عيد الميلاد هو عيد الفرح، إنه أولا فرح السماء التى تحقق مشروعها الإلهى الخلاصى بتفقد الله الخالق لخليقته، وإعادة وصل العلاقة التى انقطعت بينهما بفعل الأعمال الشريرة التى قامت بها هذه الخليقة وذكر انها الجميل لعطاياه تعالي. فى قلب الليل وظلامه منذ 2014 سنة، «أشرق على الرعاة البسطاء، نور مجد الرب» (لوقا 1: 9)، وجاءت الملائكة تعلن لهم الخبر السار، ومن خلالهم للعالم كله، وفى الوقت نفسه ظهر فى المشرق، نجم فريد من نوعه قرأ فيه العلماء الوثنيون ميلاد ملك الأزمنة الجديد.. فى أيام الملك هيروداس، إذا مجوس قدموا أورشليم من المشرق وقالوا: «أين ملك اليهود الذى ولد؟ فقد رأينا نجمه فى المشرق، فوجئنا لنسجد له»، كلهم تركوا كل شيء، الرعاة الفقراء من قريب، (متى 2: 1 2). والمجوس العلماء الأغنياء من بعيد، وأتوا إلى بيت لحم. سجدوا للطفل، وأهدوا إليه ذهبا وبخورا ومرا، قدموا إليه هدايا حبهم وإيمانهم ورجائهم، فبادلهم المشاركة فى الطبيعة الإلهية. (متى 2: 11). نحن فى بلدان هذا المشرق وفى عالم الانتشار، ننحنى ونسجد مثلهم أمام مغارة الميلاد، لنستنير من نور الحقيقة التى أعلنت للعالم، ونتقدس بنعمة الحياة الإلهية المعطاة لنا «فمن ملئه نلنا بأجمعنا نعمة على نعمة» (يوحنا 1: 16). أحبائي: الميلاد بركة خاصة لكل عائلة من عائلاتنا البشرية، أباء وأمهات وأبناء. أليس الله من جمعها فى البدء وأعلن فى الإنجيل المقدس «ما جمعه الله لا يفرقه إنسان» (متى 19: 6)، لقد خلق الله النظام فى الكون منذ إنشاء العالم. وهو الذى يمنح لكل أب صفة الأبوة التى تتكلم عن أسرار الأب فى أبوته. ولكل أم صفة الأمومة التى منحت للكنيسة ولأم الكنيسة العذراء مريم. لقد اختار أن يستقبل على الأرض فى أجواء عائلية تكرس قدسية العائلة وتظهر عظمتها فى تدبير شئون الخليقة. فكانت لنا أجمل إلتفاتة من السماء بعطيتها مريم العذراء التى اختارها أما وجعلها الأجمل والأطهر بين النساء. ويشرق ميلاد السيد المسيح بأنواره على العالم وشرقنا خاصة. أفلا يحمل طفل المغارة، ملك السلام رسالة يخصنا بها نحن أبناء الشرق، وبركة يغدقها علينا بفيض من محبته؟ هذا الشرق الذى يعطى رسالة للعالم فى العيش المشترك الحر والكريم بين مسيحييه ومسلميه والاحترام الذى يكنه أحدنا للأخر فى حياتنا الاجتماعية والانسانية والوطنية يجب أن يبقى قاعدة راسخة من قواعد سلوكنا وعاداتنا وتقاليدنا. فالمسيح الذى هو الحق يبارك مساعينا فى وحدتنا وتضامننا، ويقول لنا: ان لا خلاص لنا دون أن نجتمع على الحب المتبادل والثقة الراسخة فى العقول وفى القلوب. ودون أن يضمنا فى النهاية مصير واحد مشترك. فالندرك إدراكا واعيا أن لا قيمة لأوطاننا وشرقنا ولا لطوائفنا فى ميزان الحضارة وفى مصير الأمم ما لم نكن وطنا واحدا وشعبا مبنيا على المودة والصفاء والاخلاص. فليكن فينا من الحب بعضنا مع بعض ما فى المسيح صاحب هذا العيد. فالحفاظ على تنوعنا ووحدتنا هو الطريق الذى لا طريق غيره لانقاذ بلادنا وشرقنا والعالم من الحروب والإرهاب. ولا شك أن طفل المغارة يرنو بعين حبه فى هذا اليوم الأعز إلى البلدان العربية التى تعيش اليوم تحولات تاريخية خطيرة. هو الذى أراد أن يولد فقيرا فى إسطبل حقير، والذى قبل فيما بعد أن يحمل صليب الفداء حبا بكل إنسان، لابد أن يقول لنا ولإخوتنا من حولنا، على تنوع أفكارهم ومعتقداتهم ومواقعهم، إتقوا الله وارفعوا يد الحقد والبغض وكفوا عن القتل وابتروا الحرب وازرعوا السلام لأنكم أبناء الله. المسيح المولود فى مذود، هو الرجاء المستعاد للبشرية، وهو الذى يمنحنا قوة العمل فى سبيل الخلاص، فلا تضعف فى الدرب قوانا ولا نستسلم لليأس ولا للإحباط. إنه الربيع الحق المطل على العالم. ربيع الحب والتضامن والحرية والسلام، ولن يكون فى الدنيا ربيع إلا بروحه ومحبته. إننا نتطلع معكم، عبر تمنيات الميلاد والسنة الجديدة 2015، وإلى ولادة ربيع عربى حقيقى ربيع سلام ومحبة واستقرار قائم على تعددية الأديان والديمقراطية وقبول الآخر بعيدا عن المصالح والسيطرة والاستغلال. نهنئ رئيس الجمهورية وحكومته الرشيدة وكل المسئولين فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتربوية.. طالبين من الله أن ينعم عليهم روح الحكمة والفطنة والغيرة ليقودوا بإخلاص وضمير حى دفة الحكم لما فيه خير وتقدم وازدهار البلاد. فلنا ولجميع الناس فى ظلمات هذا العالم يتجدد إعلان السلام: «لا تخافوا، ولد لكم اليوم مخلص». لمزيد من مقالات المطران كريكور أوغسطينوس كوسا