افتُتِحَ هذا العام بإجتماع ذكرى مولدىّ سيدنا محمد والمسيح فى نفس الأسبوع.. فى أوله مولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .. و فى آخرة ميلاد سيدنا المسيح عليه وعلى أمه الطاهرة الصلاة والسلام. ولعله لفأل طيب! جعلها الله تعالى بشرى وأملا فى عام أفضل لجناحى أمتنا العربية (المسلمون والمسيحيون) التى أثخنتها الجراح فى العام الماضى ولاتزال ! فى مثل هذه الأيام فى بيت لحم من فلسطين الأسيرة.. كانت معاناة السيدة مريم العذراء مع المعجزة الكبرى والابتلاء الكبير بميلاد المسيح عيسى بن مريم بغير أب والتى من شدة معاناتها خوفا من سوء ظن قومها بها تقول "يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا" وتضطران تهرب بوليدها خفية وتأتى به إلى مصر. والعجيب ان يخرج علينا فجأة وبعد عشرون قرنا من الزمان من يثير الفتن ويدعىّ أن المسيح لم يولد فى 7 يناير كتوقيت المسيحيين الشرقيين ولا فى 25 ديسمبر كتوقيت المسيحيين الغربيين.. بحجة أن النخلة التى وَضَعَتْ عندها السيدة مريم كانت تطرح لها رطبا.. والشتاء ليس موسم طرح الرطب.. وعليه فقد ولد المسيح فى فصل الصيف؟!! حقا إن النخل لا يطرح فى الشتاء.. وأيضا أن المولود لابد له من أب وأم !!! فهل تقبل عقولهم معجزة أن يولد المسيح بغير أب ولاتقبل أن تطرح النخلة فى الشتاء؟!! وهل من فعل هذه لايستطيع أن يفعل تلك؟!! والدليل على أن طرح النخلة معجزة للسيدة مريم.. وكذلك شق جدولا من الماء لتشرب وتغتسل منه.. واضح من سياق الآيات..فيقول تعالى" قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا.قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا.فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا.فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا.فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا.وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا". والسرىّ:هو الجدول أوالنهر الصغير من المياه الجوفية. والذى ناداها من تحتها هو المَلَك وليس سيدنا عيسى كما يعتقد البعض.. فسيدنا عيسى لم يتكلم إلا عند مواجهة قومها ليُبَرِأْها. ولوكان النهر والرطب موجودين عند مجيئها لهذا المكان وقبل الميلاد.. فلماذا كان سيأتيها المَلَك وينادى عليها ليُعْلِمها بوجودهما وهى تراهما بأعينها ؟!! يقول تعالى" فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ".. والمناداة تشيرإلى أنه كان فى مكان يبعد عنها نسبيا وإلا كان سيحدثها مباشرة بغير نداء.. ف"تحتها" بمعنى انه فى موقع منخفض عن الموقع التى هى فيه..كأن تكون عند ربوة مثلا وهو فى واد منخفض بعض الشىء.. وليس تحتها تعنى أنه أسفل منها مباشرة.ولقد استُعمل نفس لفظ تحتها ايضا لتحديد موقع المياه فقال لها " قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا " فكأن الملك كان تحت الهضبة عند موضع الماء.. يناديها ليطمئنها وليريها الماء الذى فجره الله تعالى لها ولينبئها أيضا بحال جذع النخلة الذى كان يابسا وان الله تعالى قد جعله مثمرا.ويفهم من قوله " قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ " إنه شىء جعله الله تعالى خصيصا لها ولم يكن موجودا من قبل وكان من الممكن ان يجعلها الله تعالى تذهب بداية إلى مكان به ثمر وماء لكنه سبحانه أراد أن يؤنسها ويذهب وحشتها بأن يرزقها بغير حساب ولا موسم ولا أوان كما عوَّدها فى بيت زوج خالتها سيدنا زكريا " كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ".وياليتنا نتعلم من هذه الذكرى ان المعجزات والخيرات تأتى من باطن مانراه محن وآلام.. لنصبر ونرضى ولانيأس من رحمة الكريم الحكيم . وفى هذه الذكرى الطيبة فلنقرأ الفاتحة لكل من السيدة مريم وسيدنا المسيح ونصلِّى عليهما ونسلم مع صلاتنا على المصطفى صلى الله عليه وسلم .. فكما ذكرنا فى مقال الأسبوع الماضى ان الله تعالى يصلِّى على المؤمنين فما بالنا بالمسيح وسيدة نساء العالمين التى قال فيها تعالى " يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ". فقصر الصلاة والسلام على سيدنا محمد..مجرد عرف اتفق عليه الفقهاء كخصوصية لسيدنا محمد.. تكريما وتمييزا له عن سائرالبشر.. لكن الله تعالى يُصَلِّى على جميع المؤمنين. [email protected] لمزيد من مقالات مايسة عبد الرحمن