إن تحركات السياسة الخارجية المصرية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى تسير فى اتجاهات مختلفة، وهى ليست سياسات معتادة أو علاقات عادية أو مجرد «قنابل دخانية»، ولكنها تحولات استراتيجية محسوبة، فى فترة زمنية محددة، وتجاه أطراف محددة، وفى سياق تفاعلات معينة، تعلى من محورية «المصالح الوطنية» على ما عداها من أهداف، بغرض معرفة مصادر تهديدها وخلق فرص تعظيمها ومنع المساس بها، عبر استراتيجيات وسياسات وخطط وبدائل، قابلة للتنفيذ. وفى هذا السياق، تنبع أهمية الشراكة الاستراتيجية التى دشنت أخيرا بين مصر وقبرص واليونان، حيث يجمع الأطراف الثلاثة قاسم مشترك فى التوجهات يمكن على أساسه تدشين ركائز حقيقية قابلة للظهور فى صورة سياسات عملية، برزت مؤشراتها الأولى فى «إعلان القاهرة» الذى ركز على محاور أربع، تتمثل فى الأمن والتنمية والاستقرار والمكانة، تمهد لنمط من التعاون الإقليمى «الناشئ» غير المعتاد، ويستفيد من آليات مواجهة تعثر تجربة «الاتحاد من أجل المتوسط» منذ سنوات. وتتمثل القاعدة التى يتم الإرتكاز عليها فى تحليل صفحة مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، عبر مقالتين مكملتين، فى التأكيد على أن كل طرف يعرف مصالحه، ويتحرك وفقا لما يدركه، فى سياق التفكير بجدية فى «توازن المصالح»، بين الدول الثلاث إزاء مشكلة داخلية أو علاقة خارجية أو دولة مجاورة أو تحولات «غير مرئية»، تعد مصلحة أو تمثل تهديدا. فالدكتور أحمد قنديل الخبير فى العلاقات الدولية ومدير برنامج دراسات الطاقة بالمركز يعتبر أن هذه الشراكة تصب فى اتجاه تحقيق الاستقرار فى شرق المتوسط، عبر التعاون فى مكافحة التطرف والإرهاب والاستثمار والتجارة والطاقة والسياحة والتشاور فى إمكانية تهدئة البؤر الصراعية الإقليمية. أما الأستاذ محمد عبدالقادر الباحث فى الشئون الإقليمية ومدير برنامج الدراسات التركية بالمركز فيركز على محورية البعد الاقتصادى فى مسار الشراكة الثلاثية، لأنه بدون الاقتصاد تصبح أية أحاديث عن شراكة بين أطراف وبعضها ليست فى محلها، بل يمثل البعد الاقتصادى رافعة للعلاقات السياسية والأمنية، ليدشن نظاما إقليميا فرعيا آخذا فى التبلور فى شرق المتوسط.