من رحاب بيت الله المعظم, من حرم الله المقدس, من بيت الله الحرام بمكة المكرمة, وفي أثناء طواف العمرة ناجيت ربي مستغيثًا به لخلاص هذه الأمة من خفافيش الظلام , نظرت فيما حولي ومن حولي من أناس على فطرة نقية لم تلوثها عمالة ولا خيانة ولا بيع للدين ولا للوطن , فلا مجال لدى هؤلاء العامة والبسطاء وأصحاب القلوب النقية للمتاجرة بالدين, فقلت يارب هب مُسيئنا لمُحسننا , واهْدِ لبرنا فاجرنا , وتقبل دعاءنا ولا تخذلنا , ولا تشمت بنا عدوًا . تجولت في الحرم محرمًا تارة , ومحلا بزيي الأزهري تارة أخرى , بثقة في الله وطمأنينة كاملة لقضائه وقدره , فالأمن الذي أفاضه الله على حرمه الآمن يلقي بظلاله على الحجاج والعمار والزوّار فيغمرهم بالسكينة , فلا تجد بينهم إلا واثقًا في الله , معتصمًا به , مستمسكًا بحبله المتين , هناك تتوارى خفافيش الظلام , وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه العزيز : « أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ « , ويقول سبحانه : « لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ « . إنها دعوة أبينا إبراهيم ( عليه السلام ) حين قال : « رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ « , وحيث يقول : « فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ « . حيث أمره ربه عز وجل أن يؤذَّن في الناس بالحج , أذّن إبراهيم ( عليه السلام ) , وبلغ رب العالمين دعوته للآفاق , فأتى الناس رجالا وركبانا من كل فج عميق , استجابة لقوله تعالى مخاطبًا سيدنا إبراهيم (عليه السلام ) : « وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ « , وقوله تعالى في كتابه العزيز : « وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ « . وفي رحاب بيت الله الحرام أقامت رابطة العالم الإسلامي مؤتمرها الدولي العلمي تحت عنوان : « الإسلام ومكافحة الإرهاب « ليؤكد علماء الإسلام ومفكروه ورجاله من العلماء ومسئولي المؤسسات الدينية الرسمية والشعبية في صوت واحد رفضهم لكل ألوان العنف والغلو والتطرف والإرهاب, ليرفعوا صوتهم بكلمة واحدة: هي إعلان براءة الإسلام من الإرهاب والإرهابيين بكل ما تحتمله هذه الجمل من معان وتفصيلات, فالحرق والذبح والتمثيل والتنكيل من الأفعال الإجرامية التي نهى عنها ديننا الحنيف, حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم ) : « وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا « ( صحيح مسلم ) , ونهى عن الحرق والتعذيب بالنار , حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : «.... وَلا تُحْرِقُوهُ بِالنَّارِ ، فَإِنَّهُ لا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ « ( الطبراني ) . ويأتي هذا المؤتمر تأكيدًا على تكاتف الجهود لمواجهة الإرهاب الغاشم فضلا عن رفضه إياه , وبيان أن إلصاقه بالإسلام ظلم للإسلام والمسلمين, فالعرب والمسلمون هم من أكثر من يكتوي بنار الإرهاب, واستخدام الإرهابيين لتفكيك دول المنطقة وإنهاكها وإضعافها وإدخالها في فوضى لا نهاية لها.غير أنني أؤكد أن العد التنازلي لنهاية داعش قد بدأ للأسباب التالية : 1- أن بغيها وظلمها وعتوها وفسادها وإفسادها قد تجاوز الحد الذي لا يحتمله الحس الإنساني السليم . 2- أن دخول الجيش المصري الباسل على خط المواجهة دفاعا عن الدين والوطن والأمة والإنسانية في قضية عادلة سيكون بداية النهاية لداعش وأخواتها ، وقد أثبت التاريخ أن نهاية كل الجماعات المتجبرة في المنطقة كانت على يد الجيش المصري الباسل . 3- أن الدول الداعمة لداعش بالمنطقة قد افتضح أمرها، وظهرت عمالتها وخيانتها لدينها وأمتها ، وإن كان ذلك لا يعنيها فقد انكشف وجهها القبيح بدعمها للإرهاب والإرهابيين، وأصبحت في موقع ذلة وصغار أمام أحرار العالم، وهوان واحتقار في نظر أمتها، وهو ما سيُعجّل برءوس الخيانة والعمالة فيها، لأن الدول الكبرى التي تستخدم العملاء سرعان ما تتخلص ممن ينكشف أمره، فيكشف أمرها أمام شعوبها وأمام الرأي العام العالمي . 4- أن الرأي العام العالمي سينقلب إن اليوم وإن غدًا على داعمي الإرهاب أينما كانوا، وخاصة أنهم سيكتوون بنار الإرهاب الذي صنعه بعض قادتهم. غير أنني أدعو إلى سرعة تشكيل قوة ردع عربية مشتركة للقضاء على خفافيش الظلام وتلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية الغاشمة, قبل أن يستفحل خطرها فتأكل الأخضر واليابس, وساعتها سيندم المترددون حين لا ينفع الندم. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة