لا أظن أنها كانت تتخيل يوما، أن تتحول إلى صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك»، أو أن تكون موضوعا لمئات القصائد والحكايات، يكتبها من لا يعرفونها، وجهها البريء كان يتجلى في القصائد والحكايات، ومنه يتفجر نهر التداعيات، لعلها كانت قانعة بتوارد اسمها في قصائد الأب الشاعر فقط، لم تتصور يوما أنها ستصبح رمزا، لكل من ينشدون الحرية. هي يارا ابنة الشاعر والمترجم «رفعت سلام» والمترجمة «راوية صادق» وحفيدة المفكر «أحمد صادق سعد»: الأول قدم للثقافة العربية ترجمات لأهم الأسماء الشعرية في العالم: رامبو وكفافيس وبودلير وريتسوس وماياكوفسكي وغيرهم، في جهد نادر، لا يكتفي معه «سلام» بالترجمة فقط، إنما يضعك في الأجواء التي أنتجت النص، إضافة إلى أنه صاحب منجز شعري، تجلى في عدد من الدواوين، التي وضعته على رأس قائمة أبرز شعراء السبعينيات في مصر. يارا ابنة المترجمة والتشكيلية «راوية صادق» التي قدمت للمكتبة العربية الترجمة الكاملة لكتاب «قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا» للفرنسية سوزان برنار، بعد أن كنا نستهلك لسنوات ترجمة عراقية منقوصة لهذا الكتاب، رغم تأثيره الكبير في الشعرية العربية، يارا حفيدة المناضل الكبير «أحمد صادق سعد» الكاتب والمثقف العضوي، الذي دافع عن حقوق العمال والفلاحين طوال عمره. في مثل هذا البيت الذي كانت الثقافة أول حروف الأبجدية فيه، كان على يارا أن تصبح مدافعة عن حقوق الإنسان، بالدراسة والممارسة العملية، فقد حصلت على ليسانس الحقوق والماجستير في القانون الدولي لحقوق الإنسان من جامعة نوتردام الفرنسية، وعملت في أحد المراكز الحقوقية، وكانت على موعد مع قدرها، حين تم القبض عليها يوم 21 يونيو 2014 أثناء مشاركتها في تظاهرة سلمية، وحكم عليها هذا الأسبوع بالحبس عامين ومثلهما مراقبة! في القضية التي عرفت إعلاميا باسم «مسيرة الاتحادية»، لم تقذف يارا منشأة بالحجر، لكنها حاولت أن تنتزع حقها في التعبير السلمي. منذ أن تم القبض على «يارا» والأب الشاعر يعد الأيام التي تمر، والشموس التي تضيء الكون، دون أن يرى وجه الابنة الحبيسة، ففي اليوم الثالث والخمسين يكتب «سلام»: «ولدت في الهواء الطلق/ تعلمت – في المهد – لغة الطير/ وما تقوله الأشجار للأشجار/ عرفت لغة الينابيع الخفية/ وأغاريد العصافير المرفرفة/ وحين بدأت أغنياتها/ اعتقلوها». وجه يارا أضاف إلى الشعرية العربية بابا – ربما لا يبدو جديدا – وهو: كيف تصعد الكلمة سورا يحول بينها وبين الحرية، وجه يارا الآن فكرة لا تخصها وحدها، إنها تخص الباحثين عن موطئ قدم لأحلامهم، «وجه يارا» صفحة على الفيسبوك وكتاب، يقف وراءه الشاعران محمد حربي ومها شهبة، من خلال دعوة الجميع للمقاومة بالكتابة. وجه يارا سلام وصورة الشاعر عمر حاذق خلف القضبان، يفتحان نافذة للحرية، فلا تغلقوا الباب أمام المستقبل.