مع أقتراب شهور الربيع وهي التي تنبأ وزير الدفاع الأمريكي, ليون بانيتا منذ حوالي عام بأن إسرائيل ستقوم خلالها بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية يبدو أن تلك النبوءة في طريقها للتحقق وأن بانيتا لم يكن يقرا الغيب ولكنه كان يتحدث عن معلومات حقيقية تمتلكها أجهزة. المخابرات والإستخبارات الأمريكية فمع بدء العد التنازلي للربيع تشهد الأجواء سخونة غير مسبوقة في التصريحات الإسرائيلية ضد إيران تصاحبها تسريبات إعلامية عن وجود خلافات كبيرة بين واشنطن وتل أبيب حول جدوي الحرب وتوقيتها ويبدو منها وكأن إدارة الرئيس باراك اوباما تحاول دون جدوي إقناع حكومة بنيامين نتنياهو بأن الخيارات الأخري لمواجة برنامج إيران النووي مازالت قائمة ويمكن أن تؤثر. وقبل أن نخوض في مبررات إسرائيل لشن الحرب وإستعداداتها لها فمن الضروري أن نشير إلي شيء هام وهو أنه يبدو من خلال التسريبات الحالية أن تل أبيب تري ان الأجواء العالمية مناسبة لشن تلك الحرب فحلفاء طهران في المنطقة العربية مثل سوريا وحزب الله وحماس في اوضاع لايحسدون عليها وبالتالي فقدرتهم علي المساندة باتت محدودة للغاية ولو اخذنا كل طرف علي حدة سنتاكد من ذلك ففي دمشق يقف نظام الرئيس بشار الأسد شبه وحيد في مواجهة العالم وكل مايهمه الان هو النجاة وبالتالي فقد بات تعويل الإيرانيين عليه لفتح جبهة متقدمة ضد إسرائيل بمثابة ضرب من الخيال ومن المعتقد أن صفقة ما تجري بين الأسد والأمريكيين حاليا لترويضه والإبقاء عليه مؤقتا لكي ينعم بالخروج الامن ولذلك بدأت واشنطن ترفض علنا تسليح المعارضة السورية. وبالنسبة لحماس فالواضح وكما قال الصحفي عبد الباري عطوان بأنها انتقلت لمعسكر الأعتدال تحت وطأة الخلافات الداخلية التي بدأت تظهر فيها من ناحية وإغراءات الحصول علي الإعتراف الدولي من ناحية اخري ولعل أتفاق الدوحة كان من أكبر الأدلة علي ذلك فقد نجحت قطر في أقناع السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة بقبول تكليف الرئيس محمود عباس( أبومازن) برئاسة حكومة التكنوقراط علاوة علي رئاسته للسلطة رغم أن الحركة كانت تتهمه منذ أشهر قليلة بأنه أداة في يد الأحتلال وتعتبره خطرا علي القضية الفلسطينية وجاء هذا التكليف والذي أدي لزيادة الخلافات داخل الحركة في ظل أغراءات قطرية بمساعدات مالية سخية والعمل علي جعل الولاياتالمتحدة وأوروبا تعترفان بحماس التي باتت الان جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية كما أن إعلان رئيس وزراء حكومة حماس في غزة السيد إسماعيل هنية عن تأييده لأنتفاضة الشعب السوري وذلك خلال الكلمة التي القاها في الجامع الأزهر في24 فبراير الماضي جاء بمثابة رسالة لطهران بأن حماس خرجت فعليا من معسكر الممانعة بإنقلابها العلني علي النظام السوري الذي كان أبرز الداعمين لها وكان بأمكان الحركة ان تلوذ بالصمت حيث لم يكن مطلوبا منها غير ذلك ولكن الصراع علي خلافة مشعل والذي بدأ مبكرا القي بظلاله علي زيارة هنية للجامع الأزهر وكانت كلمته بمثابة إعلان وفاة للتحالف السوري الإيراني مع حماس وتأكيد واضح علي براجماتية الحركة فيما يتعلق بالوضع الإقليمي وأعتراف واضح بأن العلاقة مع الدول الخليجية مقدمة علي العلاقة مع طهرانودمشق. أما فيما يتعلق بحزب الله فأحتمالات مشاركته في الرد علي أي عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران تبقي محدودة في ظل أحتمالات أن يعطي تدخله المبرر لإسرائيل لتوجيه ضربة غير مسبوقة له او علي الأقل لمناطق هيمنته بالجنوب اللبناني تفوق ماحدث في عام2006 عندما كانت واشنطن وأوروبا تضغطان علي تل أبيب كي لاتتمادي بشكل يؤدي إسقاط حكومة فؤاد السنيورة المدعومة من الغرب ولو أخذنا مسألة إغتيال إسرائيل لعماد مغنية القائد العسكري لحزب الله نموذجا يمكننا أن نتوقع