تجارة الوثائق فى مصر هى تجارة رائجة ومهمة ولها باعة ومشترون ، وبعض هذه الوثائق يستمر داخل مصر ، ومعظمها يتسرب خارج البلاد ، والمراقب للسوق المصرى يكتشف أنه على فترات متباعدة نفاجأ بكم هائل من هذه الوثائق ذات القيمة التاريخية يتسرب إلى الأسواق ، يتسرب من وزارات وهيئات ومصالح حكومية ، قد لا يدرى القائمون عليها تلك الجريمة التى ترتكب فى حق الوطن . الأهرام والمحاكم المختلطة فى عام 1999 شهد السوق المصرى تسرب 8 أطنان من وثائق المحكمة المختلطة ، وهى المحكمة التى كانت تختص بشئون منازعات الأجانب مع بعضهم أومع المصريين حتى النصف الأول من القرن العشرين ، وترجع خطورة وأهمية وثائق المحكمة المختلطة أنها تحوى كنزاً من العقود والأوراق الرسمية التى تثبت الحقوق فى أراض وعقارات وأموال وشركات ، كما أنها ترسم لنا صورة مهمة للغاية عن نشاط الأجانب الاقتصادى فى مصر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين .، وبالتأكيد فإن علماء الاجتماع والاقتصاد يحتاجون بشدة لهذه الوثائق لإعادة قراءة تاريخ مصر ، وما قد يتكشف لنا عن مدى سيطرة الأجانب على الاقتصاد المصرى وبالتبعية مدى تحكمهم فى القرار السياسى للدولة المصرية فى ذلك العصر . أما ما يهم جريدة الأهرام الغراء التى تستعد للاحتفال بمرور 140 عاما على صدورها ، هى ما تكشف عنه هذه الوثائق من مرحلة مهمة فى تاريخ الاعلانات بالاهرام ، وهو أمرقد لا يعلمه الكثيرون ، حيث كانت الأهرام جريدة تنشر الإعلانات القضائية فى عدة صفحات ، قد تصل إلى ست صفحات ، وهى تشمل كنزاً من المعلومات عن أسماء المحامين سواء مصريين أوأجانب الذين لهم حق المرافعة امام المحاكم المختلطة ، وبيانات عن حدود الملكيات التى سيتم بيعها وفاءً للديون الصادر بها حكم المحكمة المختلطة وبعض البيوع الجبرية ، كما تشمل بيانات عن أسماء ملاك الشركات والعقارات من أطراف النزاع أمام المحكمة . وبطبيعة الحال فإن هذه الصفحات تمثل نواة لقاعدة بيانات تاريخية مهمة وغير منظورة للباحثين ، ولا ندرى هل يمتلك الاهرام تلك الصفحات الإعلانيه التى كانت تنشر الأحكام القضائية ، وهل هى موثقة ضمن أرشيفه الرقمى ، وهل تمتلك دار الكتب نسخا من هذه الصفحات الإعلانية القضائية للاهرام ولغيره من الصحف التى كانت تنشر اعلانات قضائية ،أم أن الأمر قاصر فقط على تلك الدفعة التى خرجت من داخل قلب احدى المؤسسات المصرية لتباع بالطن ، وقد بيع وقتها بمائة جنيه ونكتشف نحن عن طريقها أنها كانت تمثل جزءا مهما من تاريخ الصحافة المصرية إلى جانب أهميتها القانونية والاقتصادية . وثائق لاتقدر بثمن عن تاريخ الصحافة ومنذ نحو أربعة أعوام تسربت للأسواق ملفات مكتوب عليها الهيئة العامة للاستعلامات وهى تحوى كنزا من تاريخ الصحافة المصرية ، حيث بيعت هذه الملفات فى الأسواق ، بينما كان كل ملف يحتوى على طلب إصدار رخصة جريدة ، وبيانات المسئول عن الاصدار ، والعدد الأول من الجريدة ، والموافقة الصادرة من وزارة الداخلية ، وهو الأمر الذى كشف لنا عن حقيقة تاريخية مهمة وهى أن تصريح إصدار الصحف زمان كان يخضع لسلطة وزارة الداخلية ، ومن المدهش أن وزارة الداخلية حافظت على هذا الكنز بينما الهيئة العامة للاستعلامات باعته بالكيلو ، ليطرح للبيع على الرصيف وهو موضوع فى دوسيهات ممهوره بلوجو الهيئة العامة للاستعلامات. الوثائق والوطن يبقى السؤال الأهم ، ماذا يعنى بيع وثائق مصر التاريخية بالكيلو على الرصيف وماذا يعنى تداولها بين يدى تجار الورق ، ، ذلك يعنى ببساطة شديدة أن أمن مصر القومى فى خطر ، لماذا ؟! لأن بعض هذه الوثائق بل أكثرها يتعلق بثروة مصر العقارية ، ما قد يفتح الباب واسعاً لمطالبات مشبوهة لعدد من الأجانب لا نعلم من يقف وراءهم ، بأحقيتهم فى ممتلكات قد استقرت حيازتها لأشخاص مصريين أو هيئات مصرية منذ زمن بعيد ، وهذا الباب يفضى بطبيعة الحال إلى دعاوى استرداد ملكية ودعاوى تعاويضات بالمليارات فى ظل احتمالية الا تكون لدى هيئات الدولة الرسمية حتى صورة من العقود التى تباع بالكيلو . ومرة أخرى ماذا يعنى تسرب هذه الوثائق بالكيلو من الهيئات والمصالح الحكومية ، يعنى ببساطة أن بعضها قد يحوى أسرارا غاية فى الأهمية للدولة المصرية ، فبعضها قد يشمل خرائط مساحية قديمة ونادرة لمناطق حساسة ، أو بيانات تعدادية لهيئات نظامية كبيرة ، ولك أن تطلق العنان لخيالك ماذا يمكن أن تحوية هذه الوثائق التى تخرج من هيئات ومصالح حكومية على أنها « ورق دشت « . ومن التبعات الخطيرة لهذا الموضوع أن بعض الباعة فى مصر صاروا ضيوفا على بعض القنوات الفضائية ليروجوا لأنفسم ، بل وصل الأمر لا حتضان مكتبة الأسكندرية لبعض هؤلاء الباعة فى مهرجان سنوى تنظمه المكتبة تحت عنوان « من فات قديمه تاه « وهو مهرجان قد يعطى الفرصة وأحيانا الشرعية لعقد الصفقات بين التجار العارضين فى المهرجان والمترددين عليهم ونتمنى من الجميع أن يكونوا على قدر المسئولية التاريخية لهذه اللحظات من عمر الوطن ويحرصوا على عدم منح التجار غطاء رسميا لبيع تراث مصر ووثائقها نداء للأهرام ونحن فى المبادرة الشعبية للدفاع عن تاريخ مصر ندعو جريدة الاهرام بتاريخها العريق وسياستها التحريرية المدافعة عن ثروة مصر وشعبها ، إلى تبنى مشروعا وطنيا للحفاظ على الوثائق ، وليتخيل القارئ مجرد تخيل اذا ما وقعت بعض وثائق الملكيات فى أيدى تنظيم إرهابى ماذا سيحدث لنا ، وتخيلوا مرة أخرى أن يتحول الطابور الخامس من الموظفين لدعم الإرهاب بمجموعة من الأوراق يسهل تسربها من المصالح ، لتستقر فى ملفات قضائية دولية وتتحول لمطالبات بمليارات . اعتقد ان الموضوع يستحق أن نبادر بالدفاع عن وطننا.. ولهذا فإننى أنبه المسئولين لخطورة هذه الوثائق ، وعدم جواز بيعها كما أننى أنبه لإمكانية ظهور مافيا لهذه الوثائق قد تسعى لأن تبتلع ارض مصر وتهدد أمن سكانها . المنسق العام للمبادرة الشعبية للدفاع عن تاريخ مصر