ظل التركيز خلال الفترة الماضية من جانب الإعلام والمسئولين فى الغرب على الأرباح التى يحققها تنظيم داعش بالمليارات من نهب البترول فى كل من سورياوالعراق وتهريبه إلى الخارج. لكن عددا من المنظمات المتخصصة فى مجال الأثار كشفت عن أن تنظيم داعش يقوم بنهب كميات كبيرة من الآُثار فى كل من سورياوالعراق للمتاجرة بها، وأن هذه التجارة تحقق له الملايين من كل صفقة، وهو ما ساعد على أن تصبح داعش أغنى منظمة إرهابية فى العالم، بفضل ما تقوم به من فتح لمجالات جديدة لتمويل أعمالها الإرهابية، فى الوقت الذى مازالت فيه الولاياتالمتحدة تضع خططا لقطع التمويل عن التنظيم. وكان من أكبر المهتمين بقضية نهب الآثار وبيعها من قبل تنظيم داعش، مايكل دانتى، وهو من أكبر الأثريين فى الولاياتالمتحدة وأستاذ بجامعة بوسطن، والذى قام بتوثيق ما جرى من دمار ونهب من الميراث الثقافى فى كل من العراقوسوريا. وفى التقرير الذى أعده دانتى قال، «إننا إكتشفنا أولا من خلال الأقمار الصناعية عمليات نهب الأثار فى كل أنحاء سوريا». وهو ما يستوجب سرعة إتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع ذلك. وأثناء إجتماعات للجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى، وجه جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى الشكر لدانتى للدور الذى يقوم به، وذلك خلال خطبة ألقاها فى متحف المتروبوليتان فى نيويورك على هامش إجتماعات الجمعية العامة، كما أبدى كيرى تقديره الشديد لقيام دانتى بتوسيع نطاق عمله ليشمل العراق أيضا. ويقول دانتى، إن ما تم إكتشافه من قيام تنظيم داعش بعمليات تدمير ونهب وتربح من الأثار المهربة إلى الخارج، يعتبر شيئا غير مسبوق ولم يحدث يهذه الطريقة من قبل. فى نفس الوقت أعلن عمرو العظم، وهو خبير آثار من أصل سورى يعمل بجامعة أوهايو الأمريكية، ويقوم أيضا بجهود للتوثيق لعمليات نهب الأثار التى تجرى فى المنطقة، أن تنظيم داعش كان فى البداية يطلب من أشخاص يقيمون فى المناطق التى يوجد بها آثار، بالتنقيب عنها وتسليمها إليهم مقابل إعطائهم واحد على خمسة من قيمتها، وبعد ذلك طورت داعش من عمليات النهب بأن كلفت مقاولين بالتنقيب عن الآثار لحسابها، وفى النهاية إستغنت داعش عن الوسطاء وبدأت تقوم من خلال أفراد تابعين لها باستئجار عمال يقومون بالحفر لاستخراج الأثار من الأرض، والتى تحقق منها الآن أرباحا بالملايين وأصبحت مصدرا جديدا للتمويل، وبدأت تظهر معظم القطع الأثرية التى نهبها تنظيم داعش فى الأسواق الدولية ويتم بيعها بمبالغ خيالية،. فى نفس الوقت هناك خلاف داخل التنظيم حول الآثار التابعة للشيعة والأيزيديين، والذين تكفرهم داعش، بين مؤيدين لتدميرها وآخرين يرون أن من الأفضل بيعها والإستفادة من قيمتها المالية العالية. وقد أشار دانتى فى تقريره إلى أن بيع الأثار المنهوبة يتم عن طريق وسطاء، يقومون بتهريبها عبر الدول المجاورة، مثل تركيا ولبنان وغيرها. وبعض هؤلاء الوسطاء هم من أعضاء عصابات الجريمة المنظمة الذين يتاجرون فى كل شىء، لكن تنظيم داعش وجد فيهم حليفا يفيدهم ماديا ويزيد دخلهم وحجم تمويلهم، بالإضافة إلى أن عصابات الجريمة المنظمة تعتبر بالنسبة لداعش مصدرا أساسيا لتوريد الأسلحة لهم، ومن المعروف أن الأممالمتحدة كانت قد أصدرت قرارا فى عام 2003، يجرم التجارة فى آثار العراق، بعد أن اتسعت عمليات نهبها عقب الغزو الأمريكى للعراق، وبعد أن ازدادت عمليات تدمير المناطق الأثرية فى سوريا فى السنوات الثلاث الأخيرة، فإن كثيرا من المنظمات والخبراء الذين يهتمون بمجال حماية التراث الثقافى فى العالم، يطالبون الأممالمتحدة باتخاذ قرار مماثل بتجريم بيع أثار سوريا، وتلقت الأممالمتحدة عريضة موقعة من 18 ألف شخص من المهتمين بالمحافظة على التراث الإنسانى، بإتخاذ موقف ضد من يهددون هذا التراث. ويقول جيمس سادرى, أحد القيادات فى مجال حماية التراث الإنسانى، إن ما تدعو إليه الأممالمتحدة بتجريم تجارة الأثار ليس فقط من أجل حماية التراث الانسانى, بل أيضا من أجل حماية حياة الإنسان, لأننا نعلم أن تجارة الآثار أصبحت مصدرا رئيسيا فى تمويل شراء الأسلحة التى تشعل العنف والإرهاب فى المنطقة. كما يقول أيضا ريك هيلير، وهو محامى وناشط فى مجال التراث الثقافى، أنه قد لوحظ فى الفترة الأخيرة أن بعض قطع الآثار المنهوبة تأخذ طريقها إلى الولاياتالمتحدة، ,وأن تجار الأثار الأمريكيين، ممن يتاجرون فى قطع الأثار المسروقة والمهربة من مصر والعراق ولبنان وسوريا، قد زاد نشاطهم فى هذه التجارة فى الفترة من عام 2011 وحتى عام 2013، وهى الفترة التى شهدت فوضى شديدة فى هذه البلاد عقب أحداث الربيع العربى. وهو ما يثير تساؤلات حول كيفية وصول هذه القطع الأثرية المهربة إلى الأسواق الرئيسية فى الولاياتالمتحدة. ووجد هيلير أن قيمة بيع الآثار المهربة فى الفترة من عام 2011 إلى عام 2013، قد زادت بمقدار 500 مرة. وقد صرح براندون مونتجومرى، المتحدث بإسم إدارة الهجرة والجمارك، إنه لابد من أن ترد إدارة حماية الحدود على التساؤلات المتكررة عن عمليات تهريب الأثار التى تصل إلى السوق الأمريكية. لم يكتف تنظيم داعش بالقتل والنهب والتدمير، لكن إمتدت يده إلى التراث الإنسانى الذى يشهد على هوية الدولة وشخصيتها القومية، ليتاجر بهذا التراث ويشترى بثمنه السلاح للقتل والذبح وتدمير الوطن، حيث إنه لا يؤمن فى عقيدته بفكرة الوطن وقيمته.