إمكانية أن يكون للحزب الرغبة في عدم فتح أبواب جهنم حتي ولو كان يمتلك ترسانة صاروخية مؤثرة ولكنها ليست حاسمة ولاتعطي الحزب شهادة مسبقة بالنصر. وكذلك فمن الطبيعي أن يدرس حزب الله خياراته ومنها عدم الرغبة في اعطاء إسرائيل المبرر لطلب العون العسكري الأمريكي والدخول مباشرة في المعركة لتتحول إلي حرب شاملة وهو ماتريده تل ابيب للقضاء علي أعدائها مستغلة التفوق الكاسح لها وللولايات المتحدة في القدرة النيرانية. ويبقي لحزب الله مبرر ثالث لعدم التورط وهو صعوبة الوضع الداخلي في لبنان فهناك قضية أتهام عناصر من الحزب في إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري والتي تجعل الوضع الداخلي متوترا بشكل دائم ويمكن ان يدفع أطرافا داخليا للتحالف ولو غير المعلن مع إسرائيل في حالة الحرب مع حزب الله والأنقضاض علي مناطق نفوذه. وعودة لإسرائيل فمن المؤكد انها قد جهزت نفسها عسكريا للمواجهة المرتقبة مع إيران والتي تعمل جاهدة علي أن تكون من جانب واحد بحيث توجه ضربة قاصمة لمنشات البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين تعيدهما للوراء لعشر سنوات علي الأقل وتجعل في الوقت ذاته طهران غير قادرة علي الرد الفوري وبالتالي يكون الزمن كفيلا بغلق الملف من خلال دفع الإيرانيين للإنقلاب علي النظام الذي تسبب في إذلالهم. وطبقا للمعلومات المتوافرة فإن إسرائيل اتمت بالفعل تجهيز عدد كبير من الطائرات القادرة علي قصف المنشات الإيرانية وخاصة الطائرات القاذفة وطائرات التزود بالوقود جوا مع الأخذ في الإعتبار تطوير قنابل ثقيلة قادرة علي اختراق المنشات النووية الإيرانية المدفونة في أعماق الجبال بقم وأصفهان وناتانز. ولكن العامل الأهم لدي إسرائيل هو مدي قدرتها علي تحمل أي رد إيراني محتمل فمن عدم وجود أي إمكانية لنشوب حرب برية بين البلدين لعدم وجود حدود مشتركة وللفوضي التي تعيشها سوريا والخروج الامن لغزة وجنوب لبنان من المواجهة تحت ظل ضغوط الواقع يبقي الجو هو الميدان الوحيد للقتال ورغم التفوق الإسرائيلي التقليدي فيه إلا أن هذا كان لايمنع من وجود مقدرة إيرانية علي الرد سواء بغارات جوية أو قصف صاروخي من صواريخ طويلة المدي كشهاب3 أو متوسطة وفي الغالب من لبنان كصواريخ زلزال وسكود معدل وصواريخ قصيرة مثل القسام وقذائف كاتيوشا مطورة ولذلك عملت الصناعات الجوية الإسرائيلية المدعومة بالخبرة الأمريكية علي مدي السنوات المضية للبحث عن حل لكل مأزق صاروخي فبطاريات باتريوت الحديثة مهنتها التصدي لشهاب وزلزال وسكود ومنظومة القبة الحديدية للتصدي للقسام والكاتيوشا وكذلك منظومة معطف الريح للتصدي للقذائف المضادة للدبابات والاليات وقبل كل ذلك تأتي صواريخ اريحا أو أرو لضرب اماكن إطلاق الصواريخ في العمق الإيراني ولم تكتف الالة العسكرية العدوانية الإسرائيلية فقط من تجهيز الجيش لحرب جديدة ولكنها عملت أيضا علي تجهيز السكان لإحتمالات الحرب باجراء العديد من التدريبات علي الإخلاء السريع وتوزيع الأغذية والمؤن وحتي تحمل الخسائر وذلك من خلال التأكيد الدائم علي أن طهران تمثل خطرا وجوديا علي الدولة اليهودية وبالتالي فالمبادرة بمحاربتها ضرورة حتمية. والحقيقة التي تجعلنا نتوقع حدوث مواجهة عسكرية بين إسرائيل وإيران هي أن المبدأ الذي تقوم عليه العقيدة الإسرائيلية يقول ان هزيمة عسكرية واحدة تعني نهاية الدولة العبرية المحاطة بالاعداء من كل جانب وهذا هو نفس المنطق الذي خاضت به حروبها العدوانية السابقة ولذا فإن مجرد استمرار إيران التي يحكمها إسلاميون في برامجها العسكرية ولو بدون برنامج نووي عسكري سيعطي إسرائيل مبررا لشن الحرب ولو عارض ذلك أصدقاؤها الأمريكيون في البداية لأنهم سيقفون معها في النهاية وربما يحاربون معركتها كما يحدث دوما ويبقي هناك سؤال وهو: متي تشن إسرائيل هجومها علي إيران ؟.