حين يتجدد الحديث عن الخطاب والفكر الديني وعدم مواكبته العصر يلقى جميع الأطراف بالمسئولية على عاتق الآخر، علماء الدين يؤكدون ان وسائل الإعلام هي السبب الرئيس في شيوع ظاهرة الفتاوى الشاذة والغريبة وإثارة الحيرة والبلبلة بين عامة الناس والمساس بثوابت الدين. ويطالبون الفضائيات بتهميش وإبعاد الدخلاء وإفساح المجال أمام العلماء المستنيرين. كما يرى العلماء أن الإعلام الديني تحول من الانخراط فى العمل الدعوى، إلى السياسة والمتاجرة بالدين، تشددا وتطرفا تارة، وتفريطا وتسهيلا تارة أخرى، فظهر مشايخ الفضائيات بفتاوى القتل والتكفير والتسيب والانحلال، وإثارة الآراء الشاذة والغريبة. وعلى الجانب الآخر يرى الخبراء أن الإعلام الديني حاليا يعمل بعشوائية وغير قادر على صياغة رسالة اتصال فاعلة، مما يقزم دوره في نشر وسطية الدين، بل من الممكن أن يؤدى إلى نتيجة عكسية. ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة، إنه مما لا شك فيه أن الإعلام عامة والدينى خاصة له تأثير كبير فى توجيه الفكر المعتدل أو المنحرف فى أى مجتمع، وللأسف الشديد حبذت بعض وسائل الإعلام المغرضة فكرا منحرفا، وما زالت تحبذه، وقد احدث هذا الفكر نوعا من التشكيك فى الثوابت التي ترسخت فى وجدان المجتمع سواء فى العقيدة أو الفكر أو العرف والموروث المجتمعى، حيث وجدنا بعض وسائل الإعلام يضرب هذه الثوابت فى مقتل، وقد وصل الأمر إلى حد التشكيك فى السنة النبوية المطهرة، وتشويه جهود علماء المسلمين فى تنقية التراث وتوجيه دفة الفكر الوسطى المعتدل ليصل إلى الناس فى صورته الصحيحة، وهذا الفكر مما لا شك فيه أنه مأجور، لأن الذين يمولونه هم أعداء الإسلام والمسلمين، موضحا أن مصلحتهم فى ذلك هى زعزعة العقيدة فى نفوس الناس، وهذا الذى أنتج فى بعض الفضائيات والصحف، أناسا لا يروجون إلا إلى فكر مغلوط بعيد كل البعد عن الفكر الصحيح. تأهيل دعوى وعن الإعلاميين الذين يعملون فى مجال الحقل الدينى، أوضح إدريس ان غالبيتهم للأسف الشديد- ليس على درجة كافية من الوعى الدعوى والثقافة الدينية الصحيحة، مطالبا بضرورة تأهيل جميع الذين يريدون الالتحاق بالعمل فى مجال الفكر الدينى فى مختلف وسائل الإعلام، وذلك من خلال التنسيق بين المؤسسات الدينية والإعلامية، سواء فى مجالات عرض الأسئلة أو إلقاء الفتوى أو محاورة الضيف بطريقة منهجية علمية، حتى تصل المعلومة الدينية لدى المتلقى بسهولة ويسر دون اعوجاج فى النطق أو مخالفة للحكم، موضحا أن تلك الخطوة بداية الطريق الصحيح لتصويب منهج الإعلام الدينى، كما اننا نحتاج إلى تطبيق قاعدة التأهيل العلمى على الجميع سواء فى الإعلام المملوك للدولة او الذى يملكه الآخرون، بحيث يكون إشراف الدولة شاملا للكل حتى تكون هناك ضمانة حقيقية لتقديم منتج إعلامي دينى معتدل قادر على مواجهة التشدد والانحراف الفكرى. وأكد الدكتور طه أبو كريشة عضو هيئة كبار العلماء، أن الإعلام الدينى منه ما هو رسمى وآخر يخضع للقطاع الخاص، فأما الإعلام الرسمى فعلى الرغم من أنه يقدم المعلومة الدينية الصحيحة من معينها الصافى من خلال علماء الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء، فانه فى الوقت نفسه غير قادر على مواجهة التشدد والفكر المتطرف، نظرا لأسباب متعددة منها قلة المساحة الممنوحة له سواء فى الصحف او الإذاعة او التليفزيون، وأيضا اوقات بث البرامج الدينية التى تأتى دائما فى أوقات غير مناسبة للجمهور، وأيضا سقف الإبداع المحدود وضعف الدعم يؤدى الى منتج ضعيف غير قادر على مواجهة التحديات، مما ادى الى انصراف الجمهور الى الفضائيات الخاصة. وأضاف: أما الإعلام الدينى غير الرسمى ويتمثل فى القنوات الفضائية والصحف والمجلات الخاصة، فإننا نعلم ان قاعدة الاختيار فى بعضها تكون لمن يملك الصوت العالى ولمن يعرف طريق الإثارة فى الأمور الخلافية والآراء الشاذة، بغض النظر عن المحتوى الذى يتحدث فيه ومدى مطابقته لصحيح الدين والسنة النبوية المطهرة، وأصحاب هذا الإعلام يهمهم فى المقام الأول المكاسب المادية العالية، بتقديم الآراء المتشددة او تسهيل الفتوى بحجة وزعم يسر الدين. مفهوم خاطئ من جانبه يوضح الدكتور محمود يوسف أستاذ العلاقات العامة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ان هناك مفهوما خاطئا لدى البعض عند التحدث عن الإعلام الدينى، إذ يفهم الكثير من الناس ان المقصود بالإعلام الدينى هو قصر الخطاب على الأمور الدينية فقط، بينما التعريف الصحيح له- من وجهة نظرى- هو: إعلام الحياة التى تسير على المنهج الالهى، بمعنى ان جميع مجالات الحياة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدين، وذلك أن الشرع جاء بما يحقق مصلحة الناس، وكما يقال اينما وجدت مصلحة العباد فثم شرع الله. وأشار إلى انه بالنسبة للخطاب الإعلامي بصفة عامة والخطاب الدينى على وجه الخصوص، فان به كثيرا من الاعوجاج، يتمثل ذلك فى ضعف مستوى القائم بالاتصال فى المجال الدينى، بمعنى أنه ليس لديه القدرة على صياغة رسالة اتصال فاعلة، بحيث تكون مؤثرة وجاذبة لانتباه المتلقى، وفى الوقت نفسه تراعى المصلحة الإنسانية، وتحترم عقلية الجمهور، وتتوافق مع مستجدات حياته. لجنة مشتركة وفى سياق متصل، يرى محمد عبدالعزيز وكيل وزارة الإعلام الأسبق، أن الإعلام الدينى فى مختلف الوسائل مقصر فى أداء رسالته على الوجه الأكمل، ويؤدى مهمته بشكل عشوائى ومعاكس، بمعنى انه حينما يتحدث فى القضايا ذات الصلة بالدين فانه يتناولها بطريقة غير منهجية، ولا يلجأ إلى الأسلوب العلمى. وأشار إلى انه إذا أردنا تجديد الخطاب الدينى والقضاء على الفكر المتشدد والمنحرف من خلال وسائل الإعلام، فان ذلك يتطلب عقد لجنة خاصة على مستوى عال من علماء الدين الإسلامي، بالإضافة إلى رواد الإعلام الدينى الذين لديهم خبرة ودراية فى مجال الفكر الدينى، لوضع خطة قائمة على المنهج العلمى يسير على هديها الدعاة وكل من يتصدى إلى الخطاب الدينى، كما يتم التنسيق مع رجال الدين المسيحى، لوضع خطة مشتركة لتجديد الخطاب. فضائية بلغات متعددة ومن جانبه، يؤكد عبد الخالق يوسف عطية الأمين العام المساعد باتحاد الإذاعة والتليفزيون، ان جرعة الإعلام الديني بالمؤسسات الرسمية فى مصر غير كافية لمواجهة موجات التطرف والتشدد الفكري والإرهاب، مطالبا بسرعة إنشاء قناة فضائية دينية متخصصة تحت إشراف الدولة وبرعاية الأزهر الشريف، من خلال علمائه المشهود لهم بالوسطية والاعتدال، وأيضا يشارك فيها علماء الدين من جميع الدول الإسلامية، بحيث تخاطب القناة الداخل والخارج، لتوضيح صورة الإسلام الصحيحة، وتفضح المؤامرات التي تحاك ضد الأمة الإسلامية والعربية، على أن تكون مترجمة بلغات متعددة لتخاطب الآخر.