تنسيق الجامعات 2024.. رابط نتيجة تظلمات طلاب الدبلومات والمعاهد للالتحاق بكليات التجارة    جامعة بنى سويف تشارك في مؤتمر مراكز تميز المياه والزراعة    تحسبًا للتعويم المقبل … 45 جنيهًا زيادة بأسعار الذهب خلال 4 أيام وارتفاع الطلب على السبائك    كاتب صحفى: بوتين وصف انضمام مصر للبريكس بالإضافة القوية    12 شهيداً بينهم أطفال في غارات إسرائيلية على لبنان    أوكرانيا: وحدات كورية شمالية تتواجد حاليا في كورسك    مانشستر يونايتد يتعادل مع فنربخشة في الدوري الأوروبي.. وطرد مورينيو    أول قرار في الزمالك بشأن جوميز بعد هزيمة السوبر أمام الأهلي    أخبار الحوادث اليوم: المعاينة تكشف سبب حريق شقة أبو الليف.. اعترافات صادمة للمتهم بقتل شاب طعنا في العمرانية.. إحالة سائق للجنايات بتهمة دهس شقيقين بالساحل    انطلاق الدورة السابعة من مهرجان الجونة.. حضور مكثف لنجوم الفن.. وتحية خاصة لروح الفنانين الراحلين في 2024.. ونجيب ساويرس: الإنسانية تعاني بغزة ولبنان ورسالتنا أوقفوا الحرب    رئيس جامعة الأزهر: نحرص على تذليل الصعاب لاستكمال بناء فرع دمياط الجديدة    إيران تٌحذر إسرائيل من الاعتماد على نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي    صندوق النقد الدولي يكشف عن الرسوم الجديدة للفائدة    19 شهيداً حصيلة القصف الإسرائيلي على لبنان خلال 24 ساعة    التشكيل الرسمي لمواجهة فناربخشة ضد مانشستر يونايتد فى الدوري الأوروبي    وفق الحسابات الفلكية.. موعد بداية فصل الشتاء 2024    قبل إغلاق العمل بالجهاز المصرفي.. بنك مصر يرفع عوائد الادخار بالدولار.. تفاصيل    سفير القاهرة فى لاهاى يستقبل ممثلى الاتحادات والجمعيات المصرية    محاكمة تاجر خردة لاتهامه بقتل جاره في الجيزة    السجن 6 سنوات لمتهم لاتجاره في مخدر الترامادول    مصر أكبر نظام للتعليم قبل الجامعي بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا| إنفوجراف    نسرين طافش بإطلالة جذابة في افتتاح مهرجان الجونة السينمائي    وزير الثقاقة يكرم الفائزين بمسابقات الموسيقى والغناء بالأوبرا    محظوظ ماليًا.. توقعات برج الثور يوم الجمعة 25 أكتوبر 2024    أمين الفتوى: "حط إيدك على المصحف واحلف" تعتبر يمين منعقدة    خالد الجندي: أنا أؤمن بحياة النبي في قبره    فضل قراءة سورة الكهف قبل الفجر بدقائق.. أسرارها والحكمة منها    قومي المرأة يشارك في جلسة "الشمول المالي.. الأثر والتحديات والحلول"    رويترز : نتنياهو يرحب باستعداد مصر للتوصل إلى صفقة للإفراج عن المحتجزين فى غزة    الثقافة تدشن أول مركز للموهوبين بإقليم شرق الدلتا    قرار رسمي بسحب 3 أدوية من الصيدليات.. من بينها دواء شهير للصرع (مستند)    محمود عنبر: الفترة المقبلة ستشهد تطورا في التبادل التجاري بين دول «بريكس»    وقولوا للناس حسناً.. خالد الجندي يوضح أهمية الكلمة الطيبة في الحياة اليومية    بروتوكول تعاون بين جامعة حلوان و"الصحفيين" لتقديم الخدمات الصحية لأعضاء النقابة    «مُحق في غضبه».. تعليق مثير من عماد متعب بشأن أزمة كهربا مع كولر    تشكيل روما الرسمي