ربما يطول السباق الانتخابي لاختيار مرشح الحزب الجمهوري لمواجهة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حتي شهر يونيو المقبل وربما يمتد الموقف المعقد حتي عقد المؤتمر العام للحزب بعد أن تعقدت الحسابات للمرشحين الرئيسيين ميت رومني وريك سانتورام مع مزاحمة من المخضرم نيوت جينجريتش الرئيس السابق لمجلس النواب. في كل أسبوع, يصعد مؤشر مرشح ويهبط آخر, وفي الأسبوع التالي تتبدل المواقع ويرتسم الأسي علي قسمات مرشح تصور أن ترشحه بات قريبا. كان ظهور المرشحين الرئيسيين في السباق الجمهوري أمام مؤتمر لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية إيباك في واشنطن مؤخرا فرصة جيدة لمعرفة خطاب السياسة الخارجية لرومني الحاكم السابق لولاية ماساشوسيتس والسناتور سانتورام عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ من قضايا الشرق الأوسط بعد موجة الربيع الديمقراطي والمواجهة المحتملة مع إيران. أمام إيباك ظهرت نوايا المرشحين الجمهوريين علي استهداف السياسة الخارجية لباراك أوباما قبل أن يبلوروا لأنفسهم خطوطا عريضة لبرامجهم الانتخابية حيال العالم الخارجي, فالطريق السهل هو صب جم الغضب علي الرئيس الديمقراطي في شأن التعامل مع القضية النووية الإيرانية وإظهاره في مظهر غير القادر علي التصدي لطموح طهران المهدد لوجود إسرائيل وهي المقولة التي ترددت علي لسانهم جميعا في أعمال المؤتمر. وقد ارتفعت وتيرة الجمهوريين في مواجهة أوباما قياسا علي أمر آخر وليس فقط إسرائيل وهو التحسن النسبي في الاقتصاد الأمريكي وتراجع معدلات البطالة والتي لو استمرت في الشهور المقبلة سوف تمثل عنصر قوة لاوباما في سعيه للفوز بجولة ثانية, وقال سانتورام صراحة إنه لو تحسن الإقتصاد فسوف تصبح إيران هي القضية الكبري وتصعد السياسة الخارجية في مواجهة تراجع الاقتصاد في حملة الرئاسة. المعروف أن ميت رومني يتفوق في عدد المندوبين بمقدار اكثر من الضعف في مواجهة سانتورام وهو ما يعطيه ميزة للفوز بترشيح الحزب إلا ان وصوله إلي الرقم المطلوب لإعلان ترشحه ما زال محفوفا بصعوبات خاصة في الولايات الجنوبية التي يحظي فيها منافسه المنتمي للتيار المحافظ دينيا في الحزب الجمهوري بتأييد قوي. ويستخدم الجمهوريون التصعيد الإسرائيلي ضد إيران وسيلة لخلق حالة توتر في الداخل الأمريكي, وقد أثمرت جزئيا عن ارتفاع أسعار الوقود في الأيام الأخيرة نتيجة الخطاب المنفلت الداعي إلي مواجهة عسكرية سريعة وحاسمة في الخليج العربي رغم العقوبات المشددة التي بدأت تأتي ثمارها ضد طهران في الشهور الأخيرة مما دفع أوباما إلي المطالبة بوقف الحديث المنفلت عن الحرب في توقيت لا يحتمله الاقتصاد الأمريكي والعالمي. من جانبهم, يري الجمهوريون أن أوباما يريد ان يحول الأنظار عن سياساته الخاطئة في الداخل. التكتيك الثاني هو إثارة الغبار والحديث المشكك في قدرة الولاياتالمتحدة علي حسم الحرب في أفغانستان وتقليل عدد الخسائر في ارواح الجنود الأمريكيين رغم إنجاز أوباما في العام الماضي بالتخلص من زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن(06% من الأمريكيين لا يرون اليوم أن الحرب تستحق التكلفة الحالية مقابل44% في عام9002). كما أن تكتيك الجمهوريين هو تقديم أدلة علي أن سياسات أوباما في مناطق مثل أفغانستان ليس سوي امتداد لسياسات الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش خاصة رفع تعداد القوات الأمريكية هناك وإستخدام الطلعات الجوية في العمق لتحطيم الميلشيات المسلحة المناوئة والاستمرار في سياسات متشددة في مواجهة تهديد الإرهاب في الداخل رغم سابق هجومه عليها في حملته الإنتخابية قبل ثلاث سنوات. وينسحب بث لغة التشاؤم في خطاب السياسة الخارجية للجمهوريين علي وضع الولاياتالمتحدة في العالم وقدرتها علي الصمود في وجه القوي الصاعدة الجديدة وطريقة إدارة الصراع الدولي مع الصين وهي الخصم الرئيسي اليوم. ويري المخططون الاستراتيجيون في الحزب الجمهوري أن المرشحين يجب أن يعلوا من فكرة الاستثناء الأمريكي من جديد في العالم بعد أن أعطي أوباما من وجهة نظرهم إنطباعا عالميا أن بلاده لم تعد القوي الكبري الوحيدة التي يجب أن يهابها الجميع وأن المجتمع الدولي لا يعترف بالقوة الناعمة التي يريد أوباما أن يحسن بها صورة أمريكا ومنها خطابه الاعتذاري عن ممارسات الماضي في العالمين