بفارق صوت واحد فازت الكاتبة الفرنسية الإسبانية الأصل "ليدى سالفاير" على الكاتب الجزائرى "كمال داوود" بجائزة الكونكور لعام 2014،على عكس ماتوقعه النقاد ووسائل الإعلام من فوز "داوود" بالجائزة لكى يصبح أول جزائرى يفوز بأهم جائزة أدبية فرنسية،إذ أنه كان من أكثر المرشحين للفوز بها،ولكنه كان ضحية المنافسة القوية بينه وبين الكاتب الفرنسى "ديفيد فوينكينوس"،والذى حصل على جائزة رينودو عن رواية "شارلوت"،وكانت هذه المنافسة فى صالح "سالفاير" والتى لم يكن إسمها مطروحاً منذ البداية. وإن كان هذا هو السبب المعلن والذى تتناوله وسائل الإعلام،إلا أننا من الممكن أن نلاحظ وجود شُبهة تاريخية سياسية أبعدت الجائزة عن "كمال داوود"،ذلك الكاتب الجزائرى الذى تجرأ واقترب من الجدار الجزائرى الفرنسى وتوغل فى تاريخهما من خلال روايته "ميرسو:تحقيق مضاد"،والتى دعا فيها إلى الخروج للمستقبل ونبذ فكرة الحرب والقتل وإحترام الحريات،وقد جاءته فكرة كتابة هذه الرواية بعد صدور رواية "الغريب" للكاتب العالمى الفرنسى الجزائرى الأصل والحاصل على جائزة نوبل عام 1957"ألبير كامو"،والذى صور فيها الشخصية العربية شخصية إنتقامية عدوانية من خلال بطل الرواية "ميرسو" الذى يقتل شخصاً آخر اسمه "العربي" ويُحكم على ميرسو بالإعدام ليس لأنه قتل العربى ولكن لأسباب أخري،ولأن "كمال داوود" من الكُتاب المهتمين بكتابات "كامو" فقرر أن يتناول فكرة هذه الرواية ولكن من وجهة نظر الطرف الآخر "هارون" بطل رواية "ميرسو تحقيق مضاد"،وهو شقيق "العربي" بطل رواية "الغريب". ويوضح "داوود" سبب تناوله لهذه الفكرة التى دارت حولها روايته،بأنه لاحظ أن الكثير من الكتابات التى تناولت أعمال "كامو" لم تتناول من قريب أو بعيد شخصية "العربي" المقتول،وعند الإحتفال بالذكرى المئوية لألبير كامو تم تخليد عدد كبير من شخصيات رواياته وتجاهلوا تماماً شخصية "العربي"،فخرج "داوود" بشخصية "هارون" شقيق "العربي" الذى قتل رجلاً فرنسياً فى ليلة إستقلال الجزائر 5 يوليو وقيل له إنها تعتبر جريمة قتل،أما إذا كانت قد وقعت يوم 4 يوليو فهى تعتبر جهاد لأنها حرب،ويصرخ "كمال داوود" من خلال روايته بأن الإنتقام لا يحقق العدالة،ولابد من إنهاء الحروب والقتال،فهارون شخصية تقف أمام الجميع من أجل الحفاظ على الشئ الوحيد الذى يملكه وهو..حريته،وكان "داوود" دائم الوصف لنفسه ب"أنا إبن الإستقلال لست إبن الإستعمار"،وكمال داوود الكاتب الصحفى فى جريدة وهران والمولود فى مدينة مستغانم فى الجزائر عام 1970،تستشعر دائماً فى أرائه وتصريحاته بالثورة،فهو يريد أن يخرج من الماضى والتاريخ إلى المستقبل،فعلى حد قوله "أنا لست ابن الحرب،أنا اردت الخروج من ذاكرة الحرب". وبالرغم من صدمة الأدباء والنقاد العرب من عدم فوز من يمثلهم بهذه الجائزة،والذى كان سيوصف بالحدث الأدبى التاريخى الأكبر والأول من نوعه،إلا أن فوز الكاتبة الفرنسية "ليدى سالفاير" يعتبر إنتصار وعودة للعنصر النسائى بعد غياب استمر لخمس سنوات،فقد حصلت "سالفاير" على جائزة سبقها إليها عدد من الأديبات،نذكر منهن الكاتبات الفرنسيات إلسا تريوليه عام 1944،وسيمون دو بوفوار عام 1954،ومارجريت دوراس عام 1984،وبول كونستان عام 1998،وأخيراً مارى ندياى عام 2009. الطبيبة النفسية "ليدى سالفاير" بدأت تبدع فى مجال الأدب الروائى منذ عام 1990،وتُرجمت أعمالها حتى الآن إلى عشرين لغة،نالت كلها إعجاب النقاد وكانت أولى رواياتها "التصريح"،والرواية الفائزة بجائزة "نوفمبر" "برفقة الأشباح"،وهى تنتمى لجيل أدبى جاء بعد الحرب الفرنسية مباشرة،وينتمى إليه أيضاً "باتريك موديانو" صاحب جائزة نوبل لهذا العام. و "سالفاير" إبنة لوالدين إسبانيين تعرضا للنفى إلى جنوبفرنسا،حيث وُلدت فى مدينة تولوز عام 1948،وظل كل ماتعرضت له هى وأسرتها مخزون فى عقلها حتى ظهر فى الرواية الحاصلة على الجائزة وهى بعنوان "عدم البكاء"،وجعلت أبطالها هم أهل ريف إسبانيا خلال الحرب الأهلية التى جرت فى البلاد عام 1936، وجعلت أمها هى الشخصية الرئيسية وهى تروى قصتها وذكرياتها المؤلمة فى هذه الفترة،حتى أنها أهدت فوزها لأمها وجميع من عاصروا هذه الفترة الزمنية،ومنهم "مانويل فالس" رئيس الوزراء الفرنسى والذى كان فى مقدمة المهنئين لها. ويصف النقاد الرواية بأنها ذات لغة جميلة ومرنة برغم أن الكاتبة قامت بإدخال بعض الكلمات الإسبانية،وهى اللغة التى قامت "ليدى سالفاير" بتسميتها باللغة "الفرنسبانيول" لأنها مزيج من اللغتان الفرنسية والإسبانية. بضع أيام ويأتى عام جديد،نأمل أن يأتى معه فى نوفمبر القادم أحد من الأدباء العرب ليحصل على جائزة الكونكور المهتمة بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية،وليكتب أسمه ضمن قائمة العرب الذين حصلوا عليها من قبل،والذى يستهلها الكاتب المغربى "الطاهر بن جلون" عام 1987،والأديب اللبنانى "أمين معلوف" عام 1993،والشاعر المغربى "عبد اللطيف اللعبي" عام 2009 فى الشعر،والكاتب المغربى "فؤاد العروي" عام 2013.