لمواجهة دينامو كييف في الدوري الأوروبي    شريف فتحي يؤكد عمق العلاقات الثنائية بين مصر وإيطاليا في مجال السياحة    الجريدة الرسمية تنشر قرار إنشاء صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية    "حياة كريمة" تحذر من إعلانات ترويجية لمسابقات وجوائز نقدية خاصة بها    كلاسيكو إنتر ميلان ويوفنتوس في قمة الدوري الإيطالي    مدبولي يستقبل الشوربجي: نحرص على تذليل التحديات أمام المؤسسات الصحفية    عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل برغم القانون ل إيمان العاصى الليلة على on    حب فى ظروف غير ملائمة    وزير الأوقاف: مصر تهتم بالمرأة في شتى مناحي الحياة    بث مباشر.. انطلاق الحفل الختامي للمؤتمر العالمي للسكان    3670 حافظا للقرآن ومبتهلا يتقدمون للمنافسة المحلية المؤهلة لمسابقة بورسعيد الدولية    مديرية أمن الأقصر تنظم حملة للتبرع بالدم    "إيتيدا" و"القومى للاتصالات" يختتمان برنامج التدريب الصيفى 2024 لتأهيل الطلاب    الابن العاق بالشرقية.. حرق مخزن والده لطرده من المنزل    المشدد 5 سنوات لعاطلين شرعا في قتل سائق "توك توك" وسرقته بالمطرية    ضبط عامل بالفيوم لقيامه بإدارة ورشة لتصنيع الألعاب النارية والإتجار فيها    5 قرارات من النيابة العامة في حادث لاعبي فريق دراجات نادي 6 أكتوبر (خاص)    تداول 55 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحرالأحمر    الطقس اليوم.. استمرار الرياح على البلاد وأمطار تضرب هذه المناطق بعد ساعات    جيرارد: صلاح مهووس باللعبة.. أتحدث عنه باستمرار.. وأتمنى بقاءه    سيميوني: ركلة جزاء غير صحيحة منحت ليل الفوز على أتلتيكو    القوات المسلحة تحتفل بتخريج دفعات جديدة من المعاهد الصحية    أول إجراء من الزمالك ضد مؤسسات إعلامية بسبب أزمة الإمارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د‏.‏ مصطفي كامل السيد‏:‏ ليس من مصلحتنا عداوة أمريكا

في كل ناحية بأرض الكنانة نمت غابات شوك‏,‏ رواها الظلم بالدماء‏,‏ وترعرعت بالفساد والإهمال‏,‏ وأينعت ثمارها السامة في أجساد البشر والحجر‏,وقبل وقت القطاف بقليل انتفض المصريون بحثا عن الخلاص والنهوض. لكن حالة التوهان المستمرة, والممزوجة برائحة الدم من كل صوب, دفعتنا إلي أن نلقي أوراقنا علي طاولة الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة والأمريكية, والمحاضر الدولي, مدير مركز شركاء التنمية, علنا نجد عنده رياح الأمل, نرخي لها أشرعة وطن مضطرب, يبحر في محيط هادر, أو نجد حلا لتناقضات تلفنا تشبه المآسي الإغريقية, الكل يراها ولا يستطيع تفاديها..فهو المفكر الذي جعل شطآن روحه مرساة لسفينة النبوغ والاجتهاد, وأثري مؤلفاته بالتفكير الواعي والنقد البناء والتحليل الدقيق..لكن المفاجأة أن المفكر كان قلقا أو متشائما, وهو يقدم لنا وصفة متفائلة للخروج من المأزق الحالي, وقد لا ترضي سيدي القارئ عن بعض عناصر الوصفة, لكنك لا تملك إلا احترام مساحة الاختلاف, مع بنودها الواردة بهذا الحوار, والتي تنبني علي الوعي بالمسئولية واستثمار الطاقات وتقدير الإبداعات, بقلب ذكي وعقل راجح.
