اجتمعت عوامل أربعة لتحيط بلقاء الرئيس باراك اوباما وبنيامين نيتانياهو في واشنطن: الأول هو الفوز الساحق الذي حققه اوباما بموافقة الكونجرس الامريكي علي قانون الرعاية الصحية الذي راهن عليه منذ توليه منصب الرئاسة, والذي حقق له ترسيخ موقفه الداخلي قبل انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشيوخ الأمريكي, والثاني هو الخطاب الذي القاه بنيامين نيتانياهو امام مؤتمر لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية الايباك والتي تمثل قلعة اللوبي الصهيوني الأمريكية والذي جاء قبل لقائه مع الرئيس أوباما بيومين وصرح فيها بأن البناء في القدس هو بناء في عاصمة إسرائيل وليس في المستوطنات وبذلك فقد اعاد نيتانياهو للمرة الثانية نفس الجفوة التي ارتكبها مع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما اصدرت الداخلية الإسرائيلية قرارا ببناء1600 وحدة سكنية في منطقة الشيخ جراح بشرق القدس والتي تخطط إسرائيل لتكون اكبر مستوطنة في القدس علاوة علي20 وحدة جديدة اعلن عنها اثناء زيارة نيتانياهو لواشنطن, اما العنصر الثالث فهو اجتماع قمة سرت العربية والتي اقترحت مصر ان تكون قمة القدس, لتبحث في كيفية الحفاظ علي مدينة القدس قبل ان تهود بالكامل في غضون2020 والعامل الرابع هو هبة الكرامة الانجليزية والاسترالية ضد إسرائيل والتي تم بمقتضاها طرد دبلوماسي إسرائيلي من بريطانيا لاتهامه بانه المرتب لتزوير جواز السفر البريطاني الذي استخدم في قضية اغتيال محمود المبحوح ومشروع السلطات الاسترالية في طرد اسرائيليين من أراضيهم لتزوير جواز سفر استرالي استخدم في نفس القضية, اما عن المانيا فقد تردد ان المستشارة الالمانية انجيلا ميركيل قد اعترضت علي تسريب إسرائيل لحديث سري تم بينها وبين مسئولين إسرائيليين دون اذن منها. واما عن الموضوع الأول وهو الفوز الذي حققه اوباما في الكونجرس فقد وصفه مسئول أمريكي بانها شحنة ادرينالين زائدة اعطت اوباما بأسا وحده لملاقاة خصمه نيتانياهو الذي خذله في موضوع وقف المستوطنات بعد ان استقر الرأي بينهما علي اهميتها لدفع المحادثات التي يجريها ممثله الشخصي جورج ميتشيل للشرق الأوسط, ويلاحظ جميع المراقبين السياسيين والإعلاميين ومنها جريدة يديعوت احرونوت الإسرائيلية ان الاستقبال الذي تم لرئيس الوزراء الإسرائيلي كان متدنيا للغاية, سواء من حيث التغطية الاعلامية أو الاهتمام الشخصي من جانب الرئيس أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي, وضربوا مثلا علي ذلك بعدم التقاط صورة تجمع بين الرئيسين, كما وان الرئيس الأمريكي قد اعتذر للضيف الإسرائيلي ووفده ليتناول العشاء مع زوجته وكريمتيه وهو اجراء غير مسبوق كما انه لم يصدر اي بيان صحفي عن اللقاء الذي تم بينهما ودام90 دقيقة خلافا لاجتماع الوفدين الذي استمر قرابة الستين دقيقة, وذكرت مصادر شبه موثوق فيها, ان الرئيس الأمريكي قد تقدم بعدد13 مطلبا لإسرائيل, متوقعا ردا ايجابيا عليها ومنها: مواصلة تعليق البناء في المستوطنات بعد انتهاء مهلة الشهور العشرة في سبتمبر المقبل, وعدم البناء في القدسالشرقية أو الاحياء الفلسطينية, ونقل مناطق اخري في الضفة الغربية للسيطرة التامة للسلطة الفلسطينية اي انسحاب الجيش الإسرائيلي لمواقعه عشية انتفاضة عام2000 والافراج عن الف من الاسري الفلسطينيين, وان تعرض إسرائيل مواقفها في شأن الحدود واللاجئين والقدس في وقت قريب, واخيرا ان توافق إسرائيل علي استكمال محادثات الحل