يوم وفاة والدى كان صدمة لنا جميعا فقد توفى بالمصيف دون ان يتم الخمسين, وقد شعرت وانا كبرى اخوتى ان ابى كان يدربنى منذ نعومة اظافرى حتى اكون مستعدة للحظة وفاته, اتحمل مسئوليتى لست كأخت كبرى لاخوتى ولكن كرجل . كان رحمه الله يلقبنى منذ نعومة اظافرى بالاستاذة وكأنه بدون قصد اراد ان يغرس فى داخلى هدفا ملحا فى ان اكون شيئا فى دنياى ويلتصق اسمه باسمى يحقق فيه مالم يستطيع ان يحققه فيعيش عمرا اخر وهو لا يعلم اننى انا الفخورة بشرف اقتران اسمى باسمه. وبوفاته هى اللحظة التى فهمت فيها لماذا كان يعاملنى تلك المعاملة المملوءة بالفخر والثقة، مرت 14 عاما وحتى الأن اشعر انه لم يفارقنى اراه فى الأماكن التى كان ينتظرنى بها , أراه فى وجوه زملائه القدامى بعمله الذى اصبح عملى ايضا ، اراه فى كل عمل اقوم به وانتظر منه نظرة رضا وتشجيع ، كان ينتابنى شعورا لا اراديا انه لم يمت وانه فقط مسافر واكيد هيرجع يوما ما ، كنت اراه على فترات فى احلامى واحتضنه واقول له " انت عايش يا حبيبى ، الناس بتقول انك مت " يضحك وهو جالس على الكنبة ويقول " لا اوعى تصدقى انا عايش " ثم يقضى معنا يوما كاملا ويشاركنا احداث كنا نقوم بها معا ، استيقظ ابحث عنه وكأن الحلم حقيقة ابحث عنه فلا اجده وايقن حينها ان ذلك حلم من رحمة ربى بى . كانت امى تهتم بكل تفاصيل المنزل من اجل راحة اسرتها خاصة فى ليالى الشتاء فكنا نجلس بجوارها وهى تشعل " الباجور"على الرغم من وجود بوتاجاز بالمنزل ولكنه كان شعور بالدفء العائلى ولمة الاسرة , فكنا نختطف منها الفطير المقلى ونأكله ونجرى بسرعة ونحن ضاحكين فرحين وابى يجلس على الكنبة مشعلا سيجارة يشاهد التليفزيون ولكنه يتابعنا بابتسامة رضا ......... ثم مات ابى فذبلت امى وكأنها كبرت 10سنوات عن عمرها الحقيقى فتبدل المنزل من الدفء والبهجة الى السكون والرتابة فما كانت تفعله امى من اجل لم شملنا مع ابى واسعادنا لم يعد يسعدنا فاصبح بلا طعم ثم اندثر واختفى دفء الباجور بعد وفاه من كان يخفف عنها عناء اليوم فى اعمال المنزل ورعايتنا بمجرد نظرة رضا اوابتسامة وكان يمتص غضبها وهى تشكو له من شقاوتنا فيصرخ فينا بحنان فقط لارضاءها ويقول لها جملة صغيرة ( ارتاحى بقى انتى تعبانة طول النهار ) كانت جملة صغيرة ولكنها عند امى بالدنيا وما فيها تزول بعدها متاعب اليوم الطويل ... مات ابى ولم تصرخ امى او تنتحب وانما تحملت مسئولية اسرتها دون مساعدة من احد وقمت بدورى بقدر المستطاع فأنا الكبيرة ... تزوج البعض منا وكبرت اسرة امى بالاحفاد وزادت مسئوليتها لتتخطى اسرتها الصغيرة الى عدة اسرة ترعاهم بالحنان بقدر ما اوتيت من قوة ومرت علينا مناسبات واعياد لم نشعر بحلاوتها او بهجتها لعدم وجود ابى معنا ولكن يبقى الامل والحنان والاحتواء متمثلا فى امى والان ومهما فعلنا لها لن نعوضها يوما واحدة عاشته امى فى حياه ابى فقد مات ابى ورحلت معه روح امى . لمزيد من مقالات سحر عبد الغنى