يسعي المصريون إلي كتابة فصل الختام في المواجهة مع الاستبداد والفساد والتخلف, فكيف تستشرف المستقبل في أرض الكنانة, وسط مشهد غاضب وأصوات ساخطة لاتدري ما تريد ؟
- أشعر بحزن وتشاؤم, فقد احتفل العالم كله بالثورة المصرية من شرقه إلي غربه, مرورا بكل العواصم الدولية والإقليمية والعربية, وتركت صيحة( الشعب يريد إسقاط النظام) صداها المدوي في كل مكان, لكن الآمال الكبري التي بعثتها ثورة25 يناير لم يتحقق منها الكثير علي أرض الواقع, كان شعارهاعيش. حرية. عدالة اجتماعية, ووفقا للتقارير الحكومية, يظل20 مليون مصري تحت خط الفقر, والحرية التي تطلع إليها المصريون تتهددها أفكار متعصبة وقيود مغالية تزحف إلي ساحات الفن والثقافة والإعلام وغيرها, محاولة تكميم الأفواه وغلق نوافذ الحرية, أما العدالة الاجتماعية فلم يتحقق منها شيء, لذا لاأشعر بالتفاؤل تجاه مسارات الثورة في المستقبل.
ألا يعد هذا إنكارا للعديد من الإنجازات, ألم نخط خطوة علي طريق الديمقراطية وتسليم السلطة, ببرلمان منتخب بإرادة شعبية حقيقية للمرة الأولي؟
- الانتخابات الأخيرة لم تفرز قوي سياسية تؤمن بمدنية الدولة- ولن أتحدث هنا عن موضوع الانتخابات والدستور أيهما أسبق,لأننا تجاوزناه- ويضاعف من المخاوف أن القوي الإسلامية لا تملك( برنامجا إسلاميا), لا في الاقتصاد ولا في السياسة(الأصعب), بينما تحاول تطبيق أفكار شكلية, حتي تظهر أنها أقرب من غيرها للدين, خاصة أسلمة مجالي التعليم والإعلام(الأسهل), وهنا الخشية من وقوع وزارة التعليم في أيدي عناصر متطرفة ليس لديها رؤية, خصوصا أن أمل مصر في التقدم مرهون بتقديم تعليم مستنير دون تعصب, وهذا لن يكون بغير ضمان الحريات العامة والخاصة.. ولقد درست برنامجي حزب الحرية والعدالة الإخواني, والنور السلفي, فلم أجد اقتصادا أو سياسة( إسلاميين), وتخرج علينا أحيانا أفكار غريبة مثل الدعوة إلي خلافة إسلامية..
أقاطعه: ولماذا لا..؟
- يجيبني,مقاطعا: هذا ليس اعتراضا علي الخلافة الراشدة في عهدها الأول, لكني أعترض علي هذه الفكرة( الآن), إذ لابد أن تشمل الدول العربية والإسلامية, وهو ما لاتقبله تلك الشعوب, ولا أظن أنه في صالحها اليوم, فقد تخطاها الزمن, ومن أوجه عبقرية الإسلام أنه ترك للبشر حرية اختيار نظام الحكم, وغيره من شئون الدنيا بما لا يخرج عن تعاليم الدين, أنتم أعلم بأمور دنياكم.. وكل ذلك يصنع مناخا يتنافي مع أهداف الثورة التي أرادت القفز بمصر إلي مصاف الدول المتقدمة, بحرية وكرامة وعدالة.
البعض يعتبر هذا الرأي تحاملا علي القوي السياسية ذات التوجه الإسلامي, وأنهم يستحقون فرصة مثل غيرهم..
