بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عاهل السعودية، فقدت مصر فارسا وحكيما وكبير العرب، الذى كانت له مواقف ملموسة وداعمة لشعب مصر وقيادتها طوال الفترات العصيبة الماضية التى مرت بها، ليترك بذلك غصة فى قلب كل مواطن، سواء فى داخل مصر أو خارجها، ومنهم بطبيعة الحال المصريون المقيمون فى السعودية، حيث تعد الجالية المصرية هناك هى الأكبر على مستوى العالم، حيث يبلغ عددها أكثر من مليونى مواطن بعائلاتهم، لما لاقوه من ترحاب واستقرار من أشقائهم السعوديين. وقف الملك عبدالله بجانب مصر مواقف لا تنسى، حتى من قبل ثورة 30 يونيو وبعدها، وكان يدعم مواقفها أمام الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وأوفد الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية السعودية، إلى فرنسا لمقابلة الرئيس الفرنسي، ليؤكد له وللعالم أجمع وقوف السعودية إلى جانب مصر فى ثورتها، كما أرسل برقية تهنئة للرئيس السيسي، كانت بمثابة رسالة قوية شاملة، توضح دور مصر وشعبها وأهميتها فى المنطقة، وأعلن خلالها أيضا دعم السعودية لمصر فى شتى المجالات وفى كافة المحافل الإقليمية والدولية، كما دعا دول العالم للمشاركة فى المؤتمر الاقتصادى لمجموعة أصدقاء مصر، الذى سيعقد فى مارس المقبل، وكان لهذه الرسالة المهمة أكبر الأثر فى تغيير مواقف الدول الكبرى تجاه مصر ومساندتها ودحض الأكاذيب التى يروجها الإخوان فى الخارج ضد مصر وشعبها. وشهدت العلاقات بين البلدين الشقيقين تقاربا على مدار التاريخ إلا إنه منذ أن تولى الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم شهدت استقرارا لا مثيل له، خاصة منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الحكم، وأيضا عقب زيارته إلى السعودية ولقائه الموسع والمغلق مع خادم الحرمين الشريفين، الذى استغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة، تناولا فيها التنسيق بين البلدين تجاه كل قضايا الإرهاب التى تحيط بالمنطقة، وبطبيعة الحال دعم العلاقات المصرية السعودية فى المنظور الحالى والقريب، وكان الرئيس قد قوبل هناك بحفاوة بالغة من القيادة السياسية السعودية، وتسلم أرفع وسام سعودى (وسام الملك عبدالعزيز) تقديرا لموقف الرئيس السيسي، وتقدير الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمواقفه القوية . وفى خطوة عملية من الملك عبد الله تجاه شعب مصر، الذى لن ينسى مواقفه، أعلن عقب ثورة 25 يناير رغبة بلاده فى تقديم دعم مالى لحكومة مصر لمواجهة التداعيات السلبية التى يعانى منها الاقتصاد المصري، وأعلنت السعودية أنها ما زالت مستعدة لتقديم هذه المساعدات دون ارتباك بموقفها من الرئيس السابق حسنى مبارك، كما أعلن وقوف المملكة بجانب شقيقتها مصر ضد الإرهاب، وقادت حملة لمساعدة مصر واقتصادها، وعندما أعلنت المملكة أنها ستقدم لمصر مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار، الأمر الذى جعل دولا مماثلة تأخذ النهج ذاته، مثل الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبعد فوز الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات المصرية 2014 بادر الملك عبدالله بزيارة الثاهرة فى طريق عودته من المغرب للقاء الرئيس السيسى وتهنئته بالفوز فيما يعرف بقمة الطائرة، التى عقدت داخل الطائرة الملكية السعودية بين الزعيمين الكبيرين، وكان الرئيس قد وصفه بأنه حكيم العرب وكبير العرب، ووصفه بصفات النبل والأخلاق العربية الأصيلة، وبتوجهاته الإسلامية والإنسانية، وكان ذلك إدراكا منه لصفاته وتوجهاته .وخلال فترة عملى مراسلا صحفيا ل «الأهرام» بجدة لمست مايكنه أفراد الجالية المصرية من مشاعر طيبة وممتنة لما قام به خادم الحرمين من جهود لمساندة مصر، فى الوقت الذى عمل فيه البعض ضد مصر وضد إرادة المصريين، فجاء موقف خادم الحرمين الداعم لمصر ليزيد من قدرتها على التصدى للضغوط الخارجية، خاصة أنه تبنى حلا يقوم على ضرورة استعادة وتقوية مقومات الدولة المصرية من خلال التعاون العربى مع جهود بلاده لتصحيح صورة مصر أمام العالم الخارجي، وأن ثورة 30 يونيو 2013 جاءت تعبيرا عن إرادة الشعب المصري، واستطاعت حكومة المملكة أن تفتح قنوات للحوار مع دول أوروبية من أجل خارطة الطريق بمصر، كما أن موقف السعودية المشرف تجاه مصر أجبر الكثير من القوى الدولية، ومن بينها الاتحاد الأوروبي، على التراجع . رحم الله الملك عبدالله، فارس العرب وكبيرهم وحكيمهم كما وصفه الرئيس عبدالفتاح السيسي، تقديرا لمكانته الكبيرة فى قلوب المصريين والعرب.