وسط أجواء سياسية مشحونة بتوترات عسكرية فى عدد من بلدان المنطقة العربية، تبرز فيها جماعات تخريبية تلجأ لاستخدام السلاح لتنفيذ مخططاتها، تبقى القضية الرئيسية والأزلية، فى امتلاك إحدى دول المنطقة العربية - جغرافيا فقط - وهى اسرائيل للسلاح النووى وأنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل، وهو ما ترفضه كل الدول العربية جملة وتفصيلا، الأمر الذى ينذر بخطر حقيقى وخلق حالة من عدم الاستقرار السياسى فى هذه الدول أو على أقل التقدير من ناحية التوازن العسكرى فى المنطقة بأسرها، خصوصا وحظر هذا النوع من السلاح على كل الدول والسماح به لإسرائيل فقط دون مراقبة أو محاسبة دولية.. القاهرة بدورها لم تأل جهداً فى أى محفل دولى كان، فى التأكيد على موقفها وموقف باقى الدول العربية مجتمعة على أن المنطقة العربية تواجه تحديات إرهابية خطيرة، ما يحتم ضرورة تنفيذ قرار الأممالمتحدة بإقامة منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط وبشكل عاجل. وعلى أن الوضع المتأزم فى المنطقة العربية، وتداعياته على العالم بأسره، يتطلب الضرورة بتفعيل معاهدة حظر انتشار السلاح النووى وجعل المنطقة العربية خالية من كل أشكال أسلحة الدمار الشامل. وهذا الأمر ترجم فى مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووى فى العام 2010 وذلك بمقترح عربى لعقد مؤتمر دولى مع نهاية العام 2012 ووقعت عليه الدول الحاضنة للمعاهدة بينها الولاياتالمتحدةالأمريكية، الأمر الذى اعتبره المحللون السياسيون وقتها انتصارا للدبلوماسية العربية، فى انتزاع الموافقة الأمريكية عليه، وإحراجا لإسرائيل.. لكن سرعان ما استغلت الثورات التى قامت فى المنطقة العربية كذريعة لتأجيل المؤتمر الذى تم تحديد مكان وزمان عقده فى ديسمبر من العام 2012 فى مدينة هلسنكى الفنلندية. ويرى المحللون أنه اذا تم الإصرار على عقده فيمكن فشله بسهولة، لأنه غير إلزامى لحضور اسرائيل، وهو السبب الرئيسى لعقده، أو يمكن حضورها مع العمل دوليا على تفريغ مضمون جدول أعماله من أية فقرات تلزم الأخيرة بالتوقيع،فضلا عن وجود بعض الأطراف ومنها اسرائيل التى تحاول طرح موضوعات أخرى كانت فى العام 2012 على المؤتمر تتعلق بالامن الاقليمي، وتسييس القضايا وابعاد الحضور بشكل غير مباشر عن الموضوع الرئيسى الذى كان سيعقد من أجله المؤتمر وهو إخلاء الشرق الاوسط من الاسلحة النووية، وذلك حتى تتمكن اسرائيل من الهرب من أية تعهدات بخصوص السلاح النووي، خصوصا وأنها الدولة الوحيدة فى الشرق الاوسط التى لم توقع على معاهدة منع الانتشار النووي. وإن كان يرى البعض الآخر أن هناك أهدافا خفية أخرى لدى صانع القرار الأمريكى من عقد هذا المؤتمر وهو دعوة ايران للحضور، والزامها بقرارات موازية لمفاوضات 5+1. ومع التحضيرات الجارية الآن للمشاركة العربية فى اجتماع اللجنة التحضيرية الثالثة لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية العام المقبل والذى يعقد كل 5 سنوات، ترى القاهرة أنه لا مفر من العمل على تفعيل آليات الأممالمتحدة التفاوضية الممثلة فى مؤتمر نزع السلاح فى جنيف، للبدء فى وقت مبكر فى التفاوض على معاهدة دولية لحظر الأسلحة النووية، ومعاهدة لوقف إنتاج المواد الانشطارية لأغراض الأسلحة النووية، تشمل المخزون القائم من تلك المواد، وتخضعه للرقابة الفاعلة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفى هذا الصدد أكد وزير الخارجية سامح شكرى التزام مصر الصادق لدعم جميع الجهود اللازمة لتحقيق نزع السلاح النووى الكامل كأولوية بارزة على أجندة المجتمع الدولى، كما أن مصر تدعو الجميع لتبنى ذات التوجه. وخلال مشاركة وزير الخارجية سامح شكرى فى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك سبتمبر المنصرم وتحديدا فى الاجتماع الوزارى بشأن اليوم الدولى للتخلص التام من الأسلحة النووية، ذكّر شكرى المجتمع الدولى بالمبادرة التى تقدمت بها دول حركة عدم الانحياز عام 2010 بشأن معاهدة لحظر الأسلحة النووية، والتى تتوفر لها فرصة تحقيق العالمية وتخضع للتحقق الفعال، والتى ترى فيها مصر الطريق الأمثل قدماً للقضاء على مخاطر الانتشار النووى. وعلى الرغم من التوقعات من أن اجتماعات مراجعة المعاهدة العام المقبل لن تسفر عن تحركات إيجابية فى ظل الحماية الأمريكية لإسرائيل فى هذا الملف، الا ان بعض المحللين يرون أن مع المخاطر السياسية والعسكرية فى المنطقة العربية، يمكن اتخاذ إجراءات صارمة على المستوى الدبلوماسى حال فشل عقد هذا المؤتمر الذى هو غير ملزم لإسرائيل من الأساس، وقد تصل التحركات العربية حد الانسحاب من اجتماعات مراجعة المعاهدة. الأمر الذى يكون له دلالات سياسية أخرى فى عالم السياسة للدول. جدير بالذكر أن الأممالمتحدة تعّرف معاهدة حظر الانتشار النووى والتى أبرمت فى العالم 1970 بأنها معاهدة دولية تاريخية تهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية وتكنولوجيا الأسلحة النووية، من أجل تعزيز التعاون فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وتعزيز هدف تحقيق نزع السلاح النووى الشامل والكامل ونزع السلاح.