العربي والإسلامي. من المنطلق السابق, يري المرشحون الجمهوريون أن السياسات الأمريكية حيال الانتفاضات الشعبية ضد حلفاء تقليديين في الشرق الأوسط لم تكن موفقة وتسهم في صعود قوي للإسلام السياسي المعادي للولايات المتحدة ولا يقرون بمبدأ أن واشنطن لم يكن أمامها خيار أخر سوي التماشي مع رغبات الشارع العربي ولكنهم لايقدمون تصورات فعلية عن سياساتهم لو كانوا في البيت الأبيض في يناير1102. وقد حدد كارل روف المستشار السابق لجورج بوش أربعة مجالات حيوية لحركة المرشحين الجمهوريين بشكل عام أهمها ما سماه الإنتصار علي الأرهاب الإسلامي الراديكالي وليس فقط نزع الشرعية عن الممارسات الإرهابية وعزلها مثلما جاء في إستراتيجية الأمن القومي الأولي في عهد أوباما, وعليه يجب أن تعود واشنطن إلي مناخ الحرب الباردة من حيث القدرة علي نشر قواتها واستخدام كل أدوات التأثير من العلاقات الدبلوماسية إلي الاقتصادية والاستخبارية والعسكرية لو تطلب الأمر( وقد دعا سانتورام بالفعل إلي نشر مزيد من القطع البحرية في الخليج العربي لإظهار التصميم علي مواجهة التهديدات الإيرانية). والمنطقة الثانية, إدانة سياسة اوباما في أفغانستان وخفض الموازنة العسكرية باعتبارها ترسل إشارات خاطئة لكل من الأصدقاء والأعداء معا. والمنطقة الثالثة هي التركيز علي الدول المارقة من جديد, خاصة إيران وكوريا الشمالية, وينصح بالتقارب مع المعارضة الإيرانية خلال الصيف المقبل لإحراج أوباما في الذكري الثالثة للانتخابات الرئاسية الإيرانية والتأكيد علي أن سياساته تجاه إسرائيل تتسم بالضعف والتردد لحفض دعم اليهود الأمريكيين له في الانتخابات المقبلة قدر الإمكان وتحديدا في الولايات الحاسمة في السباق الرئاسي مثل فلوريدا وميشيجان وأوهايو وبنسلفانيا. والمنطقة الرابعة هي الاقتصاد الأمريكي الهش وكيفية استعادته لعافيته في أقرب فرصة علي يد الجمهوريين من خلال برامج أكثر انفتاحا علي الشركاء الدوليين والمزيد من الترويج للتجارة الحرة, حيث يري المعسكر الجمهوري أن أوباما لم يستطع أن ينافس بعض الدول في قدرتها علي فتح الأسواق وزيادة الصادرات وفرص العمل مما رفع معدلات البطالة وأطال مدي التعافي الاقتصادي. ويسعي ميت رومني المرشح الأبرز إلي الصدام مع أوباما في ميدان السياسة الخارجية بلغة حادة والتركيز علي القيم الوطنية الأمريكية من أجل استدراج الرئيس إلي مساحة من المواجهة التي يمكن أن يخسر فيها مواقف بدت ثابتة في خطابه السياسي علي مدي سنوات مثل تغليب الحوار في العلاقات الدولية علي حساب الصراع, حيث هدف الجمهوريين بالأساس هو إثبات أن لغة أوباما عكس أفعاله وهو ما سيترجم في صورة فقدان اصوات حتي لو لجأ المرشح إلي' لغة متطرفة' في السياسة الخارجية. وكانت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية قد ردت علي سؤال عن اللغة الخشنة للمرشحين الجمهوريين, أثناء زيارتها الأخيرة لتونس, بالتأكيد علي أن ما يقال هو مجرد تصريحات إنتخابية ودعائية وليست بالضرورة مواقف نهائية ودعت إلي عدم الالتفات كثيرا إلي تلك التصريحات. ورفع الجمهوريين وتيرة الهجوم علي السياسة الخارجية لأوباما أحد أهدافه الأساسية مواجهة دعاية خصومهم أن الرئيس الديمقراطي قد أنهي أسطورة أن الجمهوريين هم وحدهم القادرون علي مواجهة ما يمس الأمن القومي من تهديدات خارجية بفضل ما فعله في مواجهة القاعدة وتيارات متطرفة في مناطق أخري ومزجه بين الشدة واللين في خطابه مثلما يفعل في الأزمة الإيرانية حيث حقق هدفين هما فرض أقسي عقوبات ممكنة علي طهران بمشاركة أكبر تحالف دولي ممكن, ودفع إيران إلي القبول بالتفاوض مع الدول الكبري مؤخرا وهو بالقطع ما يقابله الجمهوريون بالتشكيك في نوايا النظام الإيراني. وأهم نقاط ضعف السياسة الخارجية للمرشحين الجمهوريين هي إعتمادها علي رد الفعل وعدم صياغة أفكار كبيرة عن وضع الولاياتالمتحدة دوليا فيما تشهد المؤسسة الجمهورية المحافظة انقساما واضحا حول القضايا الرئيسية التي تمس الأمن القومي الأمريكي فهناك فريق تقليدي يرسخ للسطوة الأمريكية علي الساحة الدولية( جون ماكين ولينزي جراهام) وهناك فريق أخر يدعو إلي الانسحاب من مناطق التوتر وتحقيق الاكتفاء من مصادر الطاقة داخليا( رومني) والتعارض بين التيارين ينعكس في عدم قدرة المرشحين علي صناعة رؤي مستقلة بالنظر لخبراتهم المحدودة في ملعب السياسة الخارجية.