نعم صغير لكن ثري.. هكذا هو مهرجان نامور السينمائي الدولي للأفلام الفرانكوفونية وإختصاره «فيف FIFF» في دورته رقم 29 خلال شهر أكتوبر الماضى، فيعرض آخر صيحة وهي المزج ما بين الروائي وما بين الوثائقي وغالبا ما تكون تجربة شخصية للمخرج، ويهتم المهرجان البلجيكي بتعدد الثقافات واعطاء مساحة كبيرة للأفلام العربية، ولا سيما من لبنان ودول المغرب العربي الناطقة بالفرنسية. وربما تعكس عملية اللجوء للذاتية قلة المواهب وجدب في المخيلة في العالم عموما، فهي سلاح ذو حدين فبجانب التجربة النفسية العميقة نجد أحيانا أن القصة أبسط من اللازم إلا فيما ندر، وظهر اتجاه الخيال الذاتي أو «أوتوفيكشن» في الأدب على يد الفرنسي سيرج دوبروفسكي منذ فترة السبعينات، وظهر اتجاه الواقعية الجديدة أو «نيورياليزم» مع بداية الحرب العالمية الأولى في الفن التشكيلي وانتقل للسينما بعد الحرب العالمية الثانية في إيطاليا ثم فرنسا واليابان، وظهرت السينما الموزاية في الهند ردا على سينما بوليوود التجارية، ثم برز أكثر خلال الألفية. وعُرض في الافتتاح الفيلم البلجيكي «مخطوبة في طوكيوTokyo fiancée « وهو روائي طويل مأخوذ عن رواية بعنوان «لا من حواء ولا من آدم Ni d'Eve ni d'Adam» للكاتبة البلجيكية آميلي نوتومب التي نشرتها في عام 2007، وحققت أعلى المبيعات وترجمت لأربعين لغة، وهي مستوحاة من تجربتها الشخصية عندما كانت مخطوبة لشاب ياباني، والفيلم بالغ الرومانسية لأنه يتحدث عن قصة حب تجمع بين مدرسة للغة الفرنسية صغيرة السن تبدأ حياتها المهنية لكسب رزقها وبين طالب ياباني، وفي نفس الوقت يتعرض الفيلم للاختلاف بين عالم كل منهما ويصل إلى حد الصدمة الثقافية بين الشرق الأقصى والغرب! والفيلم البلجيكي القصير «بول وفيرجيني Paul et Virginie» الذي يحمل اسم الرواية القديمة، لكن في الحقيقة هي قصة طفولة مخرجه بول كارترون مع والدته غريبة الأطوار! وفاز الفيلم التونسي»شلاط تونس Le Challat de Tunis» بجائزة أحسن عمل أول للمخرجة كوثر بن هنية، وأختير في مهرجان كان السينمائي الدولي في مايو الماضي في قسم السينما المستقلة، ومأخوذ عن قصة حقيقية للشلاط أو القناص، وهو رجل مجهول ومهووس ظهر في عام 2003 وأصبح حديث المجتمع لأنه كان يقود دراجة بخارية ويضرب أرداف الفتيات في الشوارع بآلة حادة!وفاز بجائزة الاكتشاف فيلم «بارك الله فرنسا Qu'Allah Benisse la France» انتاج فرنسي ويعرض حياة المهاجرين في فرنسا من خلال قصة حب تربط بين رجل أفريقي وإمرأة عربية ، ثم تتجه للحب الإلهي وسط روحانيات عالية، وهي قصة مأخوذة عن السيرة الذاتية لمخرج الفيلم عبد الملك. وهناك أيضا هذا الاتجاه شديد البساطة والذي يصل لحد الفقر في الصورة لأن لديه ميزانية قليلة في الانتاج ويعتمد على شخصيات لم يسبق لها التمثيل، ربما للاغراق في البؤس!مثل فيلمين الأول طويل بعنوان «أمل «Hope وهو يحمل اسم البطلة وفيه رمزية، من انتاج فرنسي عن رحلة الأفارقة لعبور الصحراء الكبرى وصولا إلى الجزائر ثم المغرب من أجل الهرب بقوارب صغيرة إلى أوروبا مما يعرضهم للأهوال، ونتعرف على الخلافات ومشاعر الكراهية بين أبناء القارة الواحدة!واستكمالا لفكرة الهجرة غير الشرعية التي تحظى باهتمام كبير، يوجد آخرون يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط على متن قوارب هشة وتكون النتيجة مأساوية وتعود جثثهم إلى الشاطىء الذي انطلقوا منه، في الفيلم التونسي القصير«حدوتة معاصرة Un Conte Contemporain»!