص المخطوفين ومنذ عرفت السينما سحر هذه التيمة العجيبة تمسكت بها.
وبعيداً عن أى خلافات مذهبية يبدو المذهب الشيعى – مع الاحترام لمعتنقيه – فى جوهره معززاً لفكرة الغياب لأن جوهره قائم على دعائمها.. فالإمام العسكرى (الحادى عشر) وفقاً لإمامهم النورى الطبرسى فى كتابه «النجم الثاقب: اختفى «من السرداب» وليس «فى السرداب» كما يقول أهل السنة !! وأنه حدثت فى عهده «غيبة صغرى» عند وفاة أبيه الحسن العسكرى عام 260 ه .. حين احتجب عن أعين الناس وكان له وكلاء يأمرون وينهون يبعث لهم بالتواقيع .. أما الغيبة الكبرى على حد تعبيره أيضاً فهى محل استقراره وهو مخفى على كل إنسان - ألسنا نشاهد نمطاً مشابهاً من الغيبة الصغرى يصدر عن كل الكيانات الإسلامية المتشددة – ظاهرة «اللهو الخفى» للجماعات الإرهابية تغمر العالم بعباءتها السوداء فتختفى مع الظلام الدامس وهدأة الليل .. ويأتى الفجر بضبابه الغابش فتتعذر الرؤية .. ولا نشاهد حتى أشباحاً ولكننا نسمع عنها !!. هذا العام ستحتفل بريطانيا بمرور – 125 عاماً على وفاة سيدة الإثارة والتشويق «أجاثا كريستى» وسوف تعرض ال B.B.C فيلماً عن رواياتها الشهيرة «And Then There were None» أو «اختفاء كل شىء» وفقا لطبعة «جرير» .. تلك الرواية التى تخطت مبيعاتها أكثر من مائة مليون نسخة وتم تحويلها إلى خمسة أفلام سينمائية.
تمتلك أجاثا كريستى حسا أدبيا رفيعا وذكاء حاداً وأدوات أدبية غاية فى الرهافة والخيال .. تختلج معها النفس كل موقف وسطر والقارئ يلهث وراءها من صفحة إلى أخرى .. فمنذ أن قرأت على أختها وهى طفلة صغيرة صفحات من رواية رومانسية كتبتها وباغتتها هذه الأخت بقولها : إننى أعرف نهايتها لا تكمليها .. منذ هذه اللحظة الفارقة أخذت على نفسها عهداً أن تكون «سيدة الألغاز والقصص البوليسية .. فكان لها ما أرادت وأكثر فتناسلت قصصها حتى بلغت 85 قصة هو عدد سنين عمرها أيضاً .. عالم أجاثا كريستى يفضح تواطؤ البشر أحياناً على بعض الجرائم التى يشتركون فيها بسكوتهم عنها .. عالمها ليس مضرجاً بالدماء والقتلى والأشلاء ولكنه عالم يعمل العقل ويشعل غريزة التحليل والاستدلال يستعيد معه المرء حيويته العقلية وقد انتزع من عالمه ووضع فى عالم آخر أكثر إشباعاً وإمتاعاً من الواقع الغامض.
نجحت كريستى فى هذا الصدد بجدارة عالمية.. وفى قصتها «اختفاء كل شىء» نواجه عشره شخصيات ترسل لهم دعوة لحضور حفل فى جزيرة وسط الماء بالقرب من ساحل ديفون ويكتشفون بعد وصولهم أن كلا منهم استدعى بطريقة مضللة لاستجلابهم إلى هذا المكان المنعزل فى جزيرة وحين يجتمعون – وهم لا يعرفون بعضهم البعض – فى غرفة الجلوس يسمعون صوتاً صادراً من جرامفون يروى قصة لكل منهم لها طعم الجريمة.. ارتكبها فيما مضى، وبتفاوت الجرم تتفاوت ردود أفعالهم ويتم وفاة العشرة أشخاص بأسباب مختلفة.. تبدع أجاثا كريستى فى هذه الرواية وتستقطر مشاعر التشويق والمتعة فى نصها إلى أقصى حد.. فهى لا تلقى بكل فحمها فى المدفأة مرة واحدة.. وكلما اختفى واحد من العشرة تتوهج نار الشوق والإثارة فى معرفة القاتل.. ونعرف السر فى رسالة تظهر فى زجاجة تكشف تفاصيل الجريمة.. وتضىء القصة بفكرة نبيلة عن مفهوم العدالة وكيف أن القاضى المتقاعد (جاستين وارجريف) كان يتهاون فى تحقيق العدالة بتسامحه مع صغار المجرمين.. وتلقى كريستى الضوء على فكرة الشر الكامنة داخل النفس البشرية فالعشر شخصيات ارتكبوا جرائم بالفعل لم يحاسبوا عليها كما ينبغى للعدالة أن تأخذ مجراها .. ومن المفارقات أن أجاثا كريستى اختفت هى أيضاً فعلياً عام 1926 لمدة 11 يوماً ولم يعرف إلى يومنا هذا على وجه اليقين أين ذهبت فقد توجهت لإحدى المزارع حين انزلقت سيارتها ولم يجدوها وقيل إنها فقدت الذاكرة والبعض الآخر تحدث عن صدمة عصبية وهكذا ذاقت من نفس كأس الغياب والتشويق فى سيرتها الذاتية.
وتأتى فضيلة أدب أجاثا كريستى فى أنه يحول البحث والتحرى إلى نهج فكرى .. فالقارئ يتبع الأحداث كقصاص الأثر ويحاول اكتشاف الشخصيات والأفكار وكشف المسكوت عنه ويمارس فى الخيال ما يعجز أحياناً عن الوصول له فى الواقع فالنص الأدبى يمنحه هذه الإمكانية بالرغم من زخمه واحتشاده بالشخصيات.. لكنه فى النهاية ينشد (خلاصاً أدبياً) بعدها ربما أعاده إلى مكانه الصحيح بين المخلوقات المغردة والمتوحشة والكاسرة يعود بعدها مضيئاً واضحاً .. ممتلئاً باليقين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.