- نعم يستحقون الفرصة, وكلامي مجرد ملاحظة نابعة من غياب برنامج حقيقي إسلامي من جانب أي من هذه القوي, سواء الإخوان أو السلفيون أو الجماعة الإسلامية, فليس فيما قدمته من برامج أي جديد يذكر, ولا يحمل رؤية إسلامية, ما سمعناه أن هناك حالة تنافس علي وزارة التعليم من جانب النور والجماعة الإسلامية, وربما يكون الفصل بين البنين والبنات, ومنع الحفلات ومصادرة الكتب.. ما يتم الحديث عنه, لكننا لم نسمع عن تشجيع الفكر النقدي والعلوم والفلسفة الإسلامية وما ينسجم مع التقدم من أفكار, مع ملاحظة أن( تديين التعليم) في بلاد أخري لم ينتج مستوي رفيعا من الخريجين, ودولتنا محدودة المصادر والإمكانات لا تحتمل مزيدا من التجارب غير المدروسة.
لكن الشعب منح الإسلاميين غالبية مقاعد برلمان الثورة؟
- ما أفرزته الانتخابات هو حاصل ما بذلته القوي السياسية من جهود, والقوي الإسلامية لها وجود تاريخي ممتد, وأنشطة لا يمكن إنكارها, بالإضافة إلي المناخ الفكري العام وحداثة نشأة الأحزاب المدنية الجديدة, كما أن أجهزة الدولة المختلفة ومن بينها القضاء لم تعد نفسها لمهام مطلوبة في ظل نظام تعددي حزبي وهو ما لم يتم, وتعارض مع روح الحياد, وهناك الجو العالمي المشجع, مثل انهيار الاشتراكية وأزمة الرأسمالية.
دكتور وأنت أستاذ علوم سياسية ألا يعد ما جري تعبيرا عن حقيقة رسوخ التدين في نفوس المصريين؟
- نحن شعب متدين بطبيعته, لكن هناك فرقا بين أن نكون مسلمين, وأن يكون لدينا تصور خاص للإسلام, خذ مثلا اللغط المقلق حول قضية حرية المرأة و النقاب والعمل أو السياحة أو احتكار الإيمان... إلخ, ومن وجهة نظري: الدين الصحيح هو في سلوك البشر, حتي النظام السياسي ووضع الشريعة الإسلامية فيه كمصدر للتشريع, والديمقراطية..وجهات النظر متباينة ومتعددة بين المفكرين الإسلاميين أنفسهم, حول ماهية النظام السياسي الإسلامي, مثلا, البعض اعتبر الديمقراطية الغربية كفرا, في حين ذهب الدكتور كمال أبوالمجد إلي أنها صورة من صور الشوري القديمة.. نحن ننسي أن الرسول, صلي الله عليه وسلم, قال إننا أدري بأمور دنيانا.. أي أحرار في اختيار النظام الذي يحكمنا دون خروج عن ثوابت الدين, وقد استطاع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إنجاز نجاح كبير, من خلال قبوله بالتراثين: الإسلامي والأوروبي, دون عقد أو تفريط. أما الاقتصاد الإسلامي فليس لدينا معرفة به تتجاوز أكثر من الخلاف حول سعر الفائدة ومشروعيته, مع أنه قاعدة أساسية في النظام الرأسمالي العالمي, ولا جدوي من أي مشروع دون فائدة, في أمريكا الفائدة اليومصفر لتشجيع الاستثمار, أي أن الفائدة هي أداة تملكها المصارف المركزية لإدارة الاقتصاد علي نحو يكفل الرخاء, والنظام الرأسمالي نفسه يحارب الاحتكار, خذ علي سبيل المثال محاربة واشنطن للممارسات الاحتكارية لشركة مايكروسوفت العملاقة..
