تعكس زيارة الرئيس السيسى للصين أهمية تنمية العلاقات المصرية الصينية بحيث أصبحت الدائرة الآسيوية تشغل حاليا أهم مواقع الصدارة فى السياسة الخارجية المصرية، وأضحت من بين أهم شواغل المحللين السياسيين. ولعل مما تجدر الإشارة إليه ان هذه العلاقات تعكس فى مجملها حرص مصر حاليا على تحقيق نوع من التوازن الفاعل بين دوائر سياستها الخارجية فى إطار مابات يعرف بسياسة التوجه شرقا وذلك فى محاولة لتجاوز محاذير الاستناد الى محور واحد متمثلً فى الغرب بما يمكن ان يشكل عائقا للتنمية المنشودة فى هذه المرحلة الفارقة. هذا ولا يخفى عن الأعين ان هناك أمثلة كثيرة من دول سبقتنا فى هذا المجال وحققت طفرة تنموية هائلة على غرار ماليزيا التى انتهجت سياسة التوجه شرقاً (Look East Policy) تأكيداً على أهمية التعاون مع كل من الصينواليابان لحفز قاطرة التنمية فى هذه الدولة وهو ماشهدته بنفسى من خلال زياراتى المتعددة لماليزيا للمشاركة فى عدد من المؤتمرات فى إطار برنامج الدراسات الماليزية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والذى أتشرف بإدارته حيث طالما قيل لى انه يتم إرسال طلبة ماليزيين للتعلم فى اليابان وليس فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفى إطار هذا السياق تتبدى جلياً أهمية الحديث عن هذه السياسة لما يمكن أن تتحققه من مصلحة متبادلة بين الطرفين خاصة ان الصعود الصينى بات يمثل أحد أهم التغيرات البنيوية فى النظام الدولى التى تعكس تنامياً للدور الصينى على كل من الصعيد الإقليمى و الدولى. .ومن هذا المنطلق تأتى الزيارة المرتقبة للرئيس المصرى الى الصين فى فترة حرجة تتكثف من خلالها الجهود لدعم الاقتصاد المصرى وجذب الاستثمارات، كما تجىء أهمية استجلاء السياسة الخارجية المصرية تجاه الصين بالأساس من أن الصين باتت تعد بين مصاف الدول الكبرى فى عالمنا المعاصر ليس فقط نتيجة قدراتها العسكرية الهائلة التى جعلتها تشغل المكانة الثالثة من حيث القدرة النووية وإنما لشغلها نفس المكانة من حيث مستوى حجم الناتج القومى الاجمالى ناهيك عن القوة الديموجرافية التى تتمتع بها نظرا لعدد سكانها الذى بلغ مليارا 400 ومليون نسمة. هذا ويمكن القول إن هذا الاهتمام الذى توليه القيادة السياسية تجاه الصين ينبع من عدة أسباب أهمها: أولاً:إدراك مكانة الصين التنموية علاوة على وقوفها إلى جانب القضايا العربية فضلاً عن عدم وجود رواسب تاريخية سلبية فى العلاقات بين الجانبين أو خلفيات استعمارية مقارنة بعلاقاتها مع الدول الغربية، حيث تختلف نظرة القيادة السياسية المصرية إلى الصعود الصينى عن القوى الأخرى، ففى حين تنظر هذه الدول الى الصعود الصينى بقدر من التوجس تنظر القيادة المصرية لهذا الصعود من منطلق أن الصين دولة صديقة، فكلما ارتقت الصين كان لذلك مردود ايجابى بما يعنيه ذلك من امكانية اللحاق بركب التنمية والتقدم الى مصاف الدول المتقدمة. ثانيا: يرجع هذا الاهتمام الى أن مصر أصبحت تدرك بما لا يدع مجالا للشك أهمية سياسة التوجه شرقاً والتى تشغل فيها الصين موقعاً محوريا على نحو ما أسلفنا - وذلك فى محاولة لإرساء توازن فى علاقتها بالغرب والتى كثيرا ماتعرضت لضغوطات وتعثر بما جعل الكثيرين ينظرون اليها بعين الشك والريبة، إضافة الى نبذ البعض الآخر وانتقاده لبعض مفردات المنظومة القيمية الغربية التى قد تتعارض مع بعض الممارسات الشرقية هذا فى حين ان العلاقات المصرية الصينية تميزت منذ بداياتها بأنها علاقات لم تعكر صفوها مشاكل ،حيث لا يوجد أى نوع من التعارض بين الأهداف الاستراتيجية لكلتا الدولتين اللتين تنتهجان استراتيجيات وسياسات تكاد تكون متوافقة، وذلك اطار ماأعلنته كل منهما من ضرورة السعى والعمل من أجل السلام فى جميع أرجاء العالم والدعوة إلى ديمقراطية العلاقات الدولية وإقامة نظام دولى سياسى واقتصادى منصف وعادل، واحترام خصوصية كل دولة. ثالثا: تتبدى أهمية التعاون بصفة خاصة مع الصين باعتبارها إحدى الدول القلائل التى ليس لها طموحات الهيمنة ولا الرغبة فى التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى وبالتالى يمكن أن تكون شريكا مناسباً لمصر فى القرن الجديد خاصة إذا ما أحسن الجانبان إدارة العلاقات بينهما بالشكل الذى يعظم مصالحهما المشتركة معا. وهذا يتطلب بالضرورة إعادة ترتيب أولويات العلاقات بينهما ووضع خطط وأساليب تنفيذ هذه الأولويات للوصول إلى الشراكة المنشودة ،كما يتطلب إعادة النظر فى أساليب المشاورات السياسية بين الجانبين وإعادة النظر فى عمليات التعاون الاقتصادى والتجارى وفتح مجالات جديدة للتعاون وتوسيع مستوى التعاون العلمى والتكنولوجى بين الجانبين. وتسعى السياسة الخارجية المصرية بوجه عام لضمان انجاز هدفين مترابطين وهما: - حماية الأمن القومى المصرى والمصالح المصرية العليا و تحقيق التنمية الشاملة بأبعادها المختلفة بما يحقق الهدف الأول. خلاصة القول إن أهم أهداف السياسة الخارجية المصرية تجاه الصين تتمحور حول بعض النقاط لعل من أهمها: بناء علاقات أكثر قوة ومتانة واستكشاف مجالات وآفاق جديدة للتعاون المصرى الصينى تعتمد على العطاء فى المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والعسكرية. دعم التواصل والتعاون الثلاثى بين مصر والصين وافريقيا والدفع بخبرات التنمية المتبادلة بين دول العالم النامى والتى تتشابه معظمها فى التحديات والعقبات التنموية هذا بالاضافة الى تعزيز الحوار المشترك بهدف مجابهة المسائل الاقليمية والدولية المختلفة وتحقيق التكامل الدولى المطلوب فى ظل النظام العالمى الراهن دعم الموقف العربى والفلسطينى بالضغط على إسرائيل للتجاوب مع الحقوق الفلسطينية والعربية خاصة تلك المتعلقة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى ووقف عدوانه على الشعب الفلسطيني. تطوير التعاون العربى - الصينى فى مجالات الأمن بما يحقق التوازن مع الوجود الأمريكى ويحافظ على حماية مصادر الطاقة فيه لحماية الحضارة الإنسانية والتطور الصناعى الدولي، وبما يحقق النماء والاستقلال وختاما يحدونا الأمل أن تسعى السياسة الخارجية المصرية حاليا فى ظل قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى مواصلة العلاقات مع الصين على نحو ايجابى والاستفادة مما تم تحقيقه فى الفترات السابقة لبناء علاقات أكثر قوة ومتانة واستكشاف مجالات وآفاق جديدة للتعاون المصرى الصينى يعتمد على العطاء المتبادل ويستند لفهم كل طرف للمصالح الوطنية للطرف الآخر ويتجاوب معها كما أن ذلك يتطلب تدعيم الركائز الأساسية للعلاقات المصرية الصينية الاقتصادية والتجارية والثقافية والعسكرية. لمزيد من مقالات د.هدى ميتكيس