الدائم في غضون عامين.. ويزيد من اوراق الضغط التي قد يمارسها الرئيس الأمريكي علي الجانب الإسرائيلي وفقا لتعليق المحلل السياسي المعروف لجريدة يديعوت احرونوت شمعون شيفر ان إسرائيل تخشي ان تبحث الادارة الأمريكية خلال المؤتمر الذي يعتزم الرئيس الأمريكي عقده في غضون اسابيع حول الحد من انتشار الاسلحة النووية, موضوع السلاح النووي الإسرائيلي وهو ما لايتوافق مع اتفاقات امريكية إسرائيلية بعدم التطرق لهذا الملف.. ويري المحللون السياسيون ان موقف بنيامين نيتانياهو الحالي بات في غاية الصعوبة والحرج, وان موقف الرئيس باراك أوباما يتسم بالتشدد, بهدف الضغط علي الحكومة الإسرائيلية وتحديدا نيتانياهو لعدم التلاعب بعنصر الوقت وانتهاج سبيل جدي لتحريك الموقف. اما العنصر الثاني وهو خطابه في الايباك والذي ركز فيه علي ان الاعمار في القدس حق لإسرائيل باعتبارها عاصمة إسرائيل, فان الجانب الأمريكي يعتبره خروجا صريحا علي النص, لان الاتفاق بين الجانبين كان محددا وقاطعا باعتبار ان موضوع القدس يلزم ان يتم عبر المفاوضات والاتفاق بين الطرفين عليه, ومن ثم فقد ووفق علي جعله آخر نقطة للمحادثات.. وعليه, فان القطع بهذا الأمر من جانب إسرائيل وقبل زيارة الرئيس باراك أوباما إلي اندونيسيا مسقط رأسه وأكبر دولة إسلامية في تعداد المسلمين وبعد تهويد الحرم الابراهيمي ومسجد بلال ابن رباح, واعتباره من الاثار الإسرائيلية, يعد احراجا مباشرا لعلاقة اوباما بالعالم الإسلامي والوعود التي قطعها علي نفسه في خطابه بجامعة القاهرة في5 يونيه2009. وجاءت قمة القدس بسرت, لتضع العالم العربي في احرج مواقفه بالمطلوب منه في هذه اللحظة, خطوات عملية وإيجابية تمنع تهويد وضم القدس لإسرائيل, وسيكون هذا المؤتمر للقمة العربية هو اهم مؤتمر علي مدي السنوات الخمسين السابقة يتعامل مع قضية القدس. فالتمسك بالقرارات السابقة لن يجدي فتيلا, والوعد بالمساعدات المالية, والمطالبة بجمع الشمل الفلسطيني دون طرح الآليات هو اسلوب خطابي لايتناسب مع مجريات الاحداث.. وحبذا لو اسفرت قمة القدس بسرت علي احالة موضوع الاستيطان الإسرائيلي للقدس تحديدا إلي محكمة العدل الدولية, وتحريكها كبند اساسي في مجلس الأمن الآن, وحضور العديد من وزراء الخارجية العرب للجلسة التي سيطرح فيها هذا الموضوع, والمشاركة العربية الفعالة في تقديم أوراق مدروسة ومحققة وقوية في جلسات محكمة العدل الدولية اسوة بمذكرات الدفاع القيمة التي قدمتها وفود فلسطين والاردن وجامعة الدول العربية في قضية السور العنصري الإسرائيلي, ويجدر الاشارة هنا ان الحكم الذي صدر عن محكمة العدل الدولية حول السور العنصري الإسرائيلي, يعد وبحق اقوي وثيقة اكدت وأصلت الحقوق العربية في فلسطين بكل ثقة واقتدار, ولم يستفد منها الجانب العربي.. ولكم اتمني ان تحقق قمة سرت انفراجا في العلاقات العربية المتخاصمة والمتناحرة, فالوقت لم يعد يحتمل الفرقة, فالشرق الأوسط يتغير, ولاعبوه يتبدلون, واخشي ان يجلس اللاعب العربي في المستقبل المنظور علي كرسي الاحتياط. واخيرا فكم أتمني ان تنجح قمة سرت في اعطاء دفعة لموقف عربي قوي ومتماسك ومدروس, يدعم من وضعية الرئيس باراك اوباما, وجورج ميتشيل, ويزكي من سوء موقف إسرائيل بعد احداث اغتيال محمود المبحوح, والهجمة البريطانية الاسترالية, واستياء انجيلا ميركل من موقف إسرائيل وكشف حديثها السري دون استئذان.. فلنحاول ولو مرة ان نلعب علي اخطاء الخصم.. فلربما ننجح!! المزيد من مقالات محمود شكري