ذكر الأستاذ هيكل, أخيرا, أن ما يواجهنا من أوضاع لا تكفي لحلها انتخابات ولا مجلس أعلي ولا مليونيات ولا دستور ولا رئيس منتخب,فأين السلامة في طريق معبأ بالمخاطر ؟
- التحديات ضخمة والعواصف عاتية, ولا أجد بداية لطريق السلامة وحل مشكلاتنا سوي التوافق بين القوي الأساسية في مصر: المجلس الأعلي للقوات المسلحة والأحزاب الدينية وغير الدينية, والفعاليات الثورية, ثم تحدد تلك القوي معالم النظام السياسي والاقتصادي الذي ستسير عليه مصر, وفتح الباب واسعا للمصريين من ذوي الخبرة والكفاءة, في العلم أو الصناعة والاقتصاد, مثل أحمد زويل ومصطفي السيد وآخرين, لوضع برنامج للنهضة..ثانيا: إصلاح جهاز الدولة المصرية, من حيث الكفاءة والرشد وظروف العمل الملائمة والرواتب وطريقة صنع القرار, ولست معجبا بإسرائيل كدولة, لكن في كل وزارة هناك مستشار علمي يؤخذ برأيه..عندنا القرار فردي, الرئيس الملهم الموجود علي كل مستوي, وتوجد طريقة أفضل تقوم علي المعرفة والتجربة والتشاور والإفادة من الأخطاء, وأولي أجهزة الدولة بأسبقية الإصلاح هو الشرطة, لتوفير الأمن, من خلال رؤية جديدة لمهام الأمن تقوم علي احترام حقوق الإنسان. ثم تعظيم الدروس المستفادة من خبرات الدول المتقدمة وفتح الخيال لتحقيق نهضة اقتصادية طال انتظارها.
هل نعاني حاليا أزمة هوية ملتبسة؟
- لا أزمة في الهوية ولا في تدين المصريين, لأننا شعب متدين وهويته متجذرة, لكن النسيج الوطني يمر بأزمة, لأن بعضنا لا يعترف بفكرة المواطنة التي تعني أن كل من يعيش علي أرض مصر يتمتع بحقوق متساوية, بغض البصر عن أي انتماء عرقي أو ديني أو فكري.. في عشرينيات القرن الماضي أصدر كاتب مصري كتاب لماذا أنا ملحد, بحرية وفي جو من النقاش العلمي, اليوم مسلمون يعانون مشكلات, لأن مسلمين آخرين يرون أنهم أكثر منهم إسلاما, أما المسيحيون فيتعرضون لمشكلات أكبر من ذلك, والوقوف أمامها صامتين تمزيق لنسيج الوطن ولحمته..
أسرع إلي مقاطعته: أليس هذا برهانا علي فشل النخبة المثقفة, وانكشاف لعبة( التمكين المتبادل) أو(شيلني واشيلك) بينها وبين السلطة, حتي وصلت الأمور إلي ما آلت إليه ؟!
- لن أدافع عن المثقفين, فعلاقة المثقف بالسلطة تحتمل مجالا أوسع, لكن دعني أتحدث عن نوع من المثقفين يسمي المثقف العضوي, وهو رجل الدين الإسلامي أو المسيحي وسط الجماهير-لا أتحدث عن نجوم الفضائيات والإعلام- وهو ذو تأثير قوي مباشر, لاسيما في البيئات الفقيرة وهذا ما يصنع الدين الشعبوي, ولا تنس أننا نعيش في مجتمع40% من سكانه أميون, أردت أن أقول إن المجتمع الناهض لا يعرف التعصب الذي يظهر في أوقات التخلف والانحطاط, مثل الهجوم علي الكنائس, وقد شاركت بعض أجهزة الدولة في ذلك كالداخلية, تذكر أنه علي امتداد18 يوما الأولي من عمر الثورة المصرية, وفي ظل غياب كامل للشرطة, لم يتعرض مسجد أو كنيسة أو حتي المعبد اليهودي في وسط البلد لأي عدوان, ولو بطوبة, الدولة تتحمل المسئولية الأولي, المثقف في مصر ربما يمثل قوة, لكن فعالية الدولة أقوي, وعليها أن تعطي المثل في صيانة النسيج الوطني وأن تجاهر بذلك, وتتصدي لمحاولات انتهاكه, قبل يوليو52 وفي عهد عبدالناصر كانت الوحدة الوطنية مصونة, وبدأت الفرقة في عهد السادات وحاول مبارك رأب الصدع لكنه فشل.
