قبل أن تستفحل الفوضى الأمنية فى ليبيا وتستعصى على الحل بترسيخ الجماعات المتطرفة والإرهابية وجودها فيها كما حدث فى العراق وسوريا ونيجيريا ومالى لابد من تحرك عربى ودولى سريع لاحتواء خطرها،ليس بالضرورة بتدخل عسكرى مباشر وانما بإمداد الجيش الوطنى بالأسلحة والمعدات والمعلومات التى تمكنه من دحرها. فاذا قويت القبضة الأمنية للحكومة الشرعية فسوف يدعمها شيوخ القبائل الذين مازالوا مترددين انتظارا لجلاء الموقف، وينسحب كثير من المسلحين الذين التحقوا بفجر ليبيا وأنصار الشريعة وداعش ترغيبا أوتغريرا أو إكراها منها مؤثرين السلامة كما يحدث فى الصومال. بوادر استفحال ظاهرة تنظيم داعش فى ليبيا بدأت تتكشف عندما رصدت المخابرات الأمريكية 200 من عناصره يتدربون فى أرضها ثم أعلنت حكومة عبدالله الثنى أن التنظيم هاجم معسكرا للجيش قرب سبها فى الجنوب وقتل 15من جنوده.وقبلها أعلن متطرفون ولاءهم لزعيم داعش وإقامة امارة اسلامية فى درنة غير بعيد عن الحدود مع مصر،وأخيرا أعلن داعش نفسه عن وجوده بقتل جنود فى بنغازى وسبها مؤكدا أنه يملك صواريخ وأسلحة متطورة.واذا تكرر الخطأ الذى وقع بعدم الاكتراث بتنامى نفوذ داعش فى شمال العراق وسوريا وبوكو حرام فى نيجيريا والقاعدة والتوحيد والجهاد فى مالى فمن المحتمل أن نجد أنفسنا أمام داعش وحلفاء له أقوى داخل ليبيا يهددون أمن دول الجوار ومصالح الغرب ويحتاج احتواء خطرهم الى تدخل عسكرى أكثر كلفة ماديا وبشريا.ففى العراق وسوريا تواصلت ضربات التحالف الدولى الجوية لمواقعهم دون نجاح كبير،ولم يقض التدخل العسكرى الفرنسى المدعوم دوليا على الجماعات المتطرفة فى مالى تماما وفشل جيش نيجيريا الضخم المدعوم بمستشارين عسكريين غربيين وطائرات استطلاع فى هزيمة بوكو حرام أو حتى الحد من هجماتها الوحشية شبه اليومية. من هنا تأتى أهمية نتائج الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب المقرر الخميس المقبل لبحث كيفية إنهاء الفوضى الأمنية والسياسية فى ليبيا وكذلك مغزى تحذير وزير دفاع فرنسا المتكرر من تحول الجنوب الليبى الى وكر آمن للجماعات المتطرفة ومطالبته المجتمع الدولى بالتحرك لمواجهة الخطر.وفى ضوء المعارضة الشعبية والرسمية العربية لتدخل أجنبى حفاظا على سيادة ليبيا، وكذلك فشل كل مساعى دول الجوار والأمم المتحدة لجمع الفرقاء الليبيين على مائدة التفاوض يبدو أنه ليس أمام وزراء الخارجية العرب سوى الاتفاق على اجراء جماعى سريع لدعم القوات الحكومية الليبية بالسلاح والمعدات وتوفير التدريب اللازم لتمكينها من حسم المعارك التى طال أمدها.فإمكاناتها الحالية لم تمكنها من إخراجهم من كل بنغازى ومازالوا يسيطرون على معظم العاصمة طرابلس وبالكاد تمكنت من وقف زحفهم على منطقة الهلال النفطى التى تضم معظم حقول ومستودعات وموانى تصدير البترول مصدر دخل ليبيا الرئيسى وشريان حياتها.فاذا تم الدعم العربى بسرعة سيشجع دول الغرب على التعاون بتوفير معدات حديثة وصور الأقمار الصناعية والاستطلاعات وربما توجيه ضربات جوية لمعاقل المتطرفين خاصة بواسطة فرنسا التى نشرت قوات فى قاعدة عسكرية بشمال تشاد قرب الحدود مع ليبيا لمنعهم من التسلل بالتحديد الى النيجر التى تحصل منها على نحو 40% من اليورانيوم اللازم لتشغيل محطاتها النووية المولدة للكهرباء. حكومة الثنى ناشدت المجتمع الدولى مرارا تسليح جيشها بسرعة لمواجهة الجماعات المسلحة،كما طالب عقيلة صالح رئيس مجلس النواب بتدخل عربى لتسليح الجيش ولم يستبعد أن تشارك قوات عربية فى السيطرة على الوضع الأمنى مستقبلا.لكن اذا كانت دول كثيرة ستفكر أكثر من مرة قبل أن ترسل قوات قد تغرق فى المستنقع الليبى فان إمداد الجيش بالأسلحة المطلوبة وخبراء ومدربين ومعدات للنقل لا تحتاج الى مغامرة كبيرة، وانما ستكون تحركا محسوبا لتفادى خطر أكثر كلفة ماديا وبشريا،حتى ولو كان سيتعين على طرابلس أن تدفع ثمنها فيما بعد.ورغم اعلان الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند أن بلاده لن تتدخل فى ليبيا دون اجماع دولى، وأنه يتعين على الأسرة الدولية أن تسعى أولا لإطلاق حوار سياسى واستعادة النظام الا أن التدخل العسكرى الفرنسى يبقى واردا اذا شعرت باريس أن مصالحها الاقتصادية فى خطر كما فعلت منذ عامين بتدخلها المنفرد فى مالى قبل أن تنضم اليها دول أخرى، وربما ردا على الهجوم الدموى على صحيفة شارلى ابدو فى باريس الأسبوع الماضى اذا ثبث أن لأى من تلك الجماعات المتطرفة علاقة به. حتى الآن تحارب قوات الجيش بامكاناتها المتاحة ولم نسمع عن هروب جنود بأسلحتهم من قواعدهم كما حدث فى نيجيرياوالعراق.وعلينا أن نسارع بتدعيمها بكل ما هو متاح لضمان تماسكها وتغلبها على المتطرفين.فاذا تلكأنا فمن المؤكد أن يتمدد نفوذهم خاصة اذا انتهجوا أسلوب العقاب الجماعى وبث الرعب كما فعل داعش وبوكو حرام بالقتل واحراق القرى واختطاف النساء والشباب حتى لا يجرؤ أحد على مواجهتهم.واذا انهارت الروح المعنوية للجنود الليبيين سيطلق ذلك أيدى المتطرفين فى ارتكاب الفظائع مثلهم.وعلى الدول التى تحالفت لإسقاط القذافى لحماية سكان بنغازى من انتقامه أن تتحالف لحماية الشعب الليبى من مصير أبشع. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى