في الثالث من يناير المقبل, يبدأ ماراثون السباق الجمهوري لاختيار مرشح الحزب لمنافسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في انتخابات نوفمبر المقبل في الأيام الأخيرة, طرأت متغيرات جوهرية علي السباق بدخول نيوت جينجريتش الرئيس الأسبق لمجلس النواب منافسا قويا علي الفوز بالترشح بعد أن تعثرت حملته الانتخابية لشهور وأوشك علي إفلاس الحملة الانتخابية إلا أن الصقر الجمهوري عاد قويا ليتصدر استطلاعات الرأي متقدما علي ميت رومني حاكم ولاية ماسشوسيتس السابق. فرس الرهان كان داخل الحزب حتي وقت قريب من ولاية أيوا الصغيرة ينطلق كل أربع سنوات, والمعتاد أن من يفوز في الولاية الصغيرة يحصل علي قوة دفع كبيرة لمواصلة تصدر السباق والمؤشرات الأخيرة تقول إن جينجريتش متقدم في ثلاث من أربع ولايات يفتتح بها السباق وبفارق ملحوظ عن ميت رومني وهو ما يغذي حالة الإثارة الحالية في وسائل الإعلام الأمريكية أن السياسي المخضرم يمكن أن ينتزع الترشيح في نهاية الأمر وهو يمثل مشكلة وازمة للحزب والناخبين! وبرغم ما سبق, يجادل المحللون في إمكانية ظهور شخصيات جديدة تقفز إلي الحلبة في مراحل بعينها من السباق وفي مقدمتهم من يستطيع الإنفاق بسخاء علي حملة انتخابية في وقت قصير مثل' جيب بوش' الحاكم السابق لولاية فلوريدا وسليل أشهر عائلة معاصرة في السياسة الأمريكية وهو التوقع المبني علي فرضية أن كل الشخصيات المرشحة غير مقنعة بشكل كاف للقاعدة الجمهورية العريضة التي ستخرج للانتخابات في نوفمبر اعتمادا علي اقتناعها بقوة مرشحها باعتباره الحل الوحيد للتفوق علي الرئيس أوباما الذي يبذل جهدا كبيرا لتحسين أداء الاقتصاد ويعاود إطلاق قدراته الخطابية الرفيعة لاستمالة الطبقة الوسطي التي همت بالانصراف عنه نتيجة استمرار المعاناة من توابع الأزمة المالية الكبري. مؤسسة الحزب الجمهوري لا تريد أن تدفع بمن هو الأفضل بين مجموعة من السيئين في حال بهتان الأداء في الجولات المبكرة ولكنها تريد مرشحا قويا فعلا وقولا. وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن وجود اتصالات لأثرياء التيار المحافظ والنخب السياسية في الحزب بحثا عن الحصان الأسود المحتمل حتي لو تم الدفع به متأخرا وأشارت صراحة عن التفكير في جيب بوش رغم استبعاده خوض معركة الرئاسة في العام المقبل وانتهاء موعد الترشح في عدد من الولايات. والأمر المحير في السباق الحالي هو عدم ظهور حركة حزب الشاي اليمنية المحافظة, مفاجأة الانتخابات الأخيرة, في صف واحد من المرشحين الحاليين وهو ما يعني أن قيادات الحركة ربما تتدخر مجهودها لمرحلة لاحقة عندما تتضح الصورة. وليس حزب الشاي وحده, فكبار المعلقين السياسيين من اليمين الأمريكي يرون أن جينجريتش ربما يكون الإجابة الخاطئة في عملية البحث عن بديل لرومني غير المقبول في قواعد الجمهوريين نتيجة تباين مواقفه وعدم تمتعه بثقل أيديولوجي أو رؤية واضحة وهو ما سوف يسهل علي أوباما هزيمته في نوفمبر. وتشير المشاهدات من ولاية أيوا أن المرشحين المتقدمين والمتأخرين في السباق يسعون بقوة للفوز بالجولة الأولي عبر التواصل المكثف مع الناخبين, ومن الأمثلة علي العوامل الخفية التي يمكن ان تقفز بواحد من المرشحين المتعثرين اليوم أن ريك بيري حاكم تكساس وهو أكثر المرشحين قبولا من حركة حزب الشاي يخطط لإحداث صدمة من خلال حملة دعائية ضخمة في أوساط التيار المحافظ. وهناك ريك سانتورام والذي برغم تخلفه في إستطلاعات الرأي إلا انه حصل علي تأييد رسمي من وزير رفيع المستوي في حكومة الولاية. وكان ميت رومني قد فاز بولاية أيوا في الانتخابات التمهيدية في 2008 ثم تراجع خلف السيناتور جون ماكين في الولاية التالية نيو هامبشير. ويبدي تيار حزب الشاي تحفظه الواضح علي جينجريتش لمواقفه من دور الحكومة وعلاقاته بالمؤسسات المالية الكبري وهي مسائل رئيسية في رؤية التيار اليميني فيما يقابلون رومني بفتور ربما لكونه ينتمي إلي طائفة دينية المورمون تحظي بعداء اليمين المسيحي. وتزامن مع الاتجاه إلي أيوا اندفاع المرشحين لنيل رضا اليهود الأمريكيين ولعل أكثرهم سعيا لتعويض تعثر حملته في السابق أملا في الأصوات والتبرعات هو نيوت جينجريتش. فقد وصف الشعب الفلسطيني في حديث تلفزيوني أخير بأنه' مصنوع' لأن فلسطين كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية ويسكنها عرب وقبل التقسيم لم تكن هناك دولة أو شعب بهذا الاسم وهو ما دفع صحيفة لوس أنجلوس تايمز إلي الرد عليه بأن تلك نظرة يتبناها البعض في إسرائيل ولكن سائر العالم يرفضها. كما قال أن عملية السلام' وهمية' وأن أول خطوة فور توليه الرئاسة هي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس وهي كلها مزايدات, حتي علي مواقف المتشددين في أوساط اليهود الأمريكيين ممن يؤيدون التسوية ويعترفون بحل إقامة الدولتين ولكن وفقا لشروط تحقق أمن إسرائيل في المقام الأول. كما أن جينجريتش له سجل حافل من التصريحات المتناقضة في السياسة الداخلية والخارجية ويصفه جون سونونو حاكم نيو هامبشير السابق بأن تجربته معه في الكونجرس تشير إلي' شخصية غير مستقرة'. الجمهوريون في أزمة بحثا عن مرشح قادر علي هزيمة أوباما وهو ما يضاعف من حجم المهمة حيث يحاول كل مرشح أن يفتعل قدرته علي تقديم كل الحلول الشافية والناجعة سواء في شأن الاقتصاد أو البطالة أو السياسة الخارجية والعلاقة مع القوي الأخري إلا أن كل المرشحين بلا استثناء باتوا مثل الشهب التي تبرق في السماء ثم سرعان ما تخبو وتضمحل, وفي حقيقة الأمر الجاذبية السياسية الكاريزما لا تصنع ولكنها تعين علي استمالة الناخب وهي خاصية بعيدة عن مرشحي الحزب الجمهوري وربما لن يمكنهم تدراكها.. فالوقت يمر سربعا!