وفي عهد مبارك تراجعت معادلة المثقف والسلطة, لمصلحة الثروة والسلطة, مما فاقم مشكلات الوطن والمواطن.
- إحدي النتائج الإيجابية لثورة يناير هي فك الروابط الوثيقة بين السلطة والثروة, عندما كان بعض رجال الأعمال علي قمة هرم الحزب الحاكم وتولوا مناصب وزارية تتقاطع مع أعمالهم الخاصة. وصار الباب مفتوحا أمام رأسمالية وطنية حقيقية تعتمد علي ذاتها وإمكاناتها, ولابد من التذكير بأن الصلة بين الثروة والسلطة لا يمكن القضاء عليها, لكن النظم الرأسمالية الرشيدة تضع ضوابط لتأثير الثروة في السلطة, من خلال الرقابة والشفافية والمحاسبة.
* يذهب البعض إلي أن نظام مبارك كان إقطاعيا احتكاريا, لا رأسماليا.
- سعي ذاك النظام لإفساح المجال أمام نمو الرأسمالية, والعقبة الوحيدة هي بقاء عدد كبير من شركات القطاع العام دون نقلها إلي القطاع الخاص..
أستوقفه: أية خصخصة يا دكتور,وهي عملية فساد مكشوف وإهدار لمقدرات البلد..
- أوافقك علي وجود الفساد والظلم, لكن هذا طبع الرأسمالية في الحالات المماثلة, في دول أخري..
الفساد والاختلالات بين الدخول و الطبقات أبرز أسباب ثورة يناير..
- في النظام الرأسمالي يتم توجيه الاقتصاد من خلال الخدمات الاجتماعية لتخفيف حدة الأمر, وبرغم ذلك فإن الليبرالية الجديدة علي يد ثاتشر وريجان كشفت عن مساوئها واضطرت لمراجعة مقولاتها, وهناك وجه آخر للرأسمالية الرشيدة يبرز فيه دور الدولة, فالتعليم مجاني في فرنسا, ويكاد يكون مجانيا في ألمانيا, وهناك إعانات بطالة في غيرهما, أو ما يعرف بالاشتراكية الديمقراطية في الدول الاسكندنافية وهكذا, وعلي الرغم من أنني اشتراكي وأؤمن أن الاشتراكية أفضل كثيرا مما قدمه النموذج السوفيتي السابق, فلا أظن أن الاشتراكية بديل مطروح, نحتاج دولة رأسمالية رشيدة تحارب الفقر وتتيح الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وتأمينات ومرافق, وتراعي العدالة الاجتماعية, ليس فقط بدافع الشفقة والرحمة, لكن لتحقيق تنمية إنسانية صحيحة, البشر هم الأساس, ومن خلال رفع مستواهم وضمان الحريات الأساسية يتم إنجاز التقدم.
الاقتصاد المصري يعاني بشدة ومع أنه أساس المشكلة والحل, فإنه لا يحظي بالاهتمام الذي يستحق في ظل التراجع الحاد الذي يعتري مؤشراته.
- أزمات الاقتصاد المصري موجودة من قبل الثورة, وبخاصة منذ2008 باتساع الفجوة بين الصادرات والواردات السلعية, وانخفاض الإنتاجية وارتفاع تكلفة العمل برغم انخفاض الأجور, وعجز الاقتصاد عن توليد وظائف, مما فاقم من البطالة, وانخفضت مستويات النمو, فتدافع المواطنون علي مجالات الاقتصاد غير الرسمي, ومع الثورة والانفلات الأمني زادت حدة المشكلات, فاختنقت السياحة واختفت الاستثمارات الأجنبية.. بالطبع هناك حلول للخروج من المأزق الحالي تقتضي رؤية جديدة.
نحن لا نحتاج إلي إعادة اختراع العجلة فهناك دول سبقتنا علي درب النهوض والنمو في جنوب شرق آسيا وتركيا وأمريكا اللاتينية, فأيها تراه أفضل لنا وأقرب؟
- ما أتمناه بحرارة أن ننظر لجنوب شرق آسيا خاصة النموذج الكوري الجنوبي, فهو قصة نجاح, هو نموذج أصيل أما ماليزيا أو تركيا أو اندونيسيا فهي نماذج غير أصيلة, كانت كوريا في الستينيات متخلفة عن مصر, واستطاعت اليوم أن تصبح لاعبا مهما وكبيرا في الاقتصاد العالمي, ويبدأ الطريق الكوري من الاعتناء الشديد بالتعليم والبحث العلمي, وإيجاد صلات بين صانع المعرفة وصانع القرار, وهناك بيتان للخبرة: معهد التنمية, وهو معهد حكومي, ومعهد الاقتصاد العالمي والتنمية الصناعية, وقد زرت أحدهما واطلعت علي آليات العمل, ودورهما في صنع السياسة الاقتصادية, فالاقتصاد دائما في قمة أولويات صانع القرار الذي تقوم بينه وبين القطاع الخاص علاقات وثيقة, ويتم منحه مزايا تتناسب طرديا مع مقدار ما يحققه هذا القطاع من الخطط التنموية الموضوعة, كالإنتاج والعمالة والتصدير, حتي التمويل البنكي يرتبط بمدي نجاح هذه الشركات في إنجاز الأهداف المتفق عليها, وبالتعليم واستمرار التخطيط منذ عام1961 صارت كوريا من كبار منتجي النسيج, ثم الصلب والسفن والسيارات والإلكترونيات..مستفيدة في البداية من مناخ الحرب الباردة واتساع أسواق المنطقة وانخفاض ميزانية الدفاع بالنظر لعلاقتها الخاصة مع واشنطن, وكان للدعم الأمريكي المادي والتكنولوجي أثره أيضا, كما أن الاقتصاد العالمي كان يمر بمرحلة انتعاش..
تبدو الظروف الكورية غير موجودة بالنسبة لنا لاسيما من ناحية تأزم الاقتصاد العالمي والعلاقات المتوترة مع أمريكا والمناخ الإقليمي العربي غير الودي لفعل الثورة المصرية.
- في هذا الظرف التاريخي الحرج ينبغي أن تحافظ الحكومة المصرية علي علاقات طيبة مع كل دول العالم دون صدام, أو عداوة مع الولايات المتحدة أو غيرها, فأمريكا لاعب رئيسي في السوق العالمية, وهذه السوق قد تكون مصدر تهديد لنا وهي أيضا مصدر للاستثمارات والتكنولوجيا والسياح.. وإذا كانت الصين وروسيا تكافحان للاندماج بها, عبر منظمة التجارة الدولية, فليس لنا مصلحة في الخروج منها, مصر بموقع التابع في الاقتصاد العالمي, في رءوس الأموال والتكنولوجيا والغذاء, نموذج النمو نفسه نقترضه من الصندوق أو البنك الدوليين, أوضاعنا التاريخية فرضت علينا ذلك, السوق الأمريكية مهمة للغاية فهي ثاني شريك لمصر وكذلك الاتحاد الأوروبي, كما لا أفهم سببا للتردد في إقامة علاقات مع إيران إلي الآن..!
ألا تظن أن اللاعب الإسرائيلي المخرب يضع سقفا للعلاقات مع واشنطن, وأن دول الخليج تمانع في علاقاتنا مع إيران؟!
-إدارة أوباما تريد تسوية للنزاع العربي الإسرائيلي, لكن اللوبي الصهيوني يعرقله, ومادامت مصر أعلنت التزامها بمعاهدة السلام مع إسرائيل فلن يكون هناك خلاف أساسي مع واشنطن, وليس من الحكمة التخلي عن المعونة العسكرية(3,1 مليار دولار), لأنها منحة, وعلينا تجنب المعارك غير الضرورية مثل الضجة المثارة حول أنشطة المجتمع المدني, فليس هناك خلاف حول مبدأ التمويل لكن علي طريقة التمويل, يمر عبر بوابة الحكومة المصرية أم لا, أي مسارات التمويل, لا نحتاج إلي كل هذه الضجة المثارة, نحن نحتاج الديمقراطية, وهم يساعدوننا علي ذلك.
ألم تخالف هذه المنظمات القانون وتنتهك السيادة المصرية؟
- بالتأكيد, خالفت وانتهكت, وهذا خطأ ينبغي وقفه دون تعطيل المجتمع المدني, لكن مستشاري التحقيق لم يوضحا لنا الضرر الناجم عن أنشطة هذه المنظمات, بل إن منظمة كونراد أديناور الألمانية كانت تقدم الدعم والمساندة للحكومة المصرية نفسها علي امتداد سنوات, ومن ثم أري ضرورة وقف التحقيقات, ودعوة هذه المنظمات إلي إعادة توفيق أوضاعها وتقنينها وفقا للقانون المصري.
وإيران والخليج..
- ينبغي أن نحقق سيادتنا الوطنية ونقيم علاقات طيبة مع الجميع, ومنهم إيران, هذا يعزز دورنا واقتصادنا والتبادل التجاري وحركة السياحة وغيرها, دول الخليج نفسها لها علاقات مع إيران, وليس من اللائق أن تنتقد مصر في هذا الشأن, بل إن علاقات مصرية إيرانية في هذا الوقت ستعزز مكانة مصر في مواجهة دول الخليج, ولتدرك أن مصر ليست في حالة تبعية في مواجهتها.
ألا يكون ذلك سببا في إحجام دول الخليج عن مساعدة مصر في هذا الوقت العصيب برغم تلال الرساميل الخليجية في الغرب والشرق؟
- لا أدري سببا لذلك, ربما الضغوط الأمريكية أو ظروفنا غير المستقرة, وبعض هذه الدول غير راضية عن التحولات بمصر, وتخشي عدواها, لأن البني السياسية هناك عتيقة..
الدكتور حازم الببلاوي في كتابه أربعة شهور في قفص الحكومة يلمح إلي أن ذلك الإحجام الخليجي مسئولية مصرية بالدرجة الأولي..
- هناك حالة شلل أصابت الديبلوماسية المصرية, وزير الخارجية لا يكاد يتحرك, ولا أجد علامة علي أن الحكومة تبذل جهودا لفتح الجسور والأبواب مع الجميع, وفي كل الاتجاهات.
دكتور مصطفي, بدأت متشائما, في نظرك ماالذي قد يجذبك إلي منطقة التفاؤل..؟!
- وضع دستور توافقي بأسلوب توافقي بين القوي الاجتماعية المختلفة, دون إقصاء أو تغليب وجهة نظر معينة, مع النص علي استقلالية القوات المسلحة مهنيا, وخضوعها أيضا للسلطة المدنية,وأن تقل حدة الاحتجاجات, وانتخاب رئيس يحظي بقبول معظم المصريين, وتشكيل حكومة ائتلافية,ببرنامج واقعي طموح وتوظيف الطاقات في الوطن, للخروج بمصر من أزماتها الراهنة, باختصار نحتاج دولة مدنية عادلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.