فيما كان أكبر شيخين في العالم الإسلامي السني يقدمان عبر وسائل الإعلام ومن خلال وكلائهما النموذج الأسوأ في الحوار بين العلماء, كانت إحدي قنوات التليفزيون المصري تذيع حديثا لشيخ حسن النية يحاول أن يعلم عموم الناس أدب الحوار والاختلاف في الإسلام. ربما تكون لغة الحوار قد هدأت في وسائل الإعلام, ولكنها لاتزال مستعرة عبر مواقع الإنترنت. ثلاثة أسئلة عن الأزهر وسطور قليلة جدا من إجابات الشيخ القرضاوي جاءت ضمن حديث صحفي مطول تطرق فيه الشيخ للعديد من القضايا. غير أن هذه السطور القليلة استثارت الطرف الآخر فجاء الرد في عشرات من السطور الملتهبة فتدخلت أطراف أخري. كان حديث الشيخ القرضاوي في معظمه يتعلق بمؤسسة الأزهر وقدرتها علي القيام بدور فاعل محليا وعالميا في ظل الظروف التي يعيشها المسلمون والإسلام منذ سنوات. وكان حديثه لايخرج عما يتحدث به الأزهريون أنفسهم من تراجع دور الأزهر وضعفه وهو أمر لايمكن أن يتحمل مسئوليته الدكتور أحمد الطيب. فالأسباب ترجع إلي سنوات طويلة مضت. ولا أعتقد أن الحديث عن تراجع دور الأزهر مما يسيء إلي الإمام الأكبر. فالرجل قضي سنوات عمره في الأزهر يعرف جيدا مشكلاته وحين ولي أمره سعي بكل وسيلة لاستعادة المكانة وإعادة صياغة تلك المؤسسة الكبري واستطاع في فترة وجيزة أن يخلص الأزهر من كثير من الشوائب وأن يستعيد للمنصب وللمؤسسة في أوقات الأزمات الكبري شيئا من المكانة القديمة وهو في هذا بحاجة إلي أن يساعده الجميع. ولعل الشيخ القرضاوي نفسه يعلم أن الإرث ثقيل جدا والمشكلات مزمنة والحلول ليست ميسورة. غير أن الشيخ القرضاوي انتقد وبشكل مفاجئ ومباشر الدكتور أحمد الطيب في واقعة تخص شباب الإخوان من الأزهريين وقت أن كان الدكتور الطيب رئيسا لجامعة الأزهر وهي واقعة منقولة إلي فضيلته وكان بوسعه أن يتحدث فيها مع الإمام الأكبر بدلا من نشرها في توقيت يثير الكثير من التساؤلات. ففي الشهور القليلة الماضية عاد المصريون والمسلمون يتطلعون إلي الأزهر ونجاحاته في إنجاز وثيقة للعمل الوطني أجمع عليها الجميع وأعاد الرجل لمنصب شيخ الأزهر جلاله ووقاره وعزته. وكان جديرا بالشيخ القرضاوي أن يدعم تلك الإنجازات ويدعو للمزيد منها بدلا من الهجوم علي الشيخ والمشيخة. وكذلك كان بوسع شيخ الأزهر وهو رجل يتسم بالحكمة أن يعالج الأمر باتصال مباشر مع الشيخ القرضاوي فينهي أزمة عابرة أو يقطع دابر فتنة محتملة بدلا من أن يوكل الأمر إلي عالم جليل وجد نفسه مطالبا بالرد علي اتهام رآه ظالما فكان الرد مثيرا للجدل بالخوض في تفصيلات كثيرة ننأي بعلمائنا الأجلاء أن يخوضوا فيها حتي ولو كانت حقيقية. فالمسلمون داخل مصر وخارجها ينظرون إلي الشيخين نظرة إجلال واحترام ولايود أي منهم أن يراهما في مثل هذا السجال الذي يضر الجميع. في زحام السجال بين وكلاء الشيخين ظهرت دعوات تطالب بأن يتولي الشيخ القرضاوي مشيخة الأزهر بديلا عن الدكتور أحمد الطيب. هذه الدعوات فيما يبدو ليست بعيدة عن تتابع الأحداث حول الأزهر في الشهور الماضية. فقد دفع الأزهر للمجلس العسكري بمشروع قانون يتعلق بتعيين شيخ الأزهر وتكوين هيئة كبار العلماء فأصدره المجلس العسكري قبل انعقاد أولي جلسات مجلس الشعب بأيام قليلة. وحينما تحدث بعض أعضاء مجلس الشعب عن ضرورة إعادة النظر في القانون, استنكر بعض الأزهريين ذلك, مطالبين بعدم تدخل المجلس في شئون الأزهر. ويبدو أن مجلس الشعب جاد في إعادة صياغة القانون الخاص بتكوين هيئة كبار العلماء وترتيبات انتخاب شيخ الأزهر. وأغلب الظن هو أن حوار الشيخين الذي أصاب الكثيرين بشيء من الأسي ربما يعود إلي صراع بدأ أو يكاد أن يبدأ في الخفاء حول منصب شيخ الأزهر. فالإخوان المسلمون بما لهم من نفوذ في مجلس الشعب ربما يريدون قانونا آخر يجعل المنصب الديني الرفيع علي مقربة منهم. والأزهريون لا يريدون أن يخضع الأزهر لجماعة هي في النهاية جماعة سياسية. أخشي أن يأخذ الصراع مداه في الخفاء حتي يعلن عن نفسه وتصبح تلك المؤسسة الرفيعة عرضة لتقلبات السياسة, وقد عشنا زمنا طويلا نحلم بأن تنأي تلك المؤسسة بنفسها عن هذا المعترك وزادت آمالنا مع ثورة الخامس والعشرين من يناير في أن نري الأزهر وقد خلع عنه رداء السلطان الذي كبله سنوات طويلة ومنعه من أن يؤدي رسالته فتراجع وتراجع معه فهمنا لصحيح الدين وأصبحنا عرضة لتفسير وفتاوي الهواة وتطلعنا إلي فقهاء غيرنا نظن أنهم بتشددهم إنما يهدوننا سواء السبيل فاختلطت أمور الحياة والدين في بلادنا ودفعنا ثمنا باهظا في كل شيء جراء تراجع دور تلك المؤسسة العظيمة. إن استقلال الأزهر سوف يحرر الدين من أسر الحكام ليس في مصر وحدها وإنما في كل المنطقة التي تحيط بنا حيث الدين رهينة في خزائن الحكام وسجونهم. وربما كان أعظم ما تسديه مصر لشقيقاتها العربيات أولا ولغيرها من الشقيقات المسلمات أن تمنح الأزهر استقلاله وحريته وأن تحيط مكانته بما يستحقه من الإجلال والتقدير. ولن نكون قادرين علي ذلك إلا إذا تقدم العلماء مسيرتنا نحو هذا الهدف. وبمثل هذه الحوارات سوف نخسر معركة استقلال الأزهر. المزيد من مقالات د. حمدي حسن أبوالعينين