على خلاف تمنيات السياسيين، بألا تؤجل العملية الانتخابية، حتى لا يضيع الجهد الذى بذل طوال الفترة الماضية والأهم احتفاظ المرشحين الذين تم قبولهم بمراكزهم القانونية والسياسية، فإن خبراء القانون الدستورى يخالفونهم الرأى وينظرون بواقعية قانونية أكبر للبيئة التى تحيط بقرار الدستورية العليا. فمن جانبه قال الدكتور أيمن سلامة خبير القانون الدستورى إن حكم المحكمة الدستورية العليا الذى صدر أمس، أثلج صدور المواطنين المصريين سواء الناخبون، أو المرشحون، حيث أزاح التقسيم الغريب للدوائر الانتخابية، والذى جافى ولم يلتزم بالمبادئ الدستورية الراسخة فى الدستور المصري، وعلى رأسها المساواة بين المصريين فى مباشرة كل حقوقهم وحرياتهم ومنها بالطبع مباشرة حقوقهم السياسية، وهذا ما أشار إليه صراحة حكم المحكمة الدستورية العليا المتقدم. وأشار فى تصريحات ل »الأهرام« إلى أن أهمية التقسيم تكمن فى أن التمكين الصحيح لهيئة الناخبين من ممارسة حقها الانتخابى بسهولة ويسر وتحقيق انتخابات حرة وعادلة، يستوجب تقسيم البلد لمجموعة من الدوائر الانتخابية، وحسب مقتضيات عدد السكان ومساحة الإقليم وطبيعة النظام الانتخابي، حيث يعد التقسيم لازمًا لإضفاء الجدية والنزاهة على الانتخابات، وحتى تأتى إرادة الناخبين معبرة تمامًا عن الإرادة العامة للشعب وأن التقسيم يعد أيضا أداة لا غنى عنها لتمكين الناخب من الاختيار الأمثل بين المرشحين، ويعد التقسيم من أهم العوامل المؤثرة بالعملية الانتخابية بشكل مباشر سواء أجريت الانتخابات بمقتضى نظام التصويت الفردى أو نظام التصويت بالقائمة. وأوضح أن المقصود بتقسيم الدوائر الانتخابية يعنى تعيين الحدود لكل منطقة جغرافية أو إدارية داخل إقليم الدولة بصورة واضحة غير ملتبسة أو غريبة على الناخبين أنفسهم والمرشحين أيضا، ليتسنى تمثيل كل قطاعات السكان بالدولة فى المجالس النيابية بعدد من النواب. وأن الطريقة التى تحدد بها الدول حدود دوائرها الانتخابية، لا تزال تعتبر من منظور القانون الدولي، وليدة اختيار الدولة ذات السيادة لنظامها الانتخابى لحد كبير، بشرط بقاء الهدف العام واحدا، ألا وهو ترجمة إرادة الشعب فى حكومة نيابية. كما شدد على أن قضاء المحكمة الدستورية العليا فى مصر زاخر بالسوابق القضائية التى تكاد تماثل الحكم المتقدم الذى صدر أمس عن المحكمة الدستورية العليا، حيث قضت المحكمة فى 16 مايو 1987 بعدم دستورية العديد من مواد قانون الانتخابات لمجلس الشعب، فقام المشرع المصرى بعد ذلك بتعديل قانون الانتخابات للمجلس، والذى جمع فيه بين نظامى الانتخاب الفردى والانتخاب بالقائمة فى وقت واحد، وفى 3 فبراير 1996 قضت المحكمة نفسها بأن نظاما ديمقراطيا للحكم، يفترض أن يكون حق الاقتراع منضبطا وفق قواعد محددة، يكون إعمالها منصفا وفعالا، فلا يباشره المواطنون مثقلا بقيود تؤثر فى وزن أصواتهم، لتضعفها أو تفرقها، كتلك التى تمايز بين المواطنين تبعا لأصلهم، أو مكان توطنهم، بل يتعين دوما أن يكون هذا الحق متكافئا. فيما أكد الفقيه القانونى والدستورى عصام الإسلامبولى أن قرار الدستورية سيحال للقضاء الإداري، الذى سيحكم بوقف إجراءات العملية الانتخابية برمتها، لكون الحكم ببطلان قانون تقسيم دوائر الفردى سيؤدى إلى توقف العملية الانتخابية، كما أنه لا يجوز إجراء الانتخابات البرلمانية فى تقسيم القوائم الأربع من دون الفردى كما يأمل البعض. من جانبه، صرح المستشار أحمد الشافعى رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة بأن حكم الدستورية العليا فى الدعوى رقم 18 لسنة 37 قضائية، أصبح ملزما وهى المقامة من المواطن محمد عبد الرازق، بعدم دستورية المادة الثالثة من قانون تقسيم الدوائر. واستجابت اللجنة العليا للانتخابات، ممثلة فى المتحدث الرسمى باسمها المستشار عمر مروان، وقررت تأجيل الانتخابات البرلمانية لحين إجراء تعديل على القانون رقم 202 لسنة 2014 بشأن تقسيم دوائر مجلس النواب. وأضاف أن المحكمة الدستورية بحثت مدى دستورية القانون أو المادة المطعون على دستوريتها برغم الاعتراضات عليها من خلال بحث مدى مطابقتها للدستور وفقاً للمبادئ العامة بالمساواة بين المصريين جميعاً ومبدأ تكافؤ الفرص والعدالة فى توزيع الدوائر الانتخابية وفقاُ للواقع وبما يحقق تطابقاً كاملاً للمبادئ المكفولة للناخب دستورياً . واتفق معهم الفقيه الدستورى وعضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعى صابر عمار، بقوله أن قرار الدستورية سيترتب عليه وقف إجراءات العملية الانتخابية، بما فيها إعادة فتح باب الترشيح مرة أخرى. مشيرا إلى أنه يمكن أن يحيل الرئيس القانون الى لجنة لتقوم بإعادة صياغة المادة الثالثة. وأوضح أن الطعون التى قضت فيها المحكمة الدستورية العليا ستحال إلى محكمة القضاء الإدارى مرة أخرى، والتى تكون ملزمة بحكم الدستورية العليا، وعلى اللجنة العليا للانتخابات أن تصدر قرارا بوقف انتخابات مجلس النواب. واكد المحامى أسعد هيكل، القيادى بتحالف العدالة الاجتماعية وعضو اللجنة القانونية للتحالف وأحد الطاعنين على قانون تقسيم الدوائر أن الأحكام التى أصدرتها المحكمة الدستورية العليا أمس حصنت البرلمان المقبل من الطعن عليه وانتصرت للدستور المصري.