ما إن بدأ زميلى بالتقاط الصور لتلال القمامة التى حاصرت تلك الأبنية الأثرية العتيقة فى شارع الأشراف بحى الخليفة، حتى انهالت أسئلة الأهالى حول الهدف من التصوير، فأجبنا ببساطة: لنشرها فى صحيفة الأهرام، فكان تعقيبهم ابتسامات «ساخرة» مصحوبة بتعليقات تقلل من شأن ما ننوى فعله، ف»الكثير من الصحفيين يتوافدون باستمرار على المكان، ويقومون بتصوير مظاهر الإهمال التى لحقت به على مدى الأعوام الماضية، دون نتيجة تذكر».. هكذا أخبرونا. شارع «الأشرف» نسبة الى الأشرف خليل أبرز سلاطين الدولة المملوكية، أو «الأشراف» كما يحلو لسكانه تسميته، هو ذلك الشارع الذى يمتد من ميدان السيدة نفيسة وحتى مشهد السيدة رقية، ثم يبدأ شارع الخليفة الذى ينتهى بالتقاطع مع شارع الصليبة. حيز عمرانى يحوى كنوزا أثرية معظمها أضرحة لآل بيت النبي، فضلا عن أبنية تعود للعهد الأيوبى والمملوكي، الا أن جولتنا اقتصرت على شارعى الأشرف والخليفة ،حيث راعنا حال قبة ومدرسة فاطمة خاتون وقبة الأشرف خليل، بعد ان غرقتا فى المياه الجوفية وأكوام القمامة. هناك من تحرك لانقاذ ذلك الشارع الممتد والذى لا يقل فى أهميته التاريخية عن شارع المعز، وكانت هناك بالفعل خطط حكومية كثيرة لتحويل حى الخليفة عموما الى مزار سياحي. الا ان المبادرة هذه المرة جاءت من قبل المجتمع المدنى من خلال مشروع «الأثر لنا «، وهو فكرة الدكتورة مى الإبراشي- أستاذة العمارة بالجامعة الامريكية، بالتعاون مع عدد من الجهات المانحة ومجموعة من الشباب المتطوع. جزء من المشروع يهدف الى ترميم تلك الأبنية الأثرية، وبالفعل تم البدء فى ترميم قبة شجرة الدر، بالإضافة الى ترميم مبنى قديم لم يكتمل بناؤه وتم تخصيص جزء منه كمستوصف يخدم أهالى المنطقة بأسعار رمزية. لكن السؤال: هل سيكون لأجهزة الدولة أى دور ، سواء كانت وزارة الأثار او محافظة القاهرة؟! د. ريهام عرام- مديرة وحدة القاهرة التراثية بالمحافظة- أكدت لنا أن المحافظ وافق بالفعل على خطة لتطوير شارع الأشرف بالكامل خلال العام الحالى ، وستكون هناك مخصصات مالية لهذا الغرض فى ميزانية العام الجديد، خاصة من أجل تطوير البنية التحتية. اما عن مشكلة القاء القمامة فوصفتها ب»المزمنة»، وقالت:» بعد أن استطلعنا آراء الأهالى عن الأماكن المناسبة لهم لإلقاء القمامة والاتفاق عليها بالفعل، التزموا بها لفترة ثم عادوا لإلقائها فى الشارع من جديد، وهناك أكثر من مقترح تتم دراسته حاليا بهدف جعل الشارع مزارا سياحيا ، بالتعاون مع وزارة السياحة والمجتمع المدنى ، اما بالنسبة لأعمال الترميم فهى مسئولية وزارة الآثار». ازمة مالية وبالفعل تواصلنا مع محمد عبد العزيز -مدير مشروع القاهرة التاريخية- فأفصح لنا عن أزمة مالية حقيقية تواجه وزارة الآثار، نجم عنها توقف الكثير من مشروعات الترميم على رأسها 16 مشروعا فى منطقة الدرب الاحمر، ومع ذلك - كما يقول عبد العزيز- كان شارع الأشرف اكثر حظا، لتوافر مصادر التمويل من قبل ثلاث جهات هى صندوق السفير الأمريكى ومركز البحوث الأمريكى ووزارة الاسكان، حيث تم البدء فى ترميم قبة شجرة الدر وقبة السيدة رقية ،وقبة الجعفري، ويتابع:» خلال العام الحالى سنبدآ فى ترميم قبة صفى الدين جوهر من صندوق السفير الامريكي، ثم قبة ومدرسة فاطمة خاتون والاشرف خليل فى يوليو المقبل، حيث ستوفر لنا وزارة الاسكان 20 مليون جنيه، وهدفنا ان يتحول الشارع الى مزار لمشاهد آل البيت على غرار شارع المعز، كما ننوى استغلال الأرض المحيطة بمشهد السيدة رقية لبناء مجمع خدمات لأهل المنطقة». اما بالنسبة لمشكلة القمامة فيكشف عبد العزيز عن أنه سيتم قريبا انشاء وحدة فى محافظة القاهرة مختصة بنظافة حرم المناطق الأثرية، لتكون المسئولة بشكل مباشر عن نظافتها، واضاف:» نتعاون مع المجتمع المدنى فيما يخص توعية أهالى المنطقة بقيمة الآثر التاريخية وضرورة الحفاظ عليه، بحيث يكونوا هم الاحرص على سلامته فيما بعد انتهاء عمليات الترميم، حتى لا تتدهور حالتها من جديد». مدير مشروع القاهرة التاريخية أبدى أسفه لعدم قدرة الوزارة حاليا على القيام بالدور المنوط بها من ترميم للمبانى الاثرية بسبب نقص التمويل، وهنا تتضح المفارقة ،ففى بلد يتباهى بما يمتلكه كما هائلا من الكنوز الأثرية، تعانى وزارة الآثار به من عجز مالى ضخم، فبينما تقتصر موارد الوزارة سنويا على 125 مليون جنيه، فإن مرتبات العاملين وحدها تبلغ 700 مليون جنيه، تتكفل بها وزارة المالية حتى بلغت مديونيات الوزارة 2مليار جنيه، بينما كانت موارد الوزارة قبل ثورة يناير تبلغ مليارا و300 مليون جنيه ولا تتجاوز قيمة المرتبات 320 مليون جنيه.