تقف إيطاليا فى منطقة رمادية واسعة إزاء ما يجرى فى ليبيا بالرغم من أنها تعد المفوض الرسمى للغرب فى الشأن الليبي. فقد اختلطت أوراق المشهد أمام روما بعدما توالت تهديدات تنظيم داعش الإرهابى لها خلال الأيام الماضية. وكان من أبرزها التسجيل المصور لذبح 21 مصريا على أحد الشواطئ الليبية فى طرابلس، والذى لوح فيه الإرهابيون بأنهم صاروا الآن" جنوبروما". انتفض الايطاليون فور بث الشريط، وجاهر عدة وزراء بالحكومة الايطالية بضرورة قيادة ايطاليا لتحرك عسكرى فى ليبيا. فقال وزير الداخلية أنجيلينو ألفانو أنه لايجب إضاعة دقيقة واحدة محذرا من أن يكون تقدم داعش أسرع من قرارات المجتمع الدولي. واعترف- فى تصريحات لصحيفة «لاريبوبليكا»- بأن ايطاليا دفعت الفاتورة الضخمة للأخطاء التى ارتكبت فى إدارة القضية الليبية. أما وزيرة الدفاع روبيرتا بينوتى فقد حذرت من أن الإرهابيين صاروا على بعد 350 كيلومترا من الأراضى الايطالية. وقالت إن بلادها بعثت ب5 آلاف جندى إلى أفغانستان (البعيدة جغرافيا)، داعية إلى مشاركة ايطالية أكبر وأكثر ثقلا فى ليبيا على رأس تحالف دولي. وأعلن وزير الخارجية باولو جينتيلونى فى تصريحات لمحطة "سكاى تى جى 24" الايطالية استعداد بلاده للقتال فى ليبيا فى إطار القانون الدولي. لكن لم تمض بضع ساعات حتى ارتدت الحكومة الايطالية لتسير فى الاتجاه المعاكس تماما، بحسب تعبير صحيفة "لاجازيتا ديل ميتزو جورنو" الايطالية. فقد سكب رئيس الوزراء ماتيو رينزى الماء البارد فى تصريحات له لمحطة "تى جى 5" الايطالية مساء الاثنين 16 فبراير، عندما أكد أن الوقت لم يحن للتدخل العسكري، مما أثار موجة انتقادات إعلامية وشعبية. أزمة الموقف الايطالى بدأت مع نشوب الثورة ضد الرئيس الليبى السابق معمر القذافى الحليف والصديق المقرب من رئيس الحكومة الايطالية آنذاك سيلفيو بيرلسكوني. فقد تمكن بيرلسكونى خلال سنوات حكمه- على مدى 4 ولايات- من تأمين طائفة واسعة من المصالح الاستراتيجية الايطالية فى ليبيا من خلال صيغة تعامل خاصة مع القذافي. وكانت رغبة الولاياتالمتحدة (المغلفة بقرار من مجلس الأمن) فى التدخل العسكرى فى ليبيا للاطاحة بالقذافى وتسليح" الثوار"، كمن يشعل النيران فى المصالح الايطالية الحيوية داخل ليبيا. لذا كانت الخطة بأن تكون المبادرة من سلاحى الجو الفرنسى والبريطانى اللذين شنا ضربات جوية استباقية ضد مقدرات الجيش الليبي. وما لبث أن أرغم الوضع ايطاليا على التدخل فى القتال حتى سقط القذافى ونظامه. وقد عبر بيرلسكونى عن ندمه على ذلك فى عدة مناسبات، ونقلت صحيفة "لاستامبا" اعترافه بأن حكومته لجأت للخيار الخاطئ عندما شاركت فى الحملة العسكرية ضد القذافي، وفى يناير 2013، قال بيرلسكونى خلال زيارة لشبكة "أدنكرونس " الإخبارية أن النزاع الداخلى تم الترويج له أمام المجتمع الدولى على أنه ثورة، بحسب تعبيره. سارت الأحداث فى ليبيا منذ ذلك الحين على النحو الذى تم تدبيره لها وسائر دول "الربيع" العربي- باستتثناء مصر التى شهدت ثورة إنقاذ فى 30 يونيو. لم يكن الغرب الذى حرك مقاتلاته لإسقاط الجيوش العربية غارقا فى السبات وهو يرى العتاد والسلاح والمقاتلين يتدفقون على تنظيم داعش الإرهابى من جميع أنحاء العالم عبر تركيا، عضو حلف شمال الأطلنطي. لكن إعلان قيام إمارة إرهابية فى ليبيا الصيف الماضى كان بمنزلة الحائط الذى ارتطمت به رأس صناع القرار فى إيطاليا، فشعرت البلاد التى تمتلك نحو 8 آلاف كيلومتر من السواحل المفتوحة على المتوسط أنها فى بؤرة النار المشتعلة. كما أن موقف شركائها الأوروبيين الذين تركوها تواجه نزيف الهجرة غير الشرعية وحدها ودون اكتراث، أضاف بعض المرارة لدى الايطاليين. وفى أغسطس الماضى حضر رئيس الوزراء الايطالى ماتيو رينزى إلى القاهرة داعيا إلى دور قوى لمصر فى منطقة المتوسط، تبع ذلك زيارة الرئيس السيسى إلى ايطاليا فى نوفمبر الماضى حيث تم الاعلان عن تحالف مصرى ايطالى لمواجهة الإرهاب فى المتوسط. وقبل مرور ساعات على مغادرة الرئيس المصرى العاصمة روما، أكد وزير الخارجية باولو جينتيلونى أنه على أوروبا بأسرها تولى مسئولية التعامل مع تهديد تنظيم "داعش" الإرهابى معلنا انفصال العلاقات الأوروبية الأمريكية المتعلقة بهذا الأمر. كان هذا التصريح النادرة من نوعه مؤشرا على مخاوف الايطاليين من الخطط الأمريكية فى ليبيا، والتى سعت واشنطن لتهدئتها طوال الوقت خاصة عندما طلب الرئيس أوباما فى مطلع 2013 من رئيس الحكومة الايطالية آنذاك انريكو ليتا أن "تلعب روما الدور الرئيسى فى استقرار ليبيا"، فى وقت تتحطم فيه المصالح الاقتصادية والأمنية لروما فى ليبيا يوما بعد يوم. ولكن، بعد طائفة من التصريحات الايطالية المتصادمة، يبدو أن القيادة الايطالية قد فضلت – بقرارات عليا - مسار التحالف "معصوب الأعين" مع الولاياتالمتحدة مع بث رسائل طمأنة للشعب الايطالى وسط أنباء عن تسلل عناصر "داعشية" على قوارب المهاجرين إلى جزيرة صقلية. بينما انطلقت المقاتلات الايطالية صوب ليتوانيا لخوض مناورات "بورن" لحماية سماءْ